28/10/2021 - 16:12

كفر قاسم.. أمشي على جرحي وأقاوم

وفي السياق، أيضًا، ومرورًا على السجال الذي دار مؤخرًا في الكنيست، فإنّ انتساب الوزير العربي في الحكومة الإسرائيلية عيسوي فريج لكفر قاسم، لا يعطيه أيّة أفضلية على النائبة عايدة توما في هذه القضية.

كفر قاسم.. أمشي على جرحي وأقاوم

شهداء كفر قاسم (أرشيفية)

يمتاز الشهداء، بغض النظر كانوا شهداء مجزرة أو معركة أو مظاهرة، بكونهم شهداء شعب ووطن قضوا في سبيل قضية أو قتلوا بدم بارد لمجرد انتمائهم لهذا الشعب، كما حدث في كفر قاسم وغيرها من المذابح والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية قبل وبعد الـ48، في إطار سياسة التطهير العرقي والسيطرة على فلسطين.

وكونهم شهداء شعب يعني أن دماءهم ليس برقبة أهاليهم فقط، بل برقبة هذا الشعب وطلائعه التي تحمل قضيته الوطنية وتحفظ ذاكرته الجمعية وطقوسه ورموزه التاريخية، وهذا ما جعل دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر أسماء خالدة في قلوب وعقول أبناء شعبنا في مختلف أماكن تواجده، لن ينساها ولن يغفر لمرتكبيها مهما طال الزمن.

ومن يراجع سجّلات تاريخنا القريب يكتشف أنّه في الوقت الذي كانت فيه سلطات الحكم العسكري تفرض "صلحة عشائرية" على عائلات الضحايا وعلى أهلنا في كفر قاسم، وتعمل على "لفلفة الطابق"، كانت جماهير شعبنا ترفع صرخة الضحايا وتحيي الذكرى الأولى للمجزرة في الناصرة وحيفا وغيرها من المواقع تحت شعار "لن نغفر ولن ننسى".

وكان الجيش الإسرائيلي قد نصب في تشرين الثاني/ نوفمبر 1957 "سرادقًا أو خيمة سوداء في ساحة مدرسة القرية للقيام بمراسيم الصلح، وحضر الاحتفال وزير الشرطة وكبار رجال الجيش والحاكم العسكري وأعضاء ’لجنة رشيش’ (اللجنة التي أقيمت برئاسة رئيس بلدية بيتح تكفا، بنحاس رشيش، لبحث قضايا تعويض عائلات الشهداء والجرحى)، ووجهاء من باقة وجت والطيرة والطيبة واللد والرملة".

وقد اضطرت عائلات الضحايا بفعل إرهاب الحكم العسكري إلى قبول التعويضات وحضور الصلح، حتى أنّ الشخص الوحيد الذي سبق وأعلن في مؤتمر صحافي في بيت سوكولوف بتل أبيب عن معارضته لقرارات "لجنة رشيش"، اضطر هو الآخر إلى حضور عقد راية الصلح.

وفي السياق، يقول مراسل صحيفة "هآرتس": "قابلت جريحًا مقطوع القدم، فقال لي إن هناك أشخاصًا أجبروه على حضور الصلحة"، أما مراسل صحيفة "عل همشمار" فقال: "الناس في كفر قاسم يسخرون من زعماء الحمائل وكبار السن لأنهم وافقوا على الصلح"، في حين ذكرت صحيفة "الاتحاد" أن الحاكم العسكري منع إصدار تصاريح للعمل، فاضطرّ السكان إلى قبول قرار اللجنة.

وبلغ عدد الذين حضروا الصلحة نحو 300 شخص، وبعد إلقاء الكلمات بهذه المناسبة، تناول الحضور "وجبة دسمة" على حساب الجيش الإسرائيلي، "وكانت النية معقودة على إحضار 11 متهمًا في هذه القضية من السجن لحضور مراسيم الصلح، ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب، ويبدو أنه خيف من هيجان في القرية المنكوبة التي كان عدد سكانها نحو 2000 نسمة، إلّا أن إجراء الصلح جعل المحكمة تخفّف من أحكامها لتصبح صورية، وتطلق سراح المعتقلين بعد مدة وجيزة، حيث حكم على الضابط يسسخار شدمي بدفع قرش واحد فقط لا غير".

ونحن نعرف أنّ كفر قاسم استغرقت سنوات طويلة لتلملم جراحها وتتمكن من حمل راية قضيتها ومجزرتها بنفسها، وتحيي ذكرى المجزرة على أرضها وأمام قبور ضحاياها، وخلال تلك السنوات وبعدها كانت وما زالت جماهير وطلائع شعبنا الوطنية تحمل هذا الوجع وتلك الراية وهي تردّد مع شاعرها، "علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأقاوم".

وفي السياق، أيضًا، ومرورًا على السجال الذي دار مؤخرًا في الكنيست، فإنّ انتساب الوزير العربي في الحكومة الإسرائيلية عيسوي فريج لكفر قاسم، لا يعطيه أيّة أفضلية على النائبة عايدة توما في هذه القضية، حتى لو كان فعلا من أحفاد عائلات الضحايا، ولا يخوّله كذلك للحديث عن الوجع، في قضية سياسية وطنية من الدرجة الأولى مثل مجزرة كفر قاسم، خاصة وأنه أسقط عن نفسه هذا الحق بمجرد انتمائه لحزب صهيوني، وإشغاله منصب وزير في حكومة إسرائيل التي ما زالت ترتكب المجازر ضد شعبنا.

فريج لا يملك حجة عائلات الضحايا الذين فرض عليهم إرهاب الحكم العسكري "الصلحة العشائرية" التي وصفها، في حينه، إميل حبيبي بـ"المذبحة الأخلاقية"، فهو يشغل بمحض إرادته، طوعًا وطمعًا، منصب وزير في حكومة دولة استعمار استيطاني قامت على أنقاض شعبنا وعزّزت - وما زالت - احتلالها واستيطانها بالعنف والحرب والمجازر. وفي الأسبوع الذي يتصادف مع ذكرى مجزرة كفر قاسم، أعلنت "حكومته" عن بناء 1300 وحدة استيطانية في الضفة المحتلة (من أصل أكثر من 3 آلاف وحدة)، كما أعلنت عن 6 من أعرق منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطينية منظمات إرهابية، وغطّت عشرات الاقتحامات للحرم القدسي الشريف.

كذلك، فإنّه من المثير أن يقال لرئيس القائمة المشتركة "اجلِسْ" فيجلِسْ، ويترك هو ورفاقه المسرح لفريج لتقديم "موندراما" حول وجع أحفاد ضحايا مجزرة كفر قاسم، متهما رفيقتهم وحزبها بالمتاجرة بدم الضحايا دون أن يتم إسكاته.

إنّه وضع الأزمة التي تضرب الجميع، من قايض وقبض، ومن أوصى وبشّر، وما زال يجلس على دكة الاحتياط.

التعليقات