حملة "المسار الآمن".. هل تعكس تحولا جوهريا؟

منذ 2012 ومع ارتفاع في وتيرة عدد جرائم القتل تعالت الأصوات من الأطراف المختلفة وخاصة العربية التي ألقت اللوم على الشرطة بتطور هذا الوضع وإهمالها لسنوات في مجال تنفيذ القانون وملاحقة الفاعلين.

حملة

منذ 2012 ومع ارتفاع في وتيرة عدد جرائم القتل تعالت الأصوات من الأطراف المختلفة وخاصة العربية التي ألقت اللوم على الشرطة بتطور هذا الوضع وإهمالها لسنوات في مجال تنفيذ القانون وملاحقة الفاعلين.

بالتالي، يُلاحظ الشخص العادي تطور ملحوظ في أنشطة الشرطة في الأشهر السبعة الأخيرة. السؤال الذي نطرحه في هذه المقالة: ماذا حصل منذ أيار/ مايو 2021، والذي أدى لتغيير ملموس في الخطاب السياسي والأمني الإسرائيلي تجاه جرائم القتل خاصة والجريمة عامة في المجتمع العربي؟

مميزات الجريمة في المجتمع العربي

تُعتبر الإحصائية الجنائية الأفضل والأدق هي تلك تتحدث عن أربع فئات سكانية (عرب الداخل، عرب الضفة الغربية، اليهود، وآخرون) على ثلاثة مستويات: عدد المشتبه بهم، عدد المتهمين وعدد المدانين. هذه الإحصائية لا تنشرها الشرطة في كتابها السنوي، ولكن نجدها في مصادر أخرى مثل تقارير مركز المعلومات في الكنسيت. فخلال السنوات 2015 - 2020 كان عدد المشتبه بهم هو 309,012 شخصا، منهم 39% يهود، 34% عرب 48، 24% عرب الضفة الغربية، و3% آخرون (بدون هوية). إذا انتقلنا لعدد المتهمين، فكان عددهم الكلي، خلال هذه السنوات، 148,920 شخصا منهم 40% يهود، 24% عرب 48، 35% عرب الضفة الغربية، و2% آخرون. من ناحية عدد المدانين يتبين أن العدد الكلي هو 105,992 شخصا، منهم 35% يهود، 23% عرب 48، 41% عرب الضفة الغربية و2% آخرون. إذا أخذنا بالحسبان أن إحصائية عرب الداخل تشمل أيضا عربا من القدس الشرقية وهضبة الجولان فإننا نصل إلى أن نسبة المتهمين ونسبة المدانين من فلسطينيي 48 هو أقل من 20%. وهذه نسبة مقبولة من ناحية عدد السكان.

نتعلم من هذه الإحصائية أن نسبة الإدانة في وسط فلسطينيي 48 هي 22%، مقارنة بنسبة إدانة 30% في وسط اليهود و60% في وسط فلسطينيي الضفة الغربية. ماذا تعكس هذه المعطيات؟ أن الشرطة تعتقل عددا أكبر من فلسطينيي 48، ولكن بسبب عدم توفر الأدلة الكافية لتقديم لوائح اتهام يتم إغلاق الملفات أو عدم الإدانة في أروقة المحاكم لمن تم تقديم لائحة اتهام بشأنهم. هذه المعطيات تعكس بالأساس تصرفات الشرطة التمييزية التي تعتقل العدد الأكبر من العرب بدون أي مبررات وأدلة.

أين تكمن المشكلة إذا؟ تكمن مشكلة الجريمة في المجتمع العربي في ثلاثة أنواع من الجرائم حسب إحصائيات الشرطة خلال السنوات 2015 - 2019: (1) أن عدد جرائم القتل هو 436، أي بنسبة 70% من حالات القتل، في حين أن نسبة اكتشاف المجرم هي 20% في المجتمع العربي مقارنة بـ70% في المجتمع اليهودي. (2) أن عدد المشتبه بهم بجرائم ضد الشخص (محاولات القتل، التهديد...) هو 2432 وبنسبة 69% من مجمل الأشخاص المشتبه بهم لنفس الجريمة. (3) حيازة الأسلحة، إذ أن نسبة المشتبه بهم بتجارة أو حيازة الأسلحة غير القانونية هي 80% (2199 حالة) هم من العرب. الإحصائية المرتبطة بجرائم القتل هي دقيقة وتعكس الواقع. أما الإحصائيات المرتبطة بمحاولات القتل والتهديد وحيازة الأسلحة فهنا نتحدث عن المشتبه بهم مما يعني أن هذه الإحصائيات قد تكون غير حقيقية، وهي مرشحة لعملية فلترة في المراحل التالية (الاتهام والإدانة). نحن بحاجة لمعرفة عدد المتهمين وعدد المدانين في هذين النوعين من الجرائم لعرب 48 فقط بدون القدس الشرقية وهضبة الجولان، وهذه الإحصائيات لا توفرها الشرطة لأسباب "أمنية".

خطة 922: محطات شرطية صورية واستمرارية الإهمال بتطبيق القانون

نعرف أن الحكومة الإسرائيلية وافقت، يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2016، على خطة 922 التي عرضت خطة شاملة من شأنها تقوية دور الشرطة في المجتمع العربي. خلال هذه الفترة أي السنوات 2016 - 2019 تم إقامة 11 محطة شرطية جديدة في البلدات العربية. من حيث عدد أفراد الشرطة العرب فقد طرأ ارتفاع ملحوظ (مثلا كان عددهم في العام 2012، 3111 مقارنة بـ3991 في العام 2017). جزء كبير من هذه الخطة لم يُنفذ لأسباب مختلفة منها معارضة بعض السلطات المحلية تأسيس محطات شرطة في منطقة نفوذها، وفق ادعاءات الشرطة، لكن بشكل أساسي لم يحصل أي تطور ملحوظ في تدخل الشرطة منذ 2016 حتى منتصف 2021.

الهبة الشعبية وتصورات السلطات الجديدة

إن الهبة الشعبية الفلسطينية التي حصلت في البلدات المختلفة، ومنها المدن المختلطة في أيار/ مايو 2021، فاجأت الجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية من ناحيتين: الأولى، إن هذه الهبة هي غير عادية من ناحية كثافة المشاركة فيها. والثانية، عجز الشرطة عن احتوائها منذ اللحظات الأولى. بالتالي، تم تنفيذ حملة "فرض النظام وتطبيق القانون" منذ يوم 3 حزيران/ يونيو 2021، ولأسبوعين التي أدت وفق إحصاءات الشرطة الرسمية والمنشورة إلى اعتقال حوالي 2,500 مشتبه به، وتم تقديم 285 متهما للمحاكمة. إضافة لذلك، تمّ العثور على أكثر من 970 "وسيلة قتال" تمّت حيازتها بشكل غير قانوني وتحرير أكثر من 1,500 مخالفة سير. النقطة الهامة هنا هي بشأن الوعي السياسي والأمني للجهات الإسرائيلية، حيث بدأوا بالحديث عن نظرية جديدة، وهي أن هناك علاقة بين الهبة الشعبية والجريمة المنظمة، وأن هذه الهبة موجهة من طرف جماعات إجرامية مسيطرة في المجتمع العربي، وأن مصدر الأسلحة هي جهات خارجية (مثلا حزب الله) التي تهدف إلى "تقويض الأمن الداخلي الإسرائيلي". اختارت السلطات هذا التصور لتجريم الهبة الشعبية مما يُبرر استخدامها لأساليب قمعية.

نتيجة الهبة الشعبية وتطوير هذه النظرية الأولية (التي هي وهمية) أبدت الأوساط السياسية والأمنية قلقا من الخطر الذي يمثله العرب في إسرائيل، ومن وجود كميات كبيرة من الأسلحة بأيديهم، والتي قد يتم استخدامها في أي حدث مستقبلي. في بداية شهر تموز/ يوليو 2021 وفي اللقاء الذي جمع بين وزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة، طُرحت قضية ما سُميت بـ"الجريمة القومية المتطرفة" والادعاء أنه لا توجد بيد الشرطة الأدوات الملائمة للتعامل مع هذا النوع من الجريمة، واقترح الوزير تزويد الشرطة والمحققين فيها بالوسائل المتوفرة فقط لدى جهاز الأمن العام (الشاباك). رد جهاز الشاباك على اتهامات ضابط الشرطة قائلاً إن "ادعاء الشرطة كاذب ولا توجد بينه وبين الواقع أي صلة، وبين المعطيات التي تظهر من التحقيقات في عمليات العنف ولوائح الاتهام". وكشفت أقوال ضابط الشرطة أن "المجرمين الذين يقودون الجريمة اليوم في المجتمع العربي هم متعاونون وعملاء للشاباك، وفي هذه الوضعية أيدي الشرطة مكبّلة لأنه لا يمكن المس بهؤلاء العملاء الذين يتمتعون بحصانة". هذه نظرية ثانية التي تم تسريبها، والتي تم التمسك بها لأنها تخدم عمل الشرطة من ناحية أن الشرطة قد تستخدم هؤلاء كعملاء سريين في أي حملة قادمة، ومن ناحية ثانية تُبرر تدخل جهاز الأمن العام في مكافحة الجريمة العادية. ونظرية ثالثة تم تطويرها على المستوى السياسي ومصدرها جهات أمنية هي أن للشباب بدون هوية أو هوية مؤقتة (أحد والديهم من الضفة الغربية) كان دور في الهبة الشعبية، وهذا التصور تم استخدامه أيضا كجزء من قانون منع لم الشمل.

السيطرة تحت غطاء الجريمة المنظمة: تصورات ومفاهيم جديدة

في يوم 11 آب/ أغسطس 2021، تمت المصادقة على خطة جديدة لأربع سنوات بقيمة 3.5 بليون شيكل منها 1.4 بليون شيكل لتطوير وتقوية إجراءات تنفيذ القانون في المجتمع العربي. مع تواجد هذه الخطة، تم تكوين تصور جديد للجريمة في المجتمع العربي ومن خلاله تم استخدام مفهوم "الجريمة العربية" من قبل رئيس الوزراء ووزير القضاء، والذي يعني أن الجريمة مرتبطة بالعرب والعربي بطبيعته عنيف ومجرم. من خلال مراجعة دقيقة للمقالات الصحفية العبرية والإنجليزية المحلية التي ركزت على الجريمة في المجتمع العربي منذ المصادقة على هذه الخطة، يتبين استخدام مفاهيم جديدة من قبل أطراف سياسية وأمنية مثل "إرهاب الدولة"؛ "إرهاب مدني"؛ "واقع لا يحتمل"؛ "خط أحمر"؛ "نحن نفقد الدولة"؛ "نحن نخسر الدولة"؛ "دولة داخل دولة"؛ "تهديد وجودي"؛ "تهديد إستراتيجي"؛ "نحن في حرب"؛ "الجريمة المنظمة الأكثر تهديدا من حزب الله". تم استخدام مفهوم "العنف كالسرطان" وذلك لتبيان انتقال العنف والجريمة للمجتمع اليهودي، حيث أن حادثة مستشفى "سوروكا" في بئر السبع (طعن شخصين وإطلاق نار في الهواء خلال شجار في مدخل المستشفى) أدت إلى رفع وعي هذه الأطراف بشأن الخطر الوجودي للعنف والجريمة في المجتمع البدوي أيضا. استخدام هذه المفاهيم يعني نقل العنف والجريمة في المجتمع العربي من ظاهرة مجتمعية تعكس ضائقة لقضية أمنية وسياسية تنظر للعربي "العدو من الداخل". هنا تم بناء من جديد لجرائم القتل ضمن الجريمة المهددة أمنيا، لأن تنفيذ جريمة القتل مرتبطة بأسلحة غير قانونية والمستخدمة من قبل مجموعات منظمة داخلية وخارجية، وهذا الوضع يُعرف كتهديد لا يمكن تحمله لأنه وجودي للدولة. هذا هو التصور الذي تم تكوينه وكان بمثابة الدافع لخوض معركة إضافية شاملة وقمعية ضد المجتمع العربي، بل أكثر من ذلك، يمكن اعتبار هذه الحملة والتي يتم شنها تحت غطاء الجريمة، كعقاب جماعي للمجتمع بفئاته المختلفة.

حملة "المسار الآمن"... آمن لمن؟

من هنا تم الانتقال لمرحلة "التدخل بحجم التهديد الوجودي". كان المطلوب الحتمي هو إقامة منظومة استخبارية تضم الشرطة (بما يشمل حرس الحدود) وجهاز الأمن العام والجيش (مع وجود معارضة لتدخل الشرطة) وأطراف أخرى. إضافة إلى تطوير أنظمة وقوانين جديدة (مثلا: مصادقة الحكومة الإسرائيلية على توسيع صلاحيات الشرطة في إجراء عمليات تفتيش من دون أمر صادر عن محكمة)، تجنيد وحدات خاصة (لاهف 433، وحدة سيناء المتخصصة في المجتمع العربي)، بناء وحدة "سيف" ومشاركة سلطات مدنية أخرى مثل هيئات الضرائب المختلفة. حملة "المسار الآمن" جاءت للتخفيف من التهديد المُدرك من وجهة نظر السلطات، وهي امتداد لحملة "فرض النظام وتطبيق القانون" سابقة الذكر. بدأت حملة "المسار الآمن" في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وتستمر على الأقل لثمانية أشهر.

النظرية التي وجهت الشرطة خلال هذه الحملة كانت مثابة المحرك للأنشطة الميدانية: تجار الأسلحة هم الأكثر بروزا وتأثيرا في المجتمع العربي؛ لهؤلاء التجار التأثير على حصول جرائم القتل؛ وجود السلاح يعني السهولة في تنفيذ جرائم القتل؛ وجود علاقة بين منظمات الجريمة وحالات القتل الحاصلة؛ توفر الأسلحة بالسهولة القائمة هو خطر وجودي حيث يمكن استخدامها في أي "حدث أمني" قادم. وبالتالي تطورت "النية الصادقة"- هل هي بالفعل صادقة؟ - لدى السلطات السياسية والأمنية بتنفيذ حملة رادعة يشترك فيها 90% من قوات الشرطة وفق أقوال القائد العام للشرطة. حسب معطيات الشرطة التخطيطية فقد تم حصر 469 هدفا مركزيا للحملة، تحديد 78 تاجر أسلحة كبار، ثلاث منظمات إجرامية العاملة في المجتمع العربي، تحديد شبكات اقتصادية وشركات وهمية تابعة، وفق وصف الشرطة، لهذه المنظمات. كعادة الشرطة وصُفت الحملة بعد أربعة أشهر من تنفيذها بالناجحة، حيث تم ملاحقة 373 هدفا مركزيا بشكل فعلي، اعتقال 280 شخصا منهم 180 متهما بحيازة الأسلحة، حجز 60 مليون شيكل، وتحرير أكثر من 55،000 مخالفة سير (ما علاقة هذه المخالفات بالجرائم الجنائية؟)، والأهم هو انخفاض في عدد محاولات إطلاق النار خلال الشهرين من العام 2022 (664 محاولة) مقارنة بالأشهر نفسها من العام 2021 (1051 محاولة) وفق تقديرات الشرطة. السؤال الذي نسأله هنا: هل هذه الحملة تسويقية أو تعكس تنفيذ قانون بشكل موضوعي وصادق من ناحية التوصل لأدلة اتهام وإدانة؟ من الأهمية أن ندرك هذه الحملة بنتائجها المختلفة كحملة التي جاءت لتخدم مصالح ضيقة مرتبطة فقط بمنفذيها ولا تفي بأقل المتطلبات التي ناشدتها الأطراف العربية المختلفة من أعضاء كنيست ورؤساء بلديات وقوى مجتمعية أخرى. كعادة الشرطة، تُركز على نتائج أعمالها ونجاحاتها فعدد المعتقلين لا يعكس نجاحا، أو عدد مخالفات السير التي تم تحريرها.

تحليل أدق لهذه الحملة الشاملة التي تشنها السلطات الأمنية والمدنية يعكس أن الهدف ليس جرائم القتل، أو الجريمة المنظمة، وإنما عملية قهر وسيطرة شاملة من ناحية احتوائها على نواح مختلفة، مثل السير، فحص المركبات، فحص جاهزية محطات الوقود، الشركات والمحلات التجارية.

نظرية إدراك التهديد الوجودي هي الدافع لتصعيد السيطرة

هذه الحملات حصلت وتحصل ضمن مفهوم "سياسة السيطرة" أو "سياسة الاحتواء" التي تعتني بتوظيف مجموعة من الطرق والأدوات المنظمة تستخدمها أجهزة الدولة لضمان قوتها. تُدرك هذه الأجهزة أن مجموعات محددة هي مصدر للتهديد. حسب نظرية التهديد، في علم الإجرام، كلما زادت قوة الأقلية تُدرك الأغلبية بالتهديد الاقتصادي والسياسي، وهذا التهديد يُسمى بالتهديد الأيديولوجي. أدركت السلطات أن الهبة الشعبية التي حصلت تعني تهديدا وجوديا وحقيقيا للدولة (مثلا: من ناحية إغلاق الشوارع الرئيسية، إغلاق المصانع المشغلة نتيجة عدم ذهاب العرب لأماكن العمل - تهديد اقتصادي، احتكاكات في المدن المشتركة واستخدام مباشر لأسلحة ضد قوات الشرطة وحرس الحدود) وبالتالي تم تبني نموذج "العدو من الداخل" ضمن الحملة الأولى (هذا التصور الذي استخدمته النيابة العامة خلال محاكمة الشباب من عكا). تم تطوير هذا النموذج في حملة "المسار الآمن" من ناحية تطوير تصور التأثير المُدرك للجريمة المنظمة على هبة شعبية مستقبلية أو حسب تعريف السلطات بـ"الجريمة القومية". نظريا وعمليا قد تساهم هذه الحملة الأخيرة في تقوية عامل الردع القانوني والشرطي، الذي يعني ارتفاع الخطورة الإجرامية، مما يساعد في انخفاض في عدد محاولات إطلاق النار وجرائم القتل في المدى القصير فقط. من الأهمية إدراك أن الحملة الحالية كالحملات السابقة هدفها، كما أسلفت هو العقاب المجتمعي ومن ناحية واحدة ومحاولة للتخفيف من القلق الذي ينتاب هذه السلطات ومخاوفهم من المجتمع العربي الآخذ بالازدياد عددا وقوة اقتصادية وسياسية.

نوايا، أفعال ونتائج

ادعت القيادة العربية المحلية دائما أن المشكلة تكمن في نوايا السلطات الإسرائيلية السياسة والأمنية، وهذه النوايا أثرت على أفعال الشرطة المحدودة، بالتالي كانت النتائج محدودة أيضا. لم يحصل أي تحول ملموس في أفعال الشرطة في مجال مواجهة الجريمة، وخاصة حيازة الأسلحة وجرائم القتل، لأن هذه الأوضاع لم تعتبرها السلطات مهددة لوجودها. بناء تصورات ونظريات جديدة منذ هبة أيار 2021 أدى إلى تعزيز نوايا قديمة، لسبب واحد: تصور الجريمة المنظمة وتوفر الأسلحة في المجتمع العربي كتهديد إستراتيجي للدولة في حالة نشوب هبة جديدة مستقبلا، حيث حسب هذا التصور النابع من مخاوف خيالية، قد تلعب المنظمات الإجرامية دورا حاسما في توجيهها. النوايا لم تتغير لأنها مرتبطة بأيديولوجية تؤمن بها السلطات السياسية والأمنية (تم صقل تصورات جديدة ولو أنها في أحيان أو حالات وهمية مستندة على الأيديولوجيات اليهودية القائمة). الأفعال التي يتم تنفيذها ضمن حملة "المسار الآمن" هي مثابة الحالة التصعيدية التي تترجم أيديولوجية السلطات تجاه العرب ضمن سياسية "العدو من الداخل". السؤال الذي نوجهه هنا هو بشأن النتائج: هل هذه الحملة ستؤدي للنتائج التي نتوقعها من ناحية عدد جرائم القتل الواقعة مستقبلا؟ طبعا الإجابة هي بالسلب، لأن هدف الحملة يخدم مخططيها، وهي بسط النفوذ. قد نلمس انخفاضا في عدد جرائم القتل في المدى القريب، ولكن لا نتوقع أن درجة الردع النابعة من الحملة ستستمر طويلا.

قد يتساءل المرء، أخيرا، هل تهدف الحملة، التي ما زالت في أوجه تنفيذها، إلى تلبية مطالب القيادة السياسية والجماهيرية منذ عشر سنوات على الأقل، وهي تدخل فعال للشرطة في مواجهة الجريمة في المجتمع العربي أو تهدف حقيقة إلى تصعيد في ممارسات السيطرة والاحتواء؟ يبدو أن الشق الثاني من السؤال هو الأهم، إذ أن حملة "المسار الآمن" هي آمنة للمجتمع اليهودي وللسلطات نفسها، لأنها تستند على نظرية التهديد الأيديولوجي والوجودي التي ما لبثت تتصور العربي وفق المنظور الأمني، المنظور الذي يؤدي لتصعيد في الأفعال القمعية فقط.

*بروفيسور مختص بالعدالة الجنائية وعلم الجريمة

التعليقات