22/04/2022 - 17:02

فرصة القضية الفلسطينية الإقليمية والدولية

تاريخيًا، استهدفت الإستراتيجية الصهيو - أميركية منظمة التحرير والثورة الفلسطينية ككيان مجسد لوحدة الشعب الفلسطيني، أرضًا وتاريخًا ونضالًا؛ وكذلك عمقها الإستراتيجي العربي والإسلامي من خلال "فلسطنة القضية" وعزل الفلسطينيين عن محيطهم الجيوسياسي الطبيعي، بهدف كسر مقاومتهم وصولًا لتصفية قضيتهم.

فرصة القضية الفلسطينية الإقليمية والدولية

فلسطيني على حاجز الاحتلال عند بيت لحم (gettyimages)

استمرارًا لمقالتنا الأخيرة "في أثر الهزيمة... بحثًا عن الخروج مِن الأزمة"، والتي بيّنا فيها أن الدولة اليهودية بين النهر والبحر حقيقة جيوسياسية وقانونية، الأمر الذي أكده رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، في تصريحه لقناة "سي. إن. إن." الأميركية، بأنه "لا يوجد احتلال في الضفة ووظيفتي توفير الأمن للإسرائيليين والعيش بكرامة للفلسطينيين..."، قاصدًا تحسين ظروف المعيشة الاقتصادية، وهي سياسة وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس "الأمن مقابل الغذاء". في هذه المقالة سنحاول تسليط الضوء على الفرص المتاحة للنضال الفلسطيني في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية.

تاريخيًا، استهدفت الإستراتيجية الصهيو - أميركية منظمة التحرير والثورة الفلسطينية ككيان مجسد لوحدة الشعب الفلسطيني، أرضًا وتاريخًا ونضالًا؛ وكذلك عمقها الإستراتيجي العربي والإسلامي من خلال "فلسطنة القضية" وعزل الفلسطينيين عن محيطهم الجيوسياسي الطبيعي، بهدف كسر مقاومتهم وصولًا لتصفية قضيتهم.

أولى المحطات، كانت الإصرار على المحادثات الثنائية المصرية - الإسرائيلية لعزل مصر، والتي تمخض عنها معاهدة كامب ديفيد، ومعها انفرطت مسبحة جبهة الرفض والمواجهة على جرعات، ليعمم مشروع سلام الاستلام عربيًا وفلسطينيًا على وقع تهويل خطر تمدد المشروع الإيراني الشيعي.

من غرد خارج السرب مثل العراق احتُل ودُمر، والباقي مثل ليبيا وسورية واليمن أُشعلت فيه الحرب الأهلية حتى أحرقت الأخضر واليابس، وهدرت قدراتها وستحتاج لعقود حتى تسترد عافيتها.

حدث ذلك وبشكل متسارع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومعه نظام ثنائية القطبية وتوازناته، ليستبد نظام القطب الواحد الأميركي، والذي كان وبقي هدفه نزع فتيل القضية الفلسطينية عربيًا وإسلاميًا، تمهيدًا لتصفيتها وشرعنة وجود إسرائيل وشراكتها في أي تحالف يخدم المصالح والهيمنة الأميركية الغربية.

وإذا كانت الأمور تقاس بنتائجها والإستراتيجيات بتحقيق أهدافها، فقد نجحت الإستراتيجية الصهيو - أميركية في تحقيق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وكذلك شطب منظمة التحرير واستبدالها بسلطة أوسلو، لكنها فشلت في إنهاء القضية الفلسطينية وعمقها الشعبي العربي؛ إذ تحطمت سياستها على صخرة المقاومة الشعبية الفلسطينية العنيدة التي تعمقت وتوسعت لتشمل كل الشعب الفلسطيني بين النهر والبحر، ومعها "دولة" غزة وصواريخها وعمقها الداعم إقليميًا.

الفشل ذاته حدث على صعيد الدعم الشعبي العربي، إذ لا يزال التلاحم مع القضية الفلسطينية كالرمضاء، جمر تحت الرماد، ينتظر العاصفة التي بدت تلوح عالميًا بحرب روسيا وأوكرانيا، ومعها بوادر ميلاد عالم متعدد الأقطاب تلعب فيه روسيا والصين دورًا عالميًا مهمًا. واقع جديد قد يكون ملاذا لأنظمة عربية لتحمي نفسها من الغطرسة الأميركية.

فلسطينيًا، قد يحمل هذا المتغير العالمي توجها جادا لحل الصراع العربي - الإسرائيلي وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني. دلالات على ذلك ما تصرح به الصين وروسيا وآخرها بيان الخارجية الروسية عقب الاتصال بين رئيس المكتب السياسي، لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وأشار البيان الروسي الصادر في أعقاب محادثتهما إلى أن "الهدف النهائي للتفاوض يجب أن يكون إحقاق حق تقرير المصير الشعب الفلسطيني وقيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تتعايش بسلام وأمن مع إسرائيل".

على أهمية هذا المتغير العالمي، يجب ألا يغيب عن الفلسطينيين، ولو للحظة، الصراعات الإقليمية في المنطقة العربية الإسلامية على بسط النفوذ وأمن الطاقة، ومن يكون القطب أو الأقطاب وأين موقعه على خارطة التحالفات الدولية الجديدة.

في السياق نفسه، يُفهم اجتياح تركيا العسكري الواسع لشمالي العراق هذه الأيام تحت ذريعة ضرب قواعد حزب العمال الكردستاني، حليف روسيا والقريب من إيران، وكأن تركيا في سباق مع الزمن لتعيد إليها النفوذ على منطقة الموصل وكركوك الغنية بالغاز والبترول، والتي اقتطعت منها في اتفاقية لوزان وأنقرة. توقيت أخذ بالحسبان أنه سيمضي على اتفاقية لوزان العام القادم لمئة عام، الأمر الذي يعني أن تركيا سوف تكون في حِل من هذا الاتفاق.

تركيا لم تكن تجرأ على هذه الخطوة لو لم يكن أمامها ضوءا أخضرا أميركيا، وهي التي تربطها معاهدة دفاع مشتركة مع العراق، لأن اجتياح تركيا جاء بما ينسجم مع رغبة أميركا والغرب بفرض سيطرة الناتو وحلفائه المباشرة على أهم منطقة لأمن الطاقة وخصوصًا الغاز، الحاضر الأكبر في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية.

ويحدث هذا في ظل الأزمة المتدحرجة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ومن معه من دول الخليج لتقربهم الحذر من الصين وروسيا.

إيران التي ترى في نفسها قوة إقليمية صاعدة لن تقف متفرجة على ما يحدث في شمالي العراق، وهي التي دفعت الثمن غاليًا حتى وصل تمددها في سورية، ولبنان، وغزة، واليمن لوضع يحاصر إسرائيل عدوها اللدود. من هنا يجوز السؤال ما الذي ستفعله مع خاصرتها الرخوة العراق؟ هل ستقدم على تأمين أمنها ووجودها بتوغل عسكري أكثر كثافة وعمقا بدعم روسي وصيني مباشر؟ بتقديرنا هذا يتعلق بمتغيرات جيوسياسية إقليمية، منها أين ستقف السعودية والإمارات ودول خليجية وعربية أخرى في نظام عالم الأقطاب الجديد؟ وكيف ستنجح إيران في طمأنة جيرانها باستبدال غول التهديد الإيراني بممارسة التعاون الإقليمي دون التنازل عن موقفها من إسرائيل ومن الأقصى وقضية فلسطين.

كل هذا يشكل فرصة إقليمية وعالمية وهامش مناورات كبير لعمل المقاومة الفلسطينية السياسي والدبلوماسي، بشرط أن تسارع في وحدتها وطرح مشروعها الوطني، وحدة الأرض والشعب والقضية، بإقامة الدولة الديمقراطية الواحدة بين النهر والبحر، كما فصلناه في المقالة السابقة. وإذا حدث وفُرض حل الدولتين على الطريق إليها، فيجب أن يكون التكتيك الذي يصب في الهدف الإستراتيجي.

التعليقات