11/02/2022 - 21:40

خمسة ملايين و300 ألف مشاهدة..

نشرت صحيفة "المصري اليوم"، في نشرتها الإلكترونية في الأول من شباط/فبراير الجاري، مقابلة مع رجل أربعيني، هو والد لطفلة ابنة ثلاثة عشر عامًا تعرضت للاغتصاب

خمسة ملايين و300 ألف مشاهدة..

يبدو أن حمّى عدد مرات المشاهدة وعدد التعقيبات والإعجاب فاق أي معايير أخلاقية، ومنها مهنة الصحافة.

نشرت صحيفة "المصري اليوم"، في نشرتها الإلكترونية في الأول من شباط/فبراير الجاري، مقابلة مع رجل أربعيني، هو والد لطفلة ابنة ثلاثة عشر عامًا تعرضت للاغتصاب، وتركّز الموضوع على "هل ما حدث جرى بموافقتها أم بغير موافقتها".

وتحدَّث الرّجل عن تعرض ابنته القاصر إلى اعتداء جنسي من قبل عدد من الشبان عدة مرات في الأشهر الخمسة الأخيرة، كان آخرها في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر الأخير.

استدرجها شاب في الثانية والعشرين من عمره، عندما كانت في طريقها لتلقي درسٍ خصوصي لدى مُدرِّسة في الحي الذي تعيش فيه في بلدة بمحافظة الدقهلية، أقنعها الشاب الذي اعترض طريقها بمرافقته إلى شقّته، وبقيت برفقته مع صديق له طيلة الليل، ثم نقلوها في اليوم التالي من واحد إلى آخر لمدة استمرت حوالي 35 ساعة، إلى أن عادت إلى بيتها، بعد الإبلاغ عن اختفائها، إلا أن أمر اختفائها لساعات طويلة تكرَّر لاحقًا.

وأجرت الصحافيّة لقاءًا مع الأسرة وبدأت بعد مقدمتها مع والدها، ظهر فيها بصورة عادية دون رتوش أو إخفاء لوجهه، تحدّث بالتفصيل عما حدث لابنته، أي أن الرجل المعروف في الحي، أعلن على الملأ ما حدث لابنته، ليعلم من لم يعلم بعد، وهذا يعني أن الطفلة الضحية ستعيش ما تبقى من عمرها، إذا عاشت، في عذاب يومي، وسينظر إليها من قبل الآلاف من أبناء الحي على أنها هدف جنسي سهل المنال.

وطالب والدها السُّلطات بإجراء فحص للقدرة العقلية لابنته، فإذا كانت تعاني من قصور عقلي، فهو يطلب من الحكومة حجزها في مكان خاص لمن هم في مثل حالتها، أما إذا كانت "بكامل عقلها" فهو يطلب من الحكومة ضربها بالرّصاص، وإلا فهو الذي سيقتلها، لأنه لن يستطيع تحمّل نظرات الناس وكلامهم.

هكذا وبدلا من السّعي الحثيث لعقاب المجرمين أقسى عقوبة ممكنة بما يستحقون، لأن ما فعلوه هو اغتصاب سواء كانت بكامل عقلها أو تعاني نفسيًا، فالضحية القاصر ستدفع حياتها ثمنًا، بينما حُكم المجرم الأول بالسجن ثلاث سنوات، وهذا الحكم مخفّفٌ لأن الأمر جرى بموافقتها.

نشر صورة الأب واسم الابنة جرى بحسب الصحافية بعد طلب من والدها كي يخفف ضغط الناس عنه، والصحافية تواطأت معه، رغم الضّرر البالغ للطفلة، ويبدو أنها أرادت جذب أكبر عدد من المشاهدين للفيديو، فلا شرف مهنة ولا أي اعتبار!

والأقذر من هذا أن الصحافية سألت الطفلة: اسمك إيه: فردّت الطفلة باسمها الثلاثي.. روان أيمن محمد! دون أي مراعاة لعقلية الطفلة ووعيها، وما دام الأمر يجري بموافقتها فالنشر مسموح حسب هذه الصحيفة والصحافية، هذا يعني أن الطفلة اغتصبت على يد الصحافية هذه المرّة.

هكذا بكل بساطة كشفت الصحيفة من هي الطفلة للجمهور الواسع، والأوقح من هذا، أن الصحافية طلبت من الطفلة أن تسرد بالضبط ما جرى لها! فشرحت الفتاة المسكينة البلهاء بالتفصيل الممل ما حدث لها وما فعله الشبّان الذين بلغ عددهم تسعة بها! والصحافية لا ترى حرجًا بإسماع الجمهور صوت الطفلة واسمها وتصوير والدها، ثم كلام والدتها دون أي مراعاة للطفولة بحجة أن والد الطفلة طلب هذا الانكشاف على الجمهور.

الصحافية بعد كل ما فعلته صارت "تتعهّر" وتقول: "مش عارفة أقول إيه". أما والدها فقال "عايز أشوف حلّ! إما مصحّة نفسية للطفلة أو قتلها"!

وتوجهت الصحافية إلى الأم التي لم تظهر وجهها فقالت "لا إله إلا الله، البنت مِش عارفة حاجة، ربّنا أعطاها جسم بسِّ هي مافيهاش عقل".

الوالد يصرّ "البنت مش مزبوطة عقليا"، والدليل أنها تتحدث عما حصل لها دون أن تفهم أبعاد وخطورة ما حدث.

والأنكى من هذا أن الصحافية في نهاية اللقاء راحت تتحدث عن حقوق الطفل، وأنه من الضروري أن يهتم أحدٌ ما في الأمر. وكأن ما قامت به يصب في مصلحة الطفلة.

الصحافية تسأل والدها "إنت محبستهاش ليه في البيت"؟ أي أنها مرة أخرى تحمّل الأب والطفلة مسؤولية ما حدث للطفلة.

وهنا دخل من قالت الصحافية إنه الأستاذ محمد خالد الذي يتابع القضية تطوّعًا؛ فنصح بأن توضع الفتاة في دار رعاية، وأن تعرض على الفحص النفسي.

المتهم الرئيسي حُكم بالسجن ثلاث سنوات فقط لأن الأمر جرى بالموافقة.

وقد حققت الصحافيّة ما أرادته، فقد حظي تسجيلها خلال بضعة أيام على عشرات آلاف من شارات الإعجاب والغضب والضحك وبخمسة ملايين وثلاث مئة ألف مشاهدة، وحوالي عشرين ألف تعقيب، هكذا حققت الصحافية ما حلمت به، وحكمت بالإعدام على الطفلة التي لم يعد لها مكان للعيش فيه، سوى مصحّة للأمراض النفسية طيلة الحياة أو القتل.

إذا كانت هذه الصحافية لا تعرف أو لم تسمع بشيء اسمه حقوق الطفل وشرف المهنة، فأين النظام الذي يُفترض أن يحمي الفئات الضعيفة وخصوصًا الأطفال من مغتصبيهم أولا، فالطفلة طفلة حتى لو جرى الأمر بموافقتها، ومن هكذا صحافة صفراء تسهم في الجريمة بحق الطفولة لأجل مزيد من المشاهدات؟

اقرأ/ي أيضًا | تفاهة وفهلوة

التعليقات