22/07/2022 - 15:02

عن "إسرائيل ونبوءة زوالها" 

يعتبر الشيخ جرّار عدم تحقق نبوءته بالأمر "الغريب والعجيب"، بينما الغريب والعجيب يُفترض أن يكون تحقُّقَها وليس العكس، فليس هناك ما يُنذر بقرب زوال إسرائيل، فلماذا يتعجب الشيخ ومريدوه من عدم تحققها؟

عن

(Getty Images)

منذ مطلع هذا العام والناس في فلسطين وفي غير فلسطين، في ترقُّب مع وشك انقضاء موعد "تحقّق" نبوءة الشيخ بسام جرّار، وتوعّدا له في الوقت نفسه. نظنّ أن نبوءة الشيخ جرّار هي واحدة من أكثر النبوءات شعبيةً في تاريخ فلسطين الحديث، خصوصا أنها تُنبئ الأمّة بزوال دولة إسرائيل. أمّة لطالما انتظر كثيرون من أبنائها هذا الوعد، الذي فَشِل ثم عزفَ الساسة والعسكر العرب عن تحقيقه.

كان الشيخ جرّار قد أفصح عن النبوءة ضمن أحد كتبه، منذ ثلاثة عقود تقريبا، وتحديدا في عام 1993، مبشِّرا فيه بزوال الدولة العبرية من وجودها في عام 2022.

انتظر الناس نبوءة الشيخ جرّار ما يقارب الثلاثين عاما، وهذه المدّة الزمنية، هي التي جعلت للنبوءة هالة وهيبة في نفوس منتظريها، إلى حدّ صار فيه العام 2022 يرنّ في مخيال الناس ومخيّلتهم، منذ تسعينيات القرن الماضي. وأذكر جيدا في تلك الفترة، كيف كان وقع الرقم "2022" على مسامعنا، أثناء الأحاديث عن السرديات الخلاصية، التي كنت أجدها شخصيا مُسليّة لمتعتها، لا لشيء آخر، وكم كان العام 2022 يبدو بعيدا منّا في حينه.

وبالإضافة إلى ذلك، فهي ليست "حيالله نبوءة"، فسقفها الحَدثي عاليا يَعِدُ بزوال الدولة العبرية، وليس انهيارها أو انكسارها مثلا، كما يُعلّمنا التاريخ عن سقوط الدول فيه. وجرّار الشيخ يُنبئ بزوالٍ يُشبه التبخُّر، والدول تتحلل وتنهار ولا تتبخر على الأقل، ولا نظن أن دولة يمكنها أن تشهد 5 انتخابات عامة في نحو 4 سنوات مثل إسرائيل، بدون أن يُكسر فيها كوب زجاج، أنها ستزول وتتبخر خلال هذا العام على الأقل -والله أعلى وأعلم طبعا- سيبدو سُخْفا منّا، أن نحاجج نبوءة بشأن حدث ما، بالعقل وأدوات الاستدلال المنطقي، التي عادة ما نستدلّ بها على فهم الظواهر والأحداث، فالنبوءة تعمل عموما خارج دائرة العقل. هي ليست عِلما لكنها معرفة ما، فهي نبوءة أولا وأخيرا، وعدم تحقُّقها لا يلغي من كونها كذلك. إلا أن البُعد السوسيولوجي لشكل الأخذ بها شعبيا، هو ما يمكننا الوقوف عليه والاستدلال منه، فلماذا لا يزال يداومُ الكثيرون على الاعتقاد بإمكانية تحقُّق نبوءة الشيخ جرّار رغم انقضاء موعدها؟

يستند الشيح بسام جرّار في نبوءته إلى ما يُعرف بـ"الإعجاز الرقمي في القرآن"، وبصرف النظر عن ما الذي يعنيه عالم الأرقام في القرآن الكريم، إلا أن هذا الاستناد يُكسِب النبوءة مسوحا معرفية ويجعلها أقرب إلى التقدير منها إلى التنجيم أو التعييف(*). غير أن ما يُطلَق عليه مسمّى "الإعجاز الرقمي والعلمي في القرآن"، ظاهرة حديثة، لم ينشغل بها القدماء من الفقهاء والعلماء يوما، بالطريقة التي ينشغل ويثابر فيها علماء وفقهاء أيامنا على إثباتها. وكل محاولاتنا هذه لإثبات "علمية القرآن الكريم"، مردّها عقدتنا الحضارية من الغرب وتفوّقه العلمي علينا، ليس إلا، فالقرآن الكريم هو كتاب الله وليس كتابا علميا، وأي محاولة لجعله كذلك، هو تقديس للعلم، لا للقرآن، ألم يُقَل إن الدين حمّال أوجه والعِلم حمّال خطأ؟

لنعد إلى جرّار ونبوءته، فالشيخ مُطارَد هذه الأيام بأسئلة من ظلّوا على الموعد معه 29 سنة، لأن نبوءته من ذلك النوع الذي يمكن أن نسمّيه "نبوءة مغلقة" تمتد على مسافة زمنية ممتدة ومحددة في الوقت نفسه. وهذا على خلاف نبوءات السرديات الخلاصية تلك المتصلة بآخر الزمان، مثل نبوءة "المهدي المنتظر"، فهذه الأخيرة، هي "نبوءة مفتوحة"، بمعنى أنها قادرة على أن تحافظ على وعدها لمُعتقديها أو مؤمنيها، لأن تحقُّقَها يشترط حلول نهاية الزمن أولا.

في مقابلة مع الشيخ بسام جرّار مؤخرا، وسؤاله من بعض المتحلقين حوله، عن مدى احتمالية تحقُّق نبوءته وزوال إسرائيل! يجيب الشيخ الذي يبدو متمسكا بنبوءته، بدون أن يخلو تمسكه من شعور بالمطاردة والحصار، بقوله: "إن لم تحدث (يقصد النبوءة) فسيكون هذا عجبا"!

يعتبر الشيخ جرّار عدم تحقق نبوءته بالأمر "الغريب والعجيب"، بينما الغريب والعجيب يُفترض أن يكون تحقُّقَها وليس العكس، فليس هناك ما يُنذِر بقرب زوال إسرائيل، فلماذا يتعجب الشيخ ومريدوه من عدم تحققها؟

يمكننا أخذ كل هذا التفاعل الشعبي مع الشيخ ونبوءته بزوال إسرائيل إلى أكثر من مكان، فقد نأخذه حيث يُرينا هذا التفاعل، إلى كم ما تزال إسرائيل جسما غريبا في المنطقة العربية، يتوق كثيرون إلى زوالها، وذلك إلى درجة كما لو أن الناس مستعدون فيها، التمديد للنبوءة وشيخها عاما آخر! كما يمكننا أخذ التفاعل إلى حيث يكشفنا على حجم هزيمتنا وشلّ قدرتنا على الفعل، وبالتالي فرارنا إلى النبوءات ملاذا.

ومع ذلك، فإن أخطر ما في أي نبوءة ذات طابع جماعي - خلاصي، هو سعي الناس إلى تحقيقها بأنفسهم، ما لم تحقق ذاتها بذاتها.


* التعييف، نسبة للعِيافة، والعيّاف هو المُتنبئ بأحوال الغيّب.

التعليقات