23/07/2022 - 16:17

شَخْرة عكاوية...

اعتاد أهالي عكا أن يشخروا، مرفقين شخرتهم بتعبير "اشخر له"، وهو إصدار صوت شبيه بالشّخير من سقف الحلق، بمعنى أنّ المستمع غير مقتنع أبدًا بما يسمع أو يرى، وهي شخرة عظيمة تختصر كلامًا كثيرًا، وهي رسالة واضحة

شَخْرة عكاوية...

اعتاد أهالي عكا أن يشخروا، مرفقين شخرتهم بتعبير "اشخر له"، وهو إصدار صوت شبيه بالشّخير من سقف الحلق، بمعنى أنّ المستمع غير مقتنع أبدًا بما يسمع أو يرى، وهي شخرة عظيمة تختصر كلامًا كثيرًا، وهي رسالة واضحة حاسمة، لا لبس فيها، تصل المتلقي من دون أي عبارة أخرى إضافية، فيفهم أن كلامه أو تصرّفه هذا مرفوض برمّته.

هذه الشَّخرة تنطبق على إعلان السُّلطات السعودية اعتقال مواطن سعودي ساعد صحافيًا أجنبيًا غير مسلم يحمل الجنسية الأميركية بالدخول إلى مكة المكرَّمة، التي يفترض بحسب قرار من السُّلطات في السعودية، بأن لا يدخلها غير المسلمين.

السُّلطات توعّدت بمعاقبة المواطن، وأبدت تشدُّدا في الموضوع، معتبرة أنه لا تساهُلَ مع من يرتكب مثل هذه الجرائم.

لا أناقش هنا فكرة دخول أو عدم دخول غير المسلمين إلى مكة المكرّمة كسائحين أو كصحافيين مثلا، فهذا ليس موضوعي للنقاش.

النقاش هو حول هذا الاستهبال للجمهور السُّعودي أوّلا، ثم للجمهور العربي والإسلامي، وكأن الأمر حدث نتيجة جناية قانونية، قام بها مواطن بمبادرته، فساعد الصحافي الإسرائيلي الذي أخفى جنسيته الإسرائيلية، فصوّر تقريره وبثّ جولته في مكة ومراسم الحج في القناة 13.

هذا يوحي بأن المواطن قد يعاقب على تصرّفه هذا، ولكن من يصدّق أن السّلطات لم تكن على علم تام بما قام به هذا المواطن؟! على الأرجّح أن من قام بهذا ليس مواطنًا عاديًا، بل هو مواطن قريب من السّلطة أو يعمل في أحد أجهزتها، فكيف وصل إلى مراسل القناة 13!!؟ ربّما أنّه لم يكن متفقًا عليه بث التقرير بهذه السرعة، وربما أن ردّ الفعل والاستياء الكبير على بثّه كان غير متوقع.

من المستهجن أنّ من ينسّق مع إسرائيل على أعلى المستويات الأمنية، يثير زوبعة حول مواطن ساعد بدخول صحافي أجنبي إلى مكة المكرّمة.

منذ العام 1978 دخل مئات الآلاف من المواطنين، ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى مكة المكرّمة في مواسم العمرة والحج، بواسطة تأشيرة دخول أردنية، وهذا بعد اتفاق إسرائيلي سعودي بإشراف أميركي وتنسيق مع الأردن، ومباشرة في حقبة اتفاقات كامب ديفيد، ومن السَّذاجة الاعتقاد بأنه لا يدخل إلى هناك في كل عام بمرافقة الحجاج والمعتمرين أناس من قبل جهات أمنية، سواء كانوا عربا أو من غيرهم من العاملين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلي أو غيرها، وفي الواقع ليس هناك ما يخفيه المسلمون عن غيرهم من طقوس دينية.

التطبيع يمضي على قدم وساق سرًا وعلنًا، والتنسيق الأمني على أعلى المستويات قديم وليس بجديد، إلا أن اضطرار النظام إلى الإعلان عن اعتقال المواطن الذي ساعد الصحافي ربما يكون إشارة إلى أن النظام ما زال يتوجّس من التطبيع الجارف على طريقة الإمارات، وأن الشّعب السّعودي ليس مُرحِّبا كما يبدو بالعناق الشامل العلني مع إسرائيل، وأن هناك تردّدا، وتفضِّل السُّلطات أن تبقي علاقة عشقهما على نارٍ هادئة ومن دون صخب، وخصوصًا أن السُّلطات الإسرائيلية مُستفِزة وتُسوِّد وجوه حلفائها العرب في تصرفاتها في الحرم القدسي الشريف، وهو المكان الذي يأتي في الترتيب الثالث في قدسيّته للمسلمين، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ورغم كل هذه الاستفزازات المقدسات وسياسة الاحتلال، فالسعودية ماضية في تطبيعها.

من ناحية أخرى يريد النظام السعودي التأكيد على أنه حامي حمى المسلمين، وبأنه لا يسمح ولا حتى لصحافي غير مسلم بدخول مكة، وهذا تناقضٌ كبير بين ما يعلنه وما يمارسه في الواقع، فمن يظهر هذه الحساسية الكبيرة تجاه مكة ودخول صحافي أو سائح غير مسلم إليها، كيف يكافئ بالتطبيع ويسعى إليه بحماس مع نظام يدنس ويتواطأ مع من يدنسون في بيت المقدس، ولا نتحدث عن الاستيطان ولا عن الاستهتار التام بالمبادرة السعودية لحل الصراع، والتي تشمل العلاقات الطبيعية مع إسرائيل ولكن بعد تحقيق السّلام وإقامة دولة فلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، بينما التطبيع ماض وبسرعة ومن دون أي شروط!

هذا ما يجعلنا نطلق "شخرة عكاوية" لقصة اعتقال المواطن السعودي على خلفية "جريمته" المذكورة...

التعليقات