01/03/2022 - 17:01

خدعة إسرائيل بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا

الموقف الإسرائيلي من الحرب بين روسيا وأوكرانيا نابع من الصراع بين إسرائيل وإيران، لكن إسرائيل عاجزة عن القيام بدور وسيط بين الجانبين، الذي اختلقته كي لا تُلزَم باتخاذ موقف واضح، ومن شأن تمسكها بموقفها أن يدخِلها بأزمة مع الغرب 

خدعة إسرائيل بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا

خلال لقاء بينيت بينيت وبتين ("أ ب")

خَلَط الغزو الروسي لأوكرانيا الأوراق في العديد من المناطق في أنحاء العالم، المليئة بالنزاعات والصراعات الإقليمية، وبضمنها الشرق الأوسط، الذي بات فيه النزاع ضد إيران في مرتبة عليا تسبق مرتبة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بعد أن انتهت مرحلة الصراع العربي – الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.

ومن بين الأوراق التي خلطها هذا الغزو، حسابات إسرائيل في محاربتها إيران في الأراضي السورية بشكل خاص، وفي أنحاء متفرقة في المنطقة، فمنذ بدء تدخلها العسكري في سورية في العام 2015، تسعى روسيا إلى أن تكون الجهة المسيطرة هناك، أو على الأقل في المنطقة التي تخضع حاليا لسيطرة النظام السوري، وتنشط إيران بداخلها. وفي هذا الوضع، لا تمنع روسيا العمليات العسكرية الأميركية في سورية، ولا سيطرة تركيا على قسم من الأراضي السورية.

وتحاول إسرائيل، منذ سنوات، منع الوجود العسكري الإيراني والمنظمات الموالية لها في سورية، من خلال غارات وقصف صاروخي وإطلاق نيران قناصة على أهداف لإيران، والمنظمات الموالية لها وكذلك قوات النظام. واضطرت إسرائيل إلى تنسيق هذه الغارات مع الجيش الروسي، ما يعني سماح روسيا وتعاونها مع إسرائيل في استهداف إيران -حليفة النظام السوري- التي كان لها دور في حماية النظام من السقوط. ويعني ذلك أن روسيا لا تنظر إلى النظام السوريّ كحليف وإنما ككيان تحت رعايتها ليس أكثر.

ولا شكّ في أن لروسيا مصلحة في هذا التعاون مع إسرائيل، فالأخيرة دولة عظمى إقليميًّا لها تأثير في المنطقة كلها، كما أن لروسيا موقف تقليدي في نسْج علاقات مع إسرائيل بشكل يكاد يكون أفضل من علاقاتها مع أي دولة أخرى في المنطقة.

إلا أن طبيعة السياسة الروسية في أوروبا الشرقية خصوصا، مختلفة عن سياستها في الشرق الأوسط، وفي سورية خصوصا، التي تعتبر إسرائيل أنّ "حدودها" مع الأخيرة في الجولان؛ حدود مع روسيا.

وكان واضحا أن روسيا، وبخاصة تحت قيادة بوتين، لن توافق على خطوات أوكرانيا بالتقرّب من الولايات المتحدة والغرب عموما، وأن تنظر إلى ضمّ أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) على أنه خط أحمر لن تسمح بتجاوزه. وحذرت روسيا من عواقب الخطوات الغربية، لكن الغرب وبضمنه الولايات المتحدة، لم يأبه، أو تجاهل، التحذيرات الروسية بهذا الخصوص.

لم يكن بإمكان روسيا الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى الناتو، فهذا أشبه بانضمام كندا إلى حلف إستراتيجي – دفاعي مع الصين، على سبيل المثال. ولن تسمح الولايات المتحدة بذلك مهما كلّف الأمر. لكن كان بإمكان الرئيس الروسي بوتين عدم المبادرة إلى حرب كتلك التي شنها منذ يوم الخميس الماضي، وبدلا من ذلك، القيام بخطوات ومساع دبلوماسية لتحقيق إستراتيجيته ومصالحه القومية، وهذه ليست مصالح شخصية.

إلا أن المستغرَب هو تسويق إسرائيل لنفسها بأنها يمكن أن تكون وسيطا، وتزعم أنها أفضل وسيط ممكن لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بادعاء أن بإمكانها أن تجري "اتصالات مباشرة" مع كلا الجانبين. لكن ماذا يمكن أن تفعل إسرائيل بـ"اتصالات مباشرة" كهذه؟ وكيف يمكنها أو توفّر حلًّا لروسيا، التي تشعر بأن أمنها القومي مهدد بشكل خطير؟ وتعلم روسيا ذلك بدون شك، لكن هذه الخدعة الإسرائيلية مريحة لها.

وتظهر تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أن هناك ارتباكا في الحكومة الإسرائيلية حيال هذه الحرب، فوزير الخارجية، يائير لبيد، ندد بالغزو الروسي، بينما رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، يعلن تعاطفه مع الأوكرانيين ولا يأتي بأي ذكر لروسيا.

ومن الجهة الأخرى، يبرز تأييد وسائل الإعلام الإسرائيلية لأوكرانيا وتعبّر عن موقف ضد روسيا. وتدّعي إسرائيل أنها تسعى إلى موقف محايد إزاء الحرب. ولا تخفي أن هذا الحياد نابع من حربها ضد إيران في سورية، حيث تسيطر روسيا. فإسرائيل تخشى من أن اتخاذها موقفا إلى جانب أوكرانيا، سيدخلها إلى أزمة مع روسيا، تمنع استمرار هجماتها ضد أهداف إيرانية في سورية. ولذلك اختلقت إسرائيل مسألة الوساطة بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب، من أجل منع ممارسة ضغوط عليها تلزِمها باتخاذ موقف واضح مع أوكرانيا، وهي بذلك قد لا تثير غضبا روسيًّا، لكنها تُغضب الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة.

وفي هذه الأثناء، لا يُتوقَّع أن تضع الحرب أوزارها، من دون تسوية تكون مُرضية لروسيا. وتشترط روسيا وقف الحرب بإعلان أوكرانيا عن تراجعها عن الانضمام إلى الناتو والمعسكر الغربي ونزع سلاحها، حسبما أبلغ بوتين نظيره الفرنسي ماكرون. وليس بإمكان إسرائيل أن تحقق الشرط الأول، لأنها إذا حاولت ذلك ستواجه أزمة هائلة مع الولايات المتحدة، وأيضا مع الغرب كلّه.

التعليقات