11/11/2021 - 15:47

"الشاباك" هو ذاته.. تعذيب وتلفيق وشهادات كاذبة

في اللقاء الثاني، قال "أبو القاسم" لنابسو إنّه قيادي في حركة "فتح" وإنّ اللقاء السابق الذي جرى بينهما قد تم تصويره، وإذا لم يزوّده بمعلومات عن نشاط الجيش الإسرائيلي، فإنه سيسلّم الصور للاستخبارات الإسرائيلية. رفض نابسو العرض.

يافا خلال المواجهات الأخيرة (أ ب)

عزّات نابسو هو ضابط شركسي من كفر كما خدم في وحدة الارتباط التابعة للجيش الإسرائيلي في لبنان، أواخر السبعينيّات. والتقى، بحكم وظيفته، بالعديد من المواطنين اللبنانيين، وحسب اعترافه في إطار صفقة ادّعاء أمام المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1987، رُتِّبَ لقاء له مع "أبو القاسم"، وهو عميل مزدوج عرّف نفسه بأنّه على علاقة مع "المقاومة الفلسطينية" وأنّه يستطيع تزويده بمعلومات عن نشاطها، واتفقا على الالتقاء لاحقا.

في اللقاء الثاني، قال "أبو القاسم" لنابسو إنّه قيادي في حركة "فتح" وإنّ اللقاء السابق الذي جرى بينهما قد تم تصويره، وإذا لم يزوّده بمعلومات عن نشاط الجيش الإسرائيلي، فإنه سيسلّم الصور للاستخبارات الإسرائيلية. رفض نابسو العرض وغادر المكان دون أن يخبر أحدًا بتفاصيل ما جرى، ثم ترك الجيش الإسرائيلي لاحقا عام 1979.

إلا أنّ القصة لم تنته هنا، فقد اعتقل نابسو مطلع عام 1980 من قبل "الشاباك"، واتُهم بـ"التجسّس وتقيم مساعدة للعدو" وإخضاعه لتحقيق استعملت خلاله أساليب تعذيب لمدة 14 يوما نجح "الشاباك" في نهايتها بانتزاع اعتراف منه بالتهم التي وجهوها إليه، وتقديمه لمحكمة عسكرية حكمته بالسجن 18 عامًا.

اشتهرت قضية نابسو وأشغلت الرأي العام الإسرائيلي إثر قيام المحكمة العليا الإسرائيلية بتبرئته بعد استئناف قدمه عام 1987، بعد أن قضى سبع سنوات ونصف من مدة حكمه البالغة 18 عاما، في ما اعتبرت فضيحة أخرى لـ"الشاباك" أضيفت وتزامنت مع فضيحة الكشف عن جريمة باص 300، التي قتل فيها الفدائيان بدم بارد بعد إلقاء القبض عليهما، خاصة وأنّ المتورط الأساسي في القضيتين كان ضابط الشاباك الكبير، يوسي غينوسار.

دفعت العاصفة الإعلامية المستشار القضائي للحكومة إلى الإعلان عن فتح تحقيق مع رجال "الشاباك" وإلى تشكيل لجنة "لنداو" لفحص أساليب تحقيق "الشاباك"، التي أكّد الجزء العلني من تقريرها استعمال أساليب التعذيب خلال التحقيق وقيام عناصر "الشاباك" بالإدلاء بشهادات كاذبة في المحاكم.

بعد أربعة عقود على قضية نابسو وجريمة باص 300 وتقرير لجنة لنداو، أعلنت نيابة لواء تل أبيب، مؤخرًا، عن إلغاء لائحة الاتهام التي قدمتها ضد ثلاثة شبان عرب من يافا، بالمشاركة في "سحل" ضد جندي في المدينة، بعد أن بيّنت كاميرات الحراسة أنّهم لم يتواجدوا أصلا في المكان خلال حدوث الواقعة، كما تراجعت النيابة عن اتهام شاب رابع بالمشاركة في السحل المذكور وأبقت على تهم التحريض ودعم تنظيم إرهابي الموجهة ضده بسبب رسائل بعثها قبل وبعد مهاجمة الجندي.

وخلال تحقيق "الشاباك" معهم، اعترف الشبان اليافاويون بالتهم الموجهة إليهم بمهاجمة الجندي على خلفية قومية خلال أحداث "هبة الكرامة" في أيار/مايو الماضي، ثم تراجعوا عن ذلك لاحقا، وجاءت صور الكاميرات لتؤكد براءتهم من التهم التي وضعها "الشاباك" في أفواههم ودفعهم للاعتراف بها تحت التعذيب، ولم يسعفهم تراجعهم عنها في المحكمة، التي كانت ستودي بهم إلى سنوات طويلة في غياهب السجون لولا صور الكاميرات التي أثبتت عدم تواجدهم في المكان خلال الحدث المذكور.

وإذا كان حظ هؤلاء الشبان قد حالفهم بوجود كاميرات وثّقت الحدث وأكّدت كذب رواية "الشاباك" التي تحولت تحت التعذيب إلى اعترافات دامغة ضد أصحابها، فإن عشرات - وربّما مئات - الفلسطينيين الذين مروا في أروقة "الشاباك" وخضعوا لتحقيقاته لم تسعفهم كاميرات مراقبة ولم يصدقهم "القضاة النزيهون" الذين حاشا أن يشكّكوا في رواية "الشاباك" الكاذبة، ويقروا بأن اعترافات المتهمين قد انتزعت منهم بطرق غير قانونية وتحت التعذيب.

عزات نابسو، إيّاه، قال بعد 40 عاما على قضيته، ردًّا على سؤال مراسل "هآرتس" في سياق قضية الشبان اليافيين، كيف يمكن لإنسان أن يعترف بشيء لم يفعله، "لكي تصمد ولا تعترف خلال تحقيق ’الشاباك’ يجب أن تكون ’غير سوي’، إنّهم يسمحون لأنفسهم بكل شيء ولا يلتزمون ببروتوكول تحقيق ولا بأي شيء آخر، هم جزء من الادعاء ولكنهم ليسوا مدعين ولا يقع عليهم التزام تجاه أي أحد، يفعلون بك ما يريدون وينتزعون منك الاعترافات".

التعليقات