23/04/2022 - 11:45

الشباب العربي والـ"تيك توك"...

ما الذي يمكن لإنسان أن يفعله لأجل ربح المال؟ سؤال قديم جدًا، وسيبقى مطروحًا طالما بقي البشر!

الشباب العربي والـ

(Getty Images)

ما الذي يمكن لإنسان أن يفعله لأجل ربح المال؟ سؤال قديم جدًا، وسيبقى مطروحًا طالما بقي البشر!

كثيرون من نشطاء الـ"تيك توك" والـ"يويتوب" والـ"فيسبوك" وغيرها، يهدفون للوصول إلى أعداد كبيرة من المتابعين ليعود عليهم هذا بالرِّبح المادي، وهذا حقٌ مشروع.

ظاهرة الرِّبح بهذه الطريقة جديدة نسبيًا، وهناك صعود سريع للـ"تيك توك" على حساب الشبكات الأخرى.

يعتمد "تيك توك" على الوجبات الترفيهية السّريعة من الحركة أو النص واللفظ والمظهر المختلف، أو المعلومة في كافة المجالات، مثل تعليم اللغات وفنون الطهو والرياضات والتدبير المنزلي في كل فروعه، ويحوي معظم النشاطات اليومية الإنسانية، إضافة إلى العروض الجسدية.

الـ"تيك توك" يعكس الحالة التي تمرُّ بها مختلف الشعوب، فنرى شعوبًا مستقرة (بالها فاضي)، وهذا ينعكس في مجالات اهتمامها وفي صور إبداعها واستعراضها للحياة، فيتعامل هؤلاء مع الحياة ومع أجسادهم بخفّة كبيرة، وأخرى مثل شعوبنا في ضائقة وقد نالت منها الظروف والأنظمة الرديئة والحروب.

طبعًا لا تنازل عن السّياسة في المنطقة العربية التي لا تهدأ.

ما جرى ويجري في المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، شكَّل ويشكّل موضوعًا جذّابًا لدى فئات واسعة من الشباب الناشطين في التيك توك، وخصوصًا الصدامات بين الفلسطينيين والمستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي.

الحقيقة أن موقف الشعوب العربية كلها بلا استثناءات إضافة إلى من يعيشون في المهجر، مما يجري في فلسطين عمومًا وفي القدس والأقصى بصورة خاصة، يُثلج الصدر، ويُشعر المتابع بالقوَّة الهائلة للشَّباب العربي وقدرتهم على التأثير في سياسات بلدانهم وحتى في السّياسات الإقليمية والدّولية على المستوى الشعبي وبدون انتظار هذا النظام أو ذاك.

نلاحظ أنّ هذه الوسائط، تحوّلت إلى نافذة واسعة للتضامن العربي المشترك، متجاوزة الحدود السياسية والإعلام الرّسمي، وهي وسيلة لانخراط الشباب العربي في قضايا مصيرية مثل قضية فلسطين والأقصى، وخصوصًا أن هذه القضية تجذب المزيد من المتابعين لمن يقدمونها من زوايا جديدة وملفتة وإبداعية.

واضح أن لهذه الوسائل قدرة هائلة على خدمة أيِّ قضية، فهناك حسابات يتابعها عشرات وحتى مئات الآلاف، وقد تصل شارات الإعجاب لبعض المنشورات إلى ملايين، وهذا يعني توصيل رسائل سريعة ومؤثرة إلى أعداد هائلة من البشر، وهذا يأتي على حساب المواقع التقليدية التي باتت في حالة انحسار وانكماش، خصوصًا التي اعتمدت على الترفيه والأخبار الصفراء، فالترفيه والأخبار الصفراء والخضراء والحمراء والزرقاء وكل ما تشاء، باتت موجودة في الـ"تيك توك" بغزارة كالبحر المتلاطم، وبدرجات عالية من الجودة، وذلك بسبب هامش الحرية الكبير نسبيًا في الـ"تيك توك" الذي تحوّل في معظمه إلى استعراضات للواقع اليومي للناس بصور إبداعية، في مطابخ بيوتهم وساحاتها وغرف نومهم وعلى سطوح منازلهم والأمكنة التي يزورونها أو يعملون فيها.

تأثير هذا التطبيق الاجتماعي هائل، ولا يمكن لأي سلطة تجاهله، وبعضهم صار يضطر لأخذها بالحسبان عندما يقيم الوضع السِّياسي ويتخذ قرارًا إزاء قضايا حسّاسة في بلده وكذلك في قضية مثل قضية الأقصى.

الضَّغط الشعبي أثّر على بعض السلطات في البلدان العربية، خشية ارتداد هذا الغضب عليها إذا ما بقيت لامبالية إزاء المقدسات والممارسات الإسرائيلية، خصوصًا وأن الغضب بسبب الأوضاع الداخلية السَّيئة في أكثر البلدان العربية قد يُفجرِّها موقف لامبالاة من قضية قومية ودينية، وإن كان بعضهم يكاد يعتذر لإسرائيل لاتخاذه موقف المستاء من سياسة الاحتلال، واضطراره إلى الإعلان عن تمسّكه في حل الدولتين والقدس عاصمة لفلسطين، والتشديد على رفض تغيير الوضع القائم.

للنشطاء على هذه الوسائط تأثيرهم على السياسات في كل مكان، والشباب العربي المنتشر في العالم، قادر على الارتقاء في مستوى الوعي العربي والعالمي بمعاناة شعبنا تحت نير الاحتلال وترجمته إلى حملات تضامنية واسعة ومؤثِّرة.

هذا المدّ للشباب العربي، سيرغم السلطات العربية على إعادة حساباتها والتعامل بصورة أكثر مسؤولية وعمقًا مع القضايا الحسّاسة.

في باحات الأقصى رأينا أعلام دول عربية ترفرف إلى جانب علم فلسطين، ورأينا التضامن بمختلف الأشكال في ملاعب كرة قدم عربية وأوروبية وحول العالم الواسع، قد يكون بمبادرة نشطاء على "تيك توك" هنا أو هناك، كذلك لوحظ حضور شبان من دول عربية أو من عرب المهجر إلى القدس.

ما يجعلنا نؤكد بأن ساحة الـ"تيك توك" وأخواتها هامَّة جدًا، وللشباب الواعي والوطني أن يأخذ دوره وحضوره وتفاعله فيها ومعها في القضايا المصيرية.

التعليقات