09/09/2021 - 16:07

الأسرى يشعلون ساحات الوطن

مرة أخرى، تلقي عملية "عشّاق الحرية" من سجن الجلبوع حجرًا في المياه الفلسطينية الراكدة، لتوقظ روح الثورة في شعب ما زال يأبى الخضوع والاستكانة لجبروت الواقع الاستعماري، الذي يجثم على أرضه منذ قرن من الزمن.

الأسرى يشعلون ساحات الوطن

صورة أرشيفية للأسير الزبيدي (أ ب)

مرة أخرى، تلقي عملية "عشّاق الحرية" من سجن الجلبوع حجرًا في المياه الفلسطينية الراكدة، لتوقظ روح الثورة في شعب ما زال يأبى الخضوع والاستكانة لجبروت الواقع الاستعماري، الذي يجثم على أرضه منذ قرن من الزمن.

معجزة البطولة التي اجترحها أسرى الجلبوع باختراق التحصينات الإسرائيلية وإصرارهم على الوصول إلى الضوء الذي في نهاية النفق ومعانقة فضاء الحرية، لا تقل عن معجزة البطولة التي سبق واجترحها الشباب المقدسي في باب العامود والشيخ جراح وساحات الأقصى، وأشعلت هبّة أيّار الشاملة على امتداد الوطن الفلسطيني من غزة إلى اللد ويافا، ومن عكا وحيفا حتى جنين ونابلس.

لا تقلّ قضية الأسرى حساسيةً وحرمةً في وجدان شعبنا عن مكانة وقدسية القدس والأقصى، وكانت كفيلة دائمًا باستنفار المشاعر الوطنية وإشعال ساحات الوطن بالمظاهرات والمواجهات وقلب المعادلات السياسية، ومخططات الاحتلال في تكريس حالة الاستكانة والتسليم بالأمر الواقع ومقايضة الحقوق الوطنية بواقع "السلام الاقتصادي"، و"قروض الاحتلال المالية"، ضمن ما يعرف بسياسة "تقليص الصراع" التي يتبناها رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد.

وجاءت عملية "عشّاق الحرية" من سجن الجبلوع بشمولها قيادات من "سرايا القدس" إلى جانب قائد كتائب "شهداء الأقصى"، زكريا الزبيدي، فلسطينية مئة بالمئة، بدّدت الأوهام التي ينثرها البعض حول تحويل "العرب إلى عربين"، كما يقول مثلنا الشعبي. وأكّدت أنّ شعبنا وطلائعه المناضلة يعيش الظلم والمعاناة ذاتها، ويطمح إلى نفس الحرية والتحرر من قيود الاحتلال وسجونه.

كما أثبت خروج شعبنا في مختلف مواقعه وتنظيماته متضامنا ومستنفرا مع وضوح البوصلة الوطنية ورفض الواقع الهجين، الذي يحاول تكريس التعايش مع الاحتلال ضمن سلطة حكم ذاتي تفتقر للصلاحية والسيادة، وينحصر دورها في علاقة تنسيق أمني من طرف واحد، تلعب فيه هذه السلطة دور الوكيل والخادم الأمين لمصالح الاحتلال.

أوصلت مآلات اتفاق أوسلو شعبنا إلى وضع بات ينقسم فيه أبناء الشعب الواحد الواقع تحت الاحتلال وطلائعه السياسية، بين عناصر في أجهزة أمنية تعمل في خدمة الاحتلال، وبين مقاومين للاحتلال يتم إعدامهم في الشوارع بدون محاكمة أو يقبعون في سجونه حتى الموت.

والمفارقة أن هؤلاء وأولئك هم، في كثير الأحيان، من التنظيم نفسه. أمثال زكريا الزبيدي ومروان البرغوثي وغيرهم العشرات والمئات الآخرين من الرافضين لهذا الواقع والساعين إلى استعادة دور ومكانة حركة التحرر الوطني وتوحيد تنظيماتها وفصائلها من خلال إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي، واستكمال مسيرة التحرير وبناء الدولة المستقلة.

لا بد لهذه الازداوجية من الوصول إلى نهايتها. ولا بدّ لهذا التناقض الذي بات يرهق ويعيق الحالة الفلسطينية أن ينتهي إلى الحسم، عبر التخلّص من تَرِكة أوسلو وأجهزتها البيروقراطية التي حوّلت "الثورة" إلى سلطة بدون صلاحية وبدون سيادة، فأصبح يقتصر دورها، في غياب السيطرة على الأرض، التي تخضع للاحتلال، على السيطرة على الشعب، وتحول احتكار العنف من قبلها كدولة افتراضية، يوجه في قمع المقاومين للاحتلال، بدلا من أن يوجه لفرض النظام وسيادة القانون.

لقد صدّق هؤلاء المظاهر والطقوس الكاذبة، التي تقتصر على العلم والنشيد والسيارات الفارهة والبساط الأحمر وحرس الشرف وألقاب الوزير والسفير والرئيس التي خلعوها على أنفسهم، حتى بات أقصى همهم ينحصر في الدفاع عن هذه المظاهر والامتيازات، بل أنّهم اختلفوا وانقسموا على سلطة لا تمتلك أدنى سلطة على الأرض ولا على السماء لا في غزة ولا في الضفة.

في مثل هذا الوضع يرمز زكريا الزبيدي، بما يحمله على كتفيه من تاريخ مقاوم، وما يتمتّع به في وضعيته الراهنة كأسير أسهم في إخراج هذه العملية النوعية المشتركة إلى حيّز التنفيذ؛ إلى جيل قيادي جديد، وربّما يمثّل هو والبرغوثي وعشرات بل ومئات الأسرى على غرارهم، البديل الذي ينتظره شعبنا لتصويب البوصلة الوطنية نحو الأهداف الحقيقية التي انحرفت عنها، وصولا إلى تعزيز الوحدة الفلسطينية واستكمال مشروع التحرر الوطني المتمثل بالعودة والدولة المستقلة.

التعليقات