15/09/2022 - 17:19

التمثيل العربي وهبوط نسبة التصويت للكنيست

كان على هذه الأحزاب الاختيار بين أن تقوم هي بمحاسبة وإسقاط من قادوا هذا النهج وضللوا الجماهير، وبين أن تقوم الناس ذاتها بمحاسبة هذه الأحزاب ومعاقبتها في صناديق الاقتراع؛ ومؤسف أن هذه الأحزاب قد اختارت الخيار الثاني.

التمثيل العربي وهبوط نسبة التصويت للكنيست

صندوق انتخابي في طمرة، آذار 2021 (Getty Images)

مع استشهاد الفتى عدي طراد صلاح (17 عاما)، فجر اليوم، الخميس، برصاص قوات الاحتلال في بلدة كفر دان قضاء جنين، يصل عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة المحتلة الذين قتلتهم حكومة "معسكر التغيير" بقيادة الثلاثي لبيد – بينيت - غانتس المدعومة من العرب، منذ بداية العام الجاري إلى 83 شهيدا، وفق المعطيات الإسرائيلية، ضاربةً رقما قياسيا هو الأعلى منذ سبع سنوات (ويزداد الرقم القياسي بحسب معطيات وزارة الصحة الفلسطينية، إذ إن عدد الشهداء منذ بداية العام بلغ 152 شهيدا، بينهم 101 في الضفة الغربية و51 في قطاع غزة).

وهذا "الإنجاز" القياسي ينضاف إلى رقم قياسي آخر ضربته الحكومة المذكورة، هو عدد المعتقلين الإداريين الذي بلغ 723 معتقلا، لتسجل بذلك الرقم الأعلى منذ 14 عاما. وإذا كانت هذه الأرقام "غير كافية"، فقد أضاف إليها رئيس الشاباك، رونين بار، الإعلان مؤخرا عن اعتقال 2000 فلسطيني من الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري.

و"تزف" لنا المصادر الإسرائيلية الرسمية ووسائل إعلامها عشية تقديم القوائم الانتخابية هذه الأرقام و"المنجزات" لـ"حكومة التغيير"، التي حظيت بدعم مباشر أو غير مباشر من القوائم العربية، إن كان من خلال التوصية على أقطابها، غانتس ولبيد، أو دعم التصويت لمرشحها لرئاسة الكنيست، ميكي ليفي، وصولا إلى الانزلاق الخطير ودخول القائمة العربية الموحدة إلى الائتلاف الحكومي.

تزفها ربما لتذكرنا وتساعدنا في الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بأسباب تدني نسبة التصويت لدى فلسطينيي الداخل، والتي هبطت وفق الاستطلاعات الأخيرة إلى أقل من 40%، وذلك بعد بضع سنوات فقط من وصولها نسبة 70% واقترابها من النسبة السائدة في المجتمع اليهودي.

طبعا، لا ننسى لحكومة "معسكر التغيير" أيضا الحرب على غزة التي خلفت 51 شهيدا، ثلثهم من الأطفال، وأوقعت مئات الجرحى إضافة إلى إلحاق الضرر والدمار بآلاف المباني السكنية والبنى التحتية. هذه الحرب التي قادها يائير لبيد، رئيس "معسكر التغيير" ورئيس الحكومة الانتقالية، بـ"جدارة" استحقت ثناء المراقبين، وأدارها وزير أمنها الجنرال بيني غانتس بـ"مهنية ونجاح كبيرين"، والاثنان كانا قد حظيا بتوصية القائمتين العربيتين عليهما لرئاسة الحكومة، زيادةً على مشاركة القائمة العربية الموحدة في ائتلافهما الحكومي الحالي.

إذًا، قضية هبوط نسبة التصويت ليست محصورة فقط بقضية توحد أحزاب عربية أم عدم توحدها ، أو بسبب اختلاف الأحزاب على مقعد في الكنيست وانقسامها رغم أهمية ذلك؛ بل هي بالأساس قضية خيبة أمل ونزع ثقة سياسية من قبل الجماهير بهذه الأحزاب التي ضللتها وأخطأت الرهان عندما أوصت في المرة الأولى على الجنرال غانتس، فاستخدم توصيتها لتحسين موقعه والدخول إلى حكومة نتنياهو؛ ثم عادت وأوصت لاحقا على لبيد فنصبت رئيس مجلس المستوطنات السابق، نفتالي بينيت، رئيسًا للحكومة. وهنا لا نتحدث عن القائمة العربية الموحدة التي انزلقت سياسيا نحو حضيض الدخول في ائتلاف حكومة "بينيت – لبيد - غانتس"، كاسرة كل القواعد والمسلمات الوطنية، بل عن الذين راهنوا على حكومة بينيت – لبيد – غانتس، ثم عادوا ووصفوها بأنها أسوأ حكومة في تاريخ إسرائيل.

لم تشفع مقولة إميل حبيبي "ضللنا وضُللنا" التي قالها إثر انهيار الاتحاد السوفييتي في تبرير الانقياد الأعمى لسياسة الأخير، من قبل الحزب الشيوعي الإسرائيلي وغيره من الأحزاب الشيوعية الأخرى التي دفعت ثمن ذلك غاليا، فكم بالحري عندما يكون التضليل بوعي كامل ومع سبق إصرار، ولا تجري هذه الأحزاب أي مراجعة وتحاسب الذين قادوا وما زالوا يقودون هذا النهج الخاطئ والمدمر.

وقد كان على هذه الأحزاب الاختيار بين أن تقوم هي بمحاسبة وإسقاط من قادوا هذا النهج وضللوا الجماهير، وبين أن تقوم الناس ذاتها بمحاسبة هذه الأحزاب ومعاقبتها في صناديق الاقتراع؛ ومؤسف أن هذه الأحزاب قد اختارت الخيار الثاني.

هذا ناهيك عن أن "معركة الكراسي" التي شهدتها الأيام الأخيرة قد زادت من حالة الإحباط وعدم الثقة السائدة بين الناس وعمقتها، وهو ما قد يتطلب جهدا كبيرا في ما تبقى من أيام للانتخابات، لإقناع الناس عبر المصارحة والمكاشفة، ونقد التجربة، وصدق النوايا في ما يتعلق بالتعامل مع المعسكرات الإسرائيلية المتنافسة، وعدم التوصية على أي من مرشحيها لرئاسة الحكومة المقبلة، بعد أن تبين بالملموس عدم وجود فروقات جوهرية بينها، لعل وعسى أن يؤتي ذلك ببعض الثمار التي تحفظ للسياسة الفلسطينية في الداخل بعضا من توازنها، لأن بناء البديل الوطني خارج الكنيست لمن يعتقدون بهذا الخيار، هي عملية معقدة، طويلة وشائكة، يُفضل أن تجري بالتوازي مع وليس نقيضا لما هو موجود.

التعليقات