05/05/2022 - 11:05

مراكمة إنجازات صغيرة في مسيرة طويلة

يمنع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة للأمم المتحدة الـمعروف بـICCPR في المادة 7 منه وبشكل قاطع التعذيب وأي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة.

مراكمة إنجازات صغيرة في مسيرة طويلة

عناصر وحدة "مستعربين" (تصوير: الشرطة الإسرائيلية)

يمنع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة للأمم المتحدة الـمعروف بـICCPR في المادة 7 منه وبشكل قاطع التعذيب وأي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة.

وفي خطوة سبّاقة قامت "لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة" المسؤولة عن متابعة تطبيق بنود هذا العهد، بتبنّي التوصيات المقدّمة لها قبل عدة أشهر من قبل اللجنة لمناهضة التعذيب في إسرائيل بكاملها، والتي شملت تفصيلا لممارسات التعذيب التي يتّبعها مُحققو الشاباك مع المعتقلين الفلسطينيين.

يضاف لهذه الخطوة، تقرير وزارة الخارجية الأميركية المنشور، مؤخرا، حول وضع حقوق الإنسان في إسرائيل، والذي خصّصت فيه بندا خاصا عن التعذيب تحت عنوان "التعذيب وأشكال إضافية من المعاملة أو العقوبة القاسية، اللاإنسانية أو المهينة".

تعمل لجنة حقوق الإنسان الأمميّة على تقديم توصياتها للدول الأعضاء الموقّعة على العهد وحثّ هذه على تطبيقه والالتزام ببنوده. بإمكان هذا الأمر أن يشكّل وسيلة ضغط إضافية على المستوى الدولي باتجاه وقف التعذيب أو الحدّ منه، وتقديم من يُمارسه للمحاكمة والعقاب حين لا تقوم الدولة بذلك بذاتها وبشكل واضح ومباشر، ويساعد في مراكمة المعلومات عن الانتهاكات في هذا المضمار التي تقوم بها الدول ومن ضمنها إسرائيل.

يُشار إلى أن تقرير لجنة حقوق الإنسان شمل هذه المرة جُملة من التوصيات الهامة في مجال انتهاك حقوق الإنسان الحاصلة في إسرائيل فيما يتعلق باستمرار استعمال التعذيب. الهام أيضا في الأمر هو أنّ التوصيات المُقدّمة من قبل اللجنة لمناهضة التعذيب تم تبنّيها بالكامل ودمجها كجزء من التوصيات الرسمية للجنة حقوق الإنسان الموجهة إلى إسرائيل، الأمر الذي يدل على صدقيّة وجدارة هذه التقارير وعلى أهميّة الرصد والتوثيق واستمرار التعاون بين اللجان والأطر المحليّة والدوليّة في فضح الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية في مجالات عدة وضمنها التعذيب أثناء التحقيق.

كما أعربت لجنة حقوق الإنسان عن قلقها إزاء استمرار استعمال إسرائيل ما يُسمى "استثناء الضرورة". فمن متابعتنا لقضايا التعذيب نعلم أن إسرائيل تستخدم هذا الاستثناء كحجةً قانونيةً وغطاءً إجرائيا لاستمرار استعمال الوسائل الخاصة التي تصل حدّ التعذيب خلال التحقيق مع الفلسطينيين والفلسطينيات، ومن عدم قيام إسرائيل حتى اليوم بتشكيل جهاز رقابة ذاتي على مراكز الاعتقال والتحقيق، إذ يعطي المستشار القضائي الحماية القانونية للشاباك، استنادا إلى بند 34 (ي. ب) "استثناء الضرورة" من قانون الجنايات الإسرائيلي للعام 1977 الذي يعفي مُحقِّقي الشاباك من المسؤولية القانونية، وبالتالي من تقديمهم للمحاكمة في حال استخدامهم وسائل تحقيق خاصة، وفي حالات خاصة تحت ادعاء "حماية الجمهور وسلامته وحماية أمن المنطقة". وتدل شهادات المعتقلين أن أساليب التحقيق هذه تتعدى كونها عنفا جسديا وتصل حد التعذيب.

كما يتبين أنه على الرغم من أن المحكمة العليا أقرت عام 1999 في الملف المعروف بـ"قضية التعذيب، قضية رقم 5100/94 " الذي قدمته اللجنة لمناهضة التعذيب للمحكمة العليا ومؤسسات أخرى، بأنّ "استثناء الضرورة" متاح، لكنها قررت أنه ينطبق على حالات خاصة ومحدودة وفي حالات الضرورة المسماة "قنبلة موقوتة" لإنقاذ حياة بشر، إلا أن الواقع يُبيّن أن القاعدة هي استمرار التعذيب في التحقيقات ومواصلة منح المستشار القضائي الحماية القانونية للشاباك، استنادا إلى هذا البند، مما يؤدي لاستمرار التعذيب المنهجي والانتهاكات، وعدم تقديم أي محقق شاباك للمحاكمة حتى اليوم.

كما أوضحت لجنة حقوق الإنسان أنه على الرغم من وجود رقابة على غرف تحقيق الشاباك من خلال تلفزيون في دائرة مغلقة، إلا أنها قلقلة من عدم حفظ أي توثيقات لتسجيلات الفيديو من التحقيقات ذاتها، عدا عن تقرير ملخّص للغاية، مما يُبقي الضحايا دون أدلّة بالصوت والصورة التي كان بإمكانهم استعمالها في المحكمة.

وللمعلومية، يستثنى القانون الإسرائيلي حتى اليوم، وبشكل فظّ، تحقيقات الشاباك من ضرورة تسجيلها بالصوت والصورة كما في باقي التحقيقات، مما يُصعب على المُعتقلين لاحقا رفع الشكاوى وإثبات تعرضهم للتعذيب، إذ تتوازى أمام المحكمة شهادة المُعتقل مقابل ادعاء المحقّق الذي ينفي استخدامه للعنف والتنكيل والتعذيب ويساعده في ذلك انعدام الأدلة المسجّلة، عدا عما يقوم هو وزملاؤه من المحققين بتسجيله والمعروف بتسجيلات المحاضر- "زخاديم" وهي اختصار بالعبرية لكلمتي "زيكرون دفاريم" ومعناها تدوين ملاحظات.

وعليه، لقيت الشكاوى المقدمة في هذا المضمار مصير الإغلاق لتكون الحجة الرئيسية "عدم وجود أدلة على أقوال المشتكي"، لتصبح هذه الحجة الشاباكية بمثابة نهج يسير عليه الجميع بما فيه المحاكم الإسرائيلية العسكرية والمدنية على السواء. بل كان بإمكان الدولة لو أرادت أن تحلّ هذه المسألة بتشريع قانون يُلزم بتسجيل وتوثيق التحقيقات بالصوت والصورة، الأمر الذي امتنعت وما زالت عن القيام به حتى اليوم، في ممارساتها القمعية تجاه الفلسطينيين.

من متابعتي لقضايا التعذيب، يحدث في غالبية الحالات التي يرفع فيها المعتقل شكوى حول التعذيب أن يتم إغلاق ملف الفحص الأولي ورفض الشكوى، وحين يتم تقديم استئناف على قرار إغلاق شكواه لعدم وجود أدلة أو لحلول بند "استثناء الضرورة" أن يجد المشتكي نفسه أمام تدوينات/ "زخاديم" جلسات "نظيفة" من أي ذكر لاستعمال عنف أو تنكيل أو تعذيب، بل تبدأ في الكثير من الأحيان بجملة يكتبها المحقق أنه رحب بالمعتقل وألقى السلام عليه، ورد المعتقل بأحسن منها، أو أنه تم تقديم وجبة طعام وحلويات، وقهوة وسجائر، حتى لتعتقد وأنت تقرأ هذه الـ"زخاديم" أن المعتقل موجود في بيت نقاهة وليس غرفة تحقيق، وأنّ "ادعاءاته حول التعذيب غير صحيحة". لا بل تجد في كثير من الأحيان أن المعتقل قد تحدّث عن تحقيق مستمر لساعات طويلة، بينما تجد أمامك تدوينات لا تتعدى الصفحتين أو ثلاث، الأمر الذي لا يُعزز الادعاء أنه لم يتم توثيق كل ما حدث هناك كتابيا، ومع انعدام الأدلة الصوتيّة والمصوّرة تنعدم إمكانيّة المعتقل بإثبات التعذيب، ومصير شكواه يُحكَم مسبقا. ولا يُعقل أن يقوم المُحقق الذي يستعمل التعذيب بالاعتراف بذلك علنيّا أو أن يكتب ذلك، أي لا يُعقل أن يقدِّم المحقق الدليل لإدانته، ولا بد من وسيلة "خارجية" لفحص ذلك كالتسجيل الصوتي وبالصورة.

تقوم اللجنة لمناهضة التعذيب ومؤسسات حقوقية إضافية ضمن عملها الدؤوب لوقف التعذيب وتجريمه وفضحه بتقديم تقارير محليّة ودوليّة والضغط لتغيير السياسات وسن قوانين ملائمة. كون إسرائيل ورغم توقيعها على الاتفاقية المناهضة للتعذيب واتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسة، إلا أنها تمتنع حتى الآن عن سن قانون خاص يُجرّم التعذيب ويمنعه بأي شكل من الأشكال، كما تنص المواثيق الدولية الخاصة المعنية بالأمر. ولا يشمل قانون العقوبات بندا خاصا يمنع التعذيب. وهذا يجعل انضمام إسرائيل إلى المعاهدة مجرد انضمام صُوَريّ يقصد منه سلفا عدم تطبيق المعاهدة.

لا أتوقّع أن تردع التقارير الانتهاكات الإسرائيلية، لكنّ في مراكمتها تدعيم لحقوق المعتقلين والمعتقلات الفلسطينيين ضحايا التعذيب، كما أنها تشكّل أساسا لرفع شكاوى على إسرائيل أمام المحافل الدولية، وبالذات محكمة الجنايات الدولية.

يُشار إلى أن لجنة حقوق الإنسان المذكورة عبّرت عن قلقها إزاء الشكاوى حول ممارسات منتشرة ومنهجية لاستعمال العنف ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والانتهاكات التي يستعملها ضدهم السجانون والمحققون وجهاز الأمن الإسرائيلي أثناء الاعتقال والسجن وأثناء التحقيق، والقلق من استعمال العنف النفسي، ومنع النوم، واستعمال وضعيات ضغط صعبة، والعزل المتواصل، أيضا ضد أطفال وأشخاص مع إعاقات نفسية واجتماعية. وأشارت اللجنة بقلق للنسبة المنخفضة جدا من فتح التحقيقات الجنائية أو تقديم للمحاكمة أو تجريم إزاء استعمال التعذيب والانتهاكات، ودعت دولة إسرائيل إلى فحص كل الشكاوى المقدمة حول التعذيب والانتهاك بشكل فوري، دون مراوغة ـ بشكل أساسي وناجع. وهو أمر ذات أهمية في مراكمة العمل الدولي لتجريم ما تقوم به إسرائيل تجاه المعتقلين الفلسطينيين وفي غرف التحقيق.

ويأتي تبني هذه التوصيات من لجنة هيئة الأمم ليؤكد وضوح انتهاك إسرائيل السافر لحقوق الإنسان، ولغضها النظر، وتعامل الأخيرة المنهجي والمستمر مع الشكاوى المقدمة حول التعذيب.

يضاف لهذه التوصيات المقدمة من لجنة حقوق الإنسان، تقرير وزارة الخارجية الأميركية المنشور، مؤخرا، حول وضع حقوق الإنسان في إسرائيل والتي خصت فيه بندا خاصا عن التعذيب تحت عنوان "التعذيب وأشكال إضافية من المعاملة أو العقوبة القاسية، اللاإنسانية أو المهينة". وعلى الرغم من أن هناك الكثير مما يقال حول حقوق الإنسان في أميركا ذاتها، إلا أن هذا التقرير الصادر من وزارتها يحمل أهمية كونه يتطرق إلى قضية التعذيب في إسرائيل، والذي يقتبس أيضا من بحث قام به أربعة خبراء في المجال، متطوعون في لجنة مناهضة التعذيب، الذي يستحضر حالات مأساوية قتل خلالها أشخاص مع إعاقات على يد قوات الأمن، ومنهم إياد الحلاق الذي قتل برصاص "حرس الحدود" في القدس، قبل عامين.

وشدد تقرير وزارة الخارجية أيضا على أن "إسرائيل وعلى الرغم من توقيعها على اتفاقية منع التعذيب من العام 1986، والتي وقعتها وأقرتها إسرائيل عام 1991، إلا أنها حتى اليوم لم تسن قانونا خاصا يمنع التعذيب". وتطرق التقرير لاستعمال إسرائيل لـ"استثناء الضرورة" لحماية المحققين في القضايا المسماة "أمنية"، وتحدث عن الانتقاد الذي توجهه اللجنة لمناهضة التعذيب حول آلية الرقابة بدائرة مغلقة المعتمدة، اليوم، من قبل وزارة القضاء لمراقبة انتقائية لتحقيقات الشاباك التي لا تحفظ في سجلات، ولا يمكن طلبها واستعمالها كدليل على التعذيب في غرف التحقيق، مما يعيق المساءلة والمعاقبة ويمنعها، إذ تمتنع الدولة عن الكشف عن عدد الحالات التي استُعمل فيها استثناء الضرورة وإعفاء محققي الشاباك من المساءلة والعقاب.

ويعدد تقرير وزارة الخارجية الأميركية أساليب التعذيب التي رصدتها لجنة مناهضة التعذيب من خلال الشكاوى التي تصلها، إضافة للعنف الجسدي منها العنف النفسي، والتهديد بأعمال مشينة والتحرش الجنسي، والعزل، ومنع النوم، والتهديد باعتقال أفراد العائلة، وحجز المعتقل بزنازين بظروف سيئة، حيث البرودة العالية جدا، وغيرها من ضروب المعاملة السيئة والمهينة. ونوّه التقرير نقلا عن لجنة مناهضة التعذيب أن قانون العقوبات الإسرائيلي لا يشمل بحد ذاته بندا عن التعذيب ومنعه، وقلق اللجنة من تصاعد التعذيب واستمراره.

يُشار إلى أن اللجنة لمناهضة التعذيب، منذ تأسيسها عام 1990، قدمت أكثر من 1300 شكوى حول التعذيب، إضافة لاستئنافات والتماسات، ولم يتم في أي منها فتح تحقيق ضد محقق شاباك أو تجريم أي منهم، وأغلقت جميعها في مرحلة الفحص الأولي، مما يدل على سياسة إسرائيل ونهجها في التعامل مع الأمر. وحتى في الحالتين التي فُتح فيهما تحقيق جنائي أحدهما قضية سامر عربيد الذي تابعت قضيته مؤسسة الضمير، وصل إلى المستشفى من غرفة التحقيق وهو فاقد للوعي ومع كسور وعلامات عنف على جسده، أغلق الملف في نهاية الأمر ولم يتم تقديم أي من محققي الشاباك للمحاكمة، الأمر الذي يتيح استمرار هذا النهج، كون القانون يحمي المحققين ويشرع أساليبهم تحت غطاء "استثناء الضرورة" ويمتنع عن تجريم أي منهم.

ويبقى السؤال، هل ستقدر هذه التوصيات وهذه التقارير بإلزام إسرائيل بما لم تقم به حتى الآن، وهل تؤدي هذه التوصيات أخيرا إلى فتح ملفات جنائية ضد محققي الشاباك وتقديمهم للعقاب؟

ما هو أكيد أن عمل اللجان الحقوقية في هذا المضمار ما زال طويلا وشائكا، ونحتاج للمزيد من المراكمة والدعم في تجريم ممارسات محققي الشاباك ووقف التعذيب.

*الكاتبة ناشطة حقوقية، محامية تعمل في اللجنة لمناهضة التعذيب في إسرائيل.

التعليقات