25/08/2022 - 17:46

عدوانيّة حكومة لبيد - غانتس وسقوط "نهج التأثير والتغيير"

هي أدلّة وإن كانت غير كافية لزحزحة قاعدة اليمين عن تأييد نتنياهو، بفعل عوامل عرقية وديمغرافية، إلا أنها يجب أن تكون كافية لنا نحن عرب الداخل الفلسطينيي، وأحزابنا التي تشارك في انتخابات الكنيست، والتي أوصت على غانتس

عدوانيّة حكومة لبيد - غانتس وسقوط

(Getty Images)

مَن أراد دليلا على أن ائتلاف لبيد- غانتس، لا يختلف بجوهره عن ائتلاف نتنياهو، ولم يكتفِ بالعدوان الدموي الأخير على غزة، فإن"حكومة التغيير"، تقدّم له يوميًّا، الدليل تلو الدليل في عملية السباق الجارية، بين عدَّاد القتل الذي تنفّذه حكومة لبيد - غانتس، وعدَّاد الاستطلاعات الذي يقرّب معسكر نتنياهو من إمكانية الحصول على 61 مقعدا، وتشكيل الحكومة المقبلة.

وإمعانا في عدوانيّتها التي تنبع من طبيعتها الاستعمارية - العنصرية، التي ترى في الشعب الفلسطيني بمختلف أماكن تواجده، هدفا مشروعا للقتل والقمع، ومسرحا لجريمة تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية، ومطاردة الكوادر البشرية والتنكيل بها؛ تواصِل الدولة العبرية، بقيادة "حكومة التغيير" تلك، حربها على الضفة الغربية، والتي بدأَتها فور انتهاء عدوانها على غزة، تطبيقا لوحدة الساحات التي ربّما بعكسنا، لم تتخلَّ عنها يوما؛ وهي حرب لا تقتصر على عمليات اقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية، و"اصطياد" المقاومين وقتلهم، وإعمال الخراب في المكان، بل إنها تطال مؤسسات المجتمع الأهلي الفلسطيني ومنظماته الحقوقية والمدنية الأخرى، وتلاحِق ناشطيها، بهدف إضعاف التنظيم المجتمعي، وكسر ما تبقى من هيبة للسلطة الفلسطينية، في إطار محاولة تحويلها إلى مجرّد وكيل أمني منزوع الصلاحيات.

وإن كنا لا نفصل بين استهداف فصائل المقاومة وكتائبها ورموزها، وبين استهداف المؤسسات المدنية الفلسطينية والنشطاء الفلسطينيين، انطلاقا من كون العدوان الإسرائيلي يستهدف الكلّ الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي، فإن إغلاق المؤسسات الفلسطينية الستّ (التي صارت 7) رغم تأكيدات المصادر الاستخباراتية الغربية وعلى رأسها "سي. آي. إيه"، عدم صلتها بـ"الإرهاب"، ووصول عدد الأسرى الإداريين الفلسطينيين إلى رقم قياسي (723 أسيرًا) في عهد "حكومة معسكر التغيير"؛ هي أدلة يقدّمها قادة هذا المعسكر لجمهور اليمين الإسرائيلي، ليبرهن أنه لا يختلف عن نتنياهو، وربّما يفوقه في ميزان قتل وقمع ومحاصرة الشعب الفلسطيني.

هي أدلّة وإن كانت غير كافية لزحزحة قاعدة اليمين عن تأييد نتنياهو، بفعل عوامل عرقية وديمغرافية، إلا أنها يجب أن تكون كافية لنا نحن في الداخل الفلسطيني، وأحزابنا التي تشارك في انتخابات الكنيست، والتي أوصت على غانتس، وأوصى بعضها على لبيد، وشارك بعض آخر في ائتلافهما الحكومي الذي يقود هذه الحرب على شعبنا الفلسطيني، والتي تحظى جماهير الداخل بقسط وافر فيها. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى قيام حكومة لبيد - غانتس بتجنيد عشر وحدات من "حرس الحدود"، لمواجهة جبهه الداخل، خلال الحرب الأخيرة على غزة.

لقد جاءت نتائج الانتخابات الداخلية لأحزابنا مخيبة للآمال، بإبقائها على القيادات التي روّجت لـ"نهج التأثير"، وصورت التغيير وحصرته في شخص نتنياهو لتبرير التوصية على غانتس، ومن ثم لبيد، تحت ذريعة إسقاط نتنياهو. وهو نهج أوصَل البعض بشكل غير مسبوق إلى المشاركة الفعلية في ائتلاف حكومي إسرائيلي، ومقايضة قضيتنا وحقوقنا الوطنية بفتات ميزانيات القضايا المطلبية.

كنا نتوقع من هذه الأحزاب والحركات، الإطاحة بمن قادوا هذا النهج الخطير، الذي مثّل انحرافا عن ثوابتنا الفلسطينية، وعن قواعد العمل السياسي الوطني التي تعاقب عليها القادة السياسيون من مختلف الأحزاب، وأجيال من النشطاء، وما زلنا نعدّ أن إعادة انتخاب هؤلاء، هو بمثابة تزكية لهذا النهج، وإن كنا ندرك دور الفرد الزعيم في مثل هكذا أحزاب، أصبحت جميعها زعماء لديهم أحزاب، وليست أحزابا لديها زعماء.

ولا نستثني من النقد التجمع الوطني الديمقراطي رغم أنه الحزب الوحيد الذي استبدل زعيمه (المرشح الأول) وانتقد نفسه بعد التوصية على غانتس، رغم عدم استكماله الخطوات التي تستتبع ذلك. كما أنه لم يوصِ على لبيد رغم تصويته لمرشحه لرئاسة الكنيست ميكي ليفي، ومن حقنا أن نتساءل؛ لماذا لم يطرح "الطريق الثالث" الذي ورد في خطاب سامي أبو شحادة، ويفتح النقاش حول أخطاء المشتركة وقيادتها في قضايا التوصية ونهج "التأثير والتغيير"، قبل أن يحسم النقاش داخل الجبهة لصالح مصمِّم وقائد هذا النهج، النائب أيمن عودة؟

لكن وإن كان "المتأخر أفضل من عدمه"، كما يقول المثل العبري، فإن مقايضة الكراسي بالمبادئ، هي بعكس مقايضة المبادئ بالكراسي، تبدو أمرا مشروعا، وإذا ما نجح التجمع بعد استنفاد خطوته تلك، في تقييد القائمة المشتركة بقيود سياسية تعيدها إلى الثوابت الفلسطينية وقواعد العمل الوطني، وتخرجها من طريق التوصيات والتغيير والتأثير المزعومة، فإن الأمر يستحق خسارة مقعد أو أكثر، ولكن على قيادة التجمع أولا، أن تكون مقتنعة ومؤمنة بذلك.

التعليقات