14/12/2021 - 19:05

ما بعد تحرُّر الشيخ رائد صلاح

ممازحة بركة لصلاح في السيارة في العودة إلى عمل لجنة المتابعة تبدو في عمقها استغاثة لرمزيّة رائد صلاح لتعزيز حضور ومكانة لجنة المتابعة، بعدما فقدت الأخيرة تأثيرها ودورها التقليدي جرّاء المتغيّرات السياسيّة والمجتمعيّة العديدة

ما بعد تحرُّر الشيخ رائد صلاح

خلال استقبال صلاح بعد تحرره

في فيديو انتشر في وسائل التواصل يوم أمس بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه 28 شهرًا، يظهر الشيخ رائد صلاح وهو في السيارة بطريق العودة لأم الفحم ومعه كمال خطيب ورئيس لجنة المتابعة، محمد بركة. يُمازح بركة صلاح ويقول له: "يلا خذلك كم يوم وترجع على الشغل على المتابعة... راحة خلصنا راحة"، فيجيب صلاح مازحًا: "إذا في جلسة اليوم فخلينا نضل مكملين على المتابعة... أنا جندي عندكم".

هناك سؤال يُطرح بعد تحرّر الشيخ رائد صلاح من السجن وبعد الاحتفاء به، حول الدور السياسي الذي سيلعبه في المشهد السياسي في الداخل الفلسطيني، بعد تغييب إسرائيل وملاحقة الشيخ رائد بسجن انفرادي ومحاولات تحجيم دوره السياسي كجزء من سياسة ملاحقة القيادة الوطنيّة وتجريمها، التي استهدفت الرموز القياديّة الوطنيّة الفاعلة والمؤثرة في العمل السياسي الوطني خلال العقدين الماضيين.

يبدو خروج رائد صلاح من السجن هذه المرّة مختلفًا عن مرّات سابقة، حيث كان استئناف نشاطه السياسي في السابق طبيعيا ودون معيقات كبيرة، وأقلّ خطورة عليه في العودة إلى السجن، أبرزها حظر حركته الإسلاميّة منذ سنوات (الذي مرّ دون مواجهة مع المؤسسة الإسرائيليّة) وغياب أي جهاز تنظيمي يستطيع أن يُشرف عليه ليكون أداة للعمل السياسي، وكونه هو شخصيًا تحت المراقبة والترصد الإسرائيلي على كل صغيرة أو تصريح يمكن أن يصرّح به.

بالإضافة لذلك؛ يبدو الوضع السياسي والحزبي في الداخل في أسوأ أحواله منذ سنوات عديدة، إن كان على مستوى أداء الأحزاب أو في ما يخصّ تغلغل مشاريع الأسرلة داخل المجتمع، مع سابقة سياسيّة تمثّلت في انضمام تيار سياسي عريض "الموحدة" الذي كان محسوبًا على الخط الوطني التقليدي ضمن الثوابت السياسية التي مارستها الأحزاب المُمثلة في لجنة المتابعة (التي تخلخلت هذه الثوابت أيضًا نتاجَ توصيةِ القائمة المشتركة على غانتس)، إلى الحكومة الإسرائيليّة وقوانينها التي كان آخرها قانونان صباح اليوم "يبشّران" بممارسات حكم عسكري بأصواتٍ عربيّة، واحدٌ يستهدف الأسرى في سجون الاحتلال ويزيد التضييق عليهم، وآخر يتحضّر لقمع الهبّة الشعبيّة القادمة كتلك التي حصلت في أيّار/ مايو الماضي بشكل أعنف.

يُضاف أيضًا إلى كل ما سبق، حالة العنف والجريمة المنظمة التي تضرب في كل البلدات تقريبًا، خصوصًا في أم الفحم، بلد الشيخ رائد التي خسرت عددًا من أبنائها هذا العام في موجة قتل تبدو وكأنها قتلت كل الأمل الذي أفرزه لنا الحراك السياسي المختلف والمتقدّم الذي قام به الحراك الفحماوي الموحد مع بداية هذا العام، الذي ضمّ أطيافا سياسيّة متعددة وأتاح المجال لنشطاء من الحركة الإسلاميّة المحظورة إسرائيليًا، العودة للعمل السياسي بشكل من الأشكال.

لا نعلم ما هي وجهة الشيخ رائد صلاح القادمة في استئناف نشاطه، إن كان للقدس والأقصى الممنوع من دخولهما، أو في الساحة الفلسطينيّة في أراضي الـ48، ومدى قدرته على لعِب دور مركزيّ -كما يتمنى الآن الكثيرون- كما السابق، بسبب الملاحقة وتعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي الحالي. لكن من الواضح أنّها ليست مهمّة رائد صلاح وحده، فرغم الرمزيّة الجماهيريّة والسياسيّة التي يمثلهما، والتعاطف الشعبي الكبير معه والتأثير المباشر له على الناس؛ لن يكون من السهل بالنسبة إليه، الاستئناف وإحداث تغيير ملموس، وقد تُمثِّل هذه المهمّة لصلاح صعوبة وتحدّيات لا تقل عن العزل الانفرادي الذي واجهه في السجن ببسالته المعهودة.

لنتخيّل لو أنّ السيارة ذهبت إلى اجتماع للجنة المتابعة، ماذا سوف يجد الشيخ رائد هناك؟ وأي دور يمكن أن يلعبه الآن؟ وماذا يمكن أن يفعله في هذه المرحلة؟ ممازحة بركة لصلاح في السيارة في العودة إلى عمل لجنة المتابعة تبدو في عمقها، استغاثة لرمزيّة رائد صلاح لتعزيز حضور ومكانة لجنة المتابعة، بعدما فقدت الأخيرة تأثيرها ودورها التقليدي جرّاء المتغيّرات السياسيّة والمجتمعيّة العديدة، ولعدم قدرة المتابعة على تطوير ذاتها وأدوات عملها وبناء مؤسسات لتكون مساحة نابضة للعمل السياسي والمجتمعي الجامع، وليس مكانًا لاختتام المسيرة السياسيّة للعديد من القيادات.

التعليقات