28/07/2022 - 17:07

التجمّع وخيارات الانتخابات المُقبلة

وإذا كان هناك من أدرك اليوم بعد فوات الأوان، فُقدان التجمع لمميّزاته الخاصّة وهويّته السياسيّة، عليه أن يعرف كذلك أنّ خروج التجمع من المشتركة بهذه الطريقة، بعد أن غاص في مياهها الموحِلة، ليس أنه لن يُخرِجه نظيفا فقط

التجمّع وخيارات الانتخابات المُقبلة

جانب من اجتماع التجمع في باقة

من يقرأ البيان الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي الذي عقد مؤخرا، يعتقد أننا أمام تحوّل نوعيّ في سياسة التجمع تجاه التعامل مع انتخابات الكنيست المقبلة، يتمثّل بحدّه الأقصى بالانسحاب من الكنيست وإقامة تحالف وطني غير برلماني، وبالحدّ الأدنى بالانسحاب من القائمة المشتركة وتشكيل تحالف وطني مستقلّ لخوض الانتخابات.

البيان الذي صدر بإجماع اللجنة المركزية، أكد في بنده الأول، على الحاجة الماسة لمراجعة وتعزيز دور "التيار الوطني الفلسطيني"، الذي كان دائما "سدًّا منيعًا أمام الأسرَلَة والتبعيّة لقواعد الحيّز السياسيّ الإسرائيليّ"، وهي مراجعة لاقت ترجمتها في البند الثاني للبيان، بانتقاد "تجربة السنوات الأخيرة" التي ورغم محورتها بـ"القائمة العربية الموحدة"، إلا أنها لم تغفل "التوصيّة" والدخول في "لعبة المعسكرات" و"المفاضلة بين يمين ويمين".

وبناء على هذا التحليل والمراجعة يستنتج التجمع، كما ورد في البند الثالث من بيانه، أن هناك حاجة ضرورية لطرح "مشروع سياسيّ يستند للمطالب الجماعيّة القوميّة والمدنيّة للمجتمع العربيّ، ويحافظ على وحدته ونضاله، ويرمي إلى التأثير على واقع المجتمع وعلى السياسات في إطار الثوابت الوطنيّة والرؤية الجماعيّة".

ومن الواضح أن الحديث يجري عن مشروع بعيد عن أن يكون أو حتى يلامس "مشروع المشتركة" القائم على ما عُرف بـ"خطاب التأثير" و"التوصية" و"لعبة المعسكرات الإسرائيليّة"، وهي مرادفات ينسفها البيان من أساسها، كما يتّضح من البند الثالث منه، وهو يدعو، عوضا عن ذلك، إلى "بناء تحالف وطنيّ مبنيّ على الرؤية السياسيّة الوطنيّة لخوض الانتخابات القادمة"، كما جاء في البند الرابع، على "أن لا يرتهن هذا التحالف للعبة المعسكرات السياسيّة في المنظومة الحزبيّة الإسرائيليّة، ولا يدخل في لعبة التوصية، ولا في تشكيل الحكومات الإسرائيليّة، ويعمل لمناهضة المشروع الصهيونيّ بتجليّاته يسارًا أو يمينًا".

وهنا يبدو بشكل أوضح، النقد تجاه المشتركة ونهجها الذي تقف في صلبه "لعبة المعسكرات" و"لعبة التوصية" التي انجرف إليها التجمع أيضا. كما أن الرسالة واضحة نصّا لكلّ من لا يعاني من عُسْر في فهم المقروء، أن وُجهة التجمع خارج المشتركة ونحو بناء تحالف وطني يعيد للتيار الوطنيّ الفلسطينيّ دوره الذي كان دائما "سدًّا منيعا أمام الأسرلة".

ولكن الأمور على الأرض تختلف "قليلا"، وهي لا تحمل أيّ إشارات إلى احتمال خروج التجمع من القائمة المشتركة، أو أنه سيشعل ثورة داخلها تتحدى النهج السائد الذي انتقده بيان اللجنة المركزيّة، بل إن الروح الوديّة هي السائدة في العلاقات الشخصيّة والسياسيّة بين مركّبات وأعضاء المشتركة، وخاصة التجمع بعد أن احتوت الجبهة محاولة التنسيق المنفرد بينه وبين حزب الطيبي.

وبدون شكّ فإنّ "شيزوفرينيا" التجمع المتمثّلة بالتناقُض بين النصّ والروح، هي انعكاس لأزمة سياسيّة وعقديّة، مردّها فقدان الهويّة وسط حالة الضياع بين "الثورات العربيّة" التي أضعفت البُعد القوميّ في هويّته، وبين الانجراف داخل تيّار المشتركة، وتآكُل الضوابط الوطنيّة، الأمر الذي أدّى إلى فُقدان دوره الطبيعيّ والرائد في إطار الحركة الوطنيّة في الداخل الفلسطينيّ، و"كاسر أمواج" في وجه سياسات الأسرلة.

فبعد استبعاد حنين زعبي التي ظلّت حتى أيامها الأخيرة في الكنيست تشدّ بحبلة الحركة الوطنيّة "المقطوعة"، خسر التجمع آخر ما يميّزه عن أحزاب المشتركة الأخرى، ودخل في "هرمونيا" الاندماج في نهجها، ولم يغيّر واقع الحال ذاك الخطاب الإعلاميّ الذي تميّز به مؤخرا النائب سامي أبو شحادة، لأنّه لم يُترجم إلى فعل على أرض الواقع.

وإذا كان هناك من أدرك اليوم بعد فوات الأوان، فُقدان التجمع لمميّزاته الخاصّة وهويّته السياسيّة، عليه أن يعرف كذلك أنّ خروج التجمع من المشتركة بهذه الطريقة، بعد أن غاص في مياهها الموحِلة، ليس أنه لن يُخرِجه نظيفا فقط، بل ربّما لن يخرجه حيًّا أيضا، وأن الحديث عن تشكيل تحالُف وطنيّ لخوض الانتخابات خارج المشتركة سيكون بمثابة انتحار سياسيّ لا أكثر.

والسبب هو ليس خسارة مقعد الكنيست، بل لأنّ الانتخابات بحدّ ذاتها هي استفتاء على نهج، وخوضها ضعيفا ومهلهلا وبالتالي خسارتها، سيوجّه ضربة قاتلة لهذا النهج وللحزب عامّة، كما حدث مع أحزاب أخرى، علما بأنّ خيار عدم خوض انتخابات الكنيست أو تعليق مشاركة التجمع في هذه الدورة، يجب أن تكون ضمن خياراته.

ويبدو أن أمام التجمع خيارين كلاهما مرّ، بالنسبة إليه، الأول: الإعلان عن تعليق مشاركته في انتخابات الكنيست لمراجعة وتقييم التجربة واستخلاص النتائج، وهذا يعطيه فرصة لعدم الغوص أكثر في "وحل المشتركة"، وربّما يحفظ له خطَّ رجعة ويساعد في إعادة مدّ خيوط مع أطراف الحركة الوطنيّة، ويمهّد لإعادة بنائها من جديد.

والخيار الثاني هو العمل من خلال حالة "الهرمونيا" الداخلية في المشتركة، واضمحلال الفوارق السياسيّة بين أطرافها، وتحوّلها إلى أمر واقع سياسيّ، كإطار جامع أو قائمة انتخابيّة جامعة، ووضع وزنه إلى جانب التيّار الساعي لتغيير النهج المسيطر داخلها وتصحيحِ مسارها السياسيّ والأنفس الفاعلة فيه.

ونحن نعرف أن هناك تيارا واسعا داخل الجبهة أيضا غير راضٍ عن هذا المسار، بعد أن انكشفت نتائجه الكارثيّة، في ما قادت إليه تجربة منصور عباس والقائمة الموحّدة، وهو تيّار يحتاج إلى دعم من الخارج، ومزيد من الزخم الجماهيريّ لتعزيزه وانتصاره داخل المشتركة، بُغية تغيير نهجها.

وغنيّ عن البيان أن انتصار هذا النهج داخل المشتركة بتضافر جميع أطرافها الوطنيّة، هو شرط لانتصاره خارجها وإنهاء حالة الانزلاق الوطنيّ الخطير الذي يقوده منصور عباس.

والحقيقة أن قضية استبدال أيمن عودة بيوسف جبارين باتت تتجاوز مسألة "الوشوشات" داخل الجبهة، في حين أن إحالة الطيبي إلى التقاعد المتأخِّر من شأنها أن تتحوّل كذلك إلى موضوع نقاش، وهكذا يمكِن للمشتركة أن تتصرّف كمشتركة، وتبقى مشتركة.

التعليقات