22/05/2022 - 20:08

نجوم المرحلة الرديئة

تُخرج الأزمات إلى السطح أعراضا مرضية كثيرة، لا تتجلى في المجتمع فحسب، بل في أوساط النخب. ويُغذّي إحداهما الآخر، في علاقة اعتمادية متبادَلة، التي بدورها تُنتج وتُرسّخ أنماطا سلوكية ومؤسسات، تجعل مقاومتها أمرا يتطلب الكثير من العناء والتفكير، والتخطيط، والوقت. وفي

نجوم المرحلة الرديئة

(Getty Images)

تُخرج الأزمات إلى السطح أعراضا مرضية كثيرة، لا تتجلى في المجتمع فحسب، بل في أوساط النخب. ويُغذّي إحداهما الآخر، في علاقة اعتمادية متبادَلة، التي بدورها تُنتج وتُرسّخ أنماطا سلوكية ومؤسسات، تجعل مقاومتها أمرا يتطلب الكثير من العناء والتفكير، والتخطيط، والوقت. وفي سياق هذه الأزمات تطفو "نجوم" بلا روح وبلا عامود فقري أيديولوجي أو أخلاقي، تتسم بالفهلوة والانتهازية، وباختزال الأهداف الكبرى، وبالعناد أمام مطالب مراجعة الذات، وتغيير المسار والسلوك.

هذه الأزمات والحالات الاجتماعية المتردّية، أصابت كل الشعوب، وفي حقب مختلفة، وهي ليست مقتصرة على مجتمعنا، أو شعبنا الفلسطيني، تحت سلطة محمود عباس، وعلى هامش بل خارج سيرورة ولادة حراك شعبي راهن يعلو بصورة جارفة أحيانا، ويخفُت في أحيانٍ أخرى، ليعود بوتائر متفاوتة بعد التقاط الأنفاس. وكل المؤشرات تشير إلى حالة تراكمية جديدة واعدة في هذه الظلمة، وإن كانت أيضا تحمل مصاعبها، وتعقيداتها، وعثراتها.

وفي حالتنا، نحن فلسطينيو 48، تزداد حالة التردي السياسي عمقا، التي تشهد مظاهر عجيبة، وشاذة، ففي الأيام الأخيرة، تحوّل عضو الكنيست، غيداء ريناوي - زعبي، وهي من حزب صهيوني، إلى محور الأخبار التي تدور حول بقاء حكومة الأبرتهايد من عدمه، مُجسِّدة مفارقة، ومظهرا من مظاهر الزيْف والتمويه، والتردي الذي يسمّ السياسة العربية داخل الخط الأخضر. هناك من الناس الطيبين من كال المديح لها، وعلى خطوتها بالاستقالة من حكومة الأبرتهايد، وهي التي كانت قد قبلت أيضا بأن تكون قنصلا إسرائيليا في الصين، أي بيدقا إعلاميا في يد الحركة الصهيونية، تكون مهمتها تبييض جرائم إسرائيل. وقد تسرّعوا في ذلك، لأنهم لم يدركوا البُعد الشخصي في الشخصية ذاتها، وكذلك السياق الاجتماعي والسياسي والذهني العام السائد.

وهناك أيضا عضو عربي آخر في حزب صهيوني، حزب العمل، هي ابتسام مراعنة، التي لا تزال "صامدة" في خندق حكومة المستوطن نفتالي بينيت. يُضاف إلى ذلك، عيساوي فريج، الذي أُوكل إليه دور أيوب قرة، سيئ السمعة، حتى عند طائفته المعروفية، من خلال تمثيله لعدو شعبه في أنظمة العار العربية. وهو دور تطبيعي شائن.

لكن، كما يعرف الشارع الوطني، أنّ المصيبة الأكبر هي وجود حركة عربية إسلامية في تحالف مع حكومة قاتلة، بل استشراس قيادة هذه الحركة في مقاومة سقوط أو إسقاط هذه الحكومة، رغم كل ما قامت وتقوم به، بخاصة خلال الشهرين الماضيين، من فظاعات وتصعيد القمع والتنكيل ضد شعبنا، وبخاصة في القدس وجنين، ومنها قتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، والاعتداء الدنيء على المشيعين، وإسقاط نعشها، وإعلان شرطة الأبرتهايد أنها في كل الأحوال ستحمي عناصرها المعتدين.

وقد وصلت البلاهة، أو الشطط، إلى حدٍ غير معقول، عندما توكل منصور عباس، بطلبٍ أو بأمرٍ من يائير لبيد، وزير خارجية الأبرتهايد، بالذهاب إلى بيت ريناوي - زعبي، لإقناعها بالعدول عن قراراها، بدل أن تكون خطوتها جرس إنذار يدعو للمراجعة الذاتية، وحساب النفس، واستخلاص العبر. والأكثر بلاهة، ورداءة، هو تجنّد عدد من رؤساء سلطات محلية للضغط على زعبي للتراجع.

بطبيعة الحال، لم تكن حالة التردي هذه لتنشأ، ولم يكن ليظهر ممثلون رديئون لها، لو كانت الحالة الفلسطينية، وتحديدا حالة البنى التمثيلية الفوقية، أفضل.

غير أن الأمر المحبط، هو أن المفاجآت التي أحدثها شعبنا، بخاصة منذ هبة أيار الماضي المجيدة، وتجدّد مظاهر التمرّد والمقاومة في القدس والضفة الغربية، لم تحرك ضمائرهم، بل إن الإحراج الذي سببته هذه اليقظة الشعبية الوطنية، عززت ذاتيتهم وانغلاقهم، ومكابرتهم، فرغم كل ذلك يريدون أن يثبتوا أنّهم على حق، ويبدو أنهم يراهنون على وقت إضافي، ليتمكنوا، كما يعتقدون، لتحصيل بعض الفتات، في قضايا يومية، ليعودوا ببعض ماء الوجه إلى مصوتيهم، إذ أن قضية فلسطين، باتت في سلوكهم، كما حكومتهم قضية هامشية، أو مؤجلة لأجل غير مسمّى. وهم لا يدركون أن عارا أكبر سيلحق بهم إذا ما سقطت الحكومة بفضل هروب أعضاء يهود منها، وليس إقدام عرب الحكومة على التخلي عنها لأسباب تتعلق برفض هذه الحكومة التجاوب مع مطالبهم المدنية.

والحقيقة، هو أن دافعا قويا آخر، خفّف من إحراج الحركة الإسلامية، وربما ساهم في وقف تجميد عضويتها في الائتلاف الحاكم، هو أن القائمة المشتركة، فاقدة العامود الفقري هي أيضا، أظهرت لهم من خلال سلوكها، حرصا لا يقل عن حرص الإسلامية على بقاء الحكومة، بحجة الحيلولة دون عودة بنيامين نتنياهو للحكم، الأمر الذي يعكس إفلاس الكتل العربية كلها في الكنيست، وتخليها عن كل ما تبقى من قيم العمل السياسي. هكذا جرت عملية تمويه واسعة تمثّلت بالمفاضلة بين طرفَي اليمين الكولونيالي الاستيطاني الصهيوني، وجعلت العرب رهينة داخل معسكر اليمين الذي يصارع على شكل ومستقبل المشروع الصهيوني الاستعماري.

لقد ساهمت الإسلامية والمشتركة، في قتل ما تبقى من قيَم السياسة العربية، وقد حان الوقت للتحلل من هذه اللعبة، وقواعدها، والعودة إلى الناس.

لكن أين التيار الثالث، أين البدائل، وكيف يمكن استثمار ما يجري على الأرض، وفي عقول ووعي طلائع الأجيال الجديدة من حراكات شعبية، وتمظهرات ثقافية وفكرية جذرية؟ التي من شأنها أن تؤسس لبنية تحتية واسعة لتيار تاريخي تحرّري عيونه ترنو نحو أفقٍ جديد، وطريق يتسع لكل الحالمين للحرية.

نهاية هذه التجربة البائسة، أي التحالف مع المستعمِر، للحصول على الفتات، مقابل التخلي عن كياننا كمجموعة قومية أصلانية وعن القضية الفلسطينية، قريبة. ولكن حتى في ظلّ بقاء هذه الحكومة لفترة أطول، من المفترض أن تفتح هذه النهاية الوشيكة، أو هذا الإفلاس الفاضح، الفرصة لإعادة البوصلة وإعادة تشكيل السياسة العربية داخل الخط الأخضر في حلة جديدة، والتي تنتظر تحرّك روّادها، وخروجهم من الحالة السلبية إلى حالة الفعل والمبادرة.

اقرأ/ي أيضًا | من يمتلك مشروعا؟

التعليقات