21/07/2022 - 17:37

السبت اليهوديّ والمدينة الغائبة

المفارقة أن "المدينة اليهودية" التي تحولت إلى مركز مديني وحيد، بعد القضاء على المدينة الفلسطينية في النكبة؛ تُحقِّق أقصى استفادة من المحيط العربي القروي، عبر تعزيز موقعها الخدماتي والتجاري الذي تتبوؤه عنوة

السبت اليهوديّ والمدينة الغائبة

العفولة، أيلول/سبتمبر الماضي ( Getty Images)

عنصرية المدينة اليهودية في خطوة وُصفت بأنها تحطيم لمدى قياسي جديد في مسلسل العنصرية البذيء، الذي يستهدف العرب الفلسطينيين ويهدد حقوقهم الأساسية في التنقل والسكن والبقاء والتطور في بلادهم، ينتظر أن يقرّ المجلس البلدي التابع لمدينة العفولة، اقتراحا بمنع معلمي السياقة العرب من دخول المدينة واستغلال أيام السبت لغرض تعليم السياقة خلال أيام السبت والأعياد اليهودية.

ويحرم القرار العنصري مئات معلمي السياقة وآلاف الطلاب العرب من حقهم في التعلم أيام السبت، الذي هو يوم عطلتهم الوحيد، علما بأن ضرورة التعلم في مدينة العفولة تنبع من كون امتحانات السياقة العملية تجري في مدينة العفولة وفق قرار وزارة المواصلات، وذلك بحُكم كونها المدينة الأكبر في المنطقة، وغياب بنى تحتية صالحة في البلدات العربية المحيطة بها، نتيجة سياسة الإهمال والتمييز العنصري.

وتسير بلدية العفولة بقرارها هذا على خطى نهج عنصري حاولت تطبيقه بلدية كرمئيل عام 2003 وألغته المحكمة، وبلدية الاحتلال في القدس عام 2015 بمنع دخول سيارات تعليم السياقة أيام السبت والأعياد إلى أحياء "تلبيوت"، و"رمات راحيل"، و"أرمون هنتسيف"، والمرور منها إلى الأحياء العربية: جبل المكبر، وصور باهر وبيت صفافا، وكذلك قرار بلدية "نتسيرت عيليت (نوف هجليل حاليا)" من عام 2019، والقاضي بمنع معلمي السياقة العرب الذين لا يتبعون لمدارس كائنة في المدينة، من استعمال شوارعها "لتعليم السياقة في مختلف أيام الأسبوع وليس أيام السبت فقط، ولتسهيل تمرير هذا القرار عمل رئيس بلدية المدينة مقابل وزارة المواصلات، على إقامة موقع لامتحانات السياقة العملية في الناصرة"، علما بأن شوارع الأخيرة والاكتظاظات المرورية التي تشهدها، تجعل هذه العملية مستحيلة.

وتشكّل العفولة مركزا تجاريا وإداريا لمنطقة عربية، يبلغ تعداد بلداتها عشرات الآلاف وتضخ الانتعاش الاقتصادي في عروق المدينة ومرافقها المادية والخدماتية، في وقت تجري بشكل منهجيّ محاولة حرمانهم من حقّ السكن في أحيائها وعماراتها، والدخول إلى متنزهاتها، وتعلُّم السياقة في شوارعها كما يحدث مؤخرا.

وقد ثارت ثائرة سكان المدينة ومسؤوليها عندما فازت مجموعة من المواطنين العرب، بمناقصات بناء في المدينة كانت قد أعلنت عنها "دائرة أراضي إسرائيل" عام 2015، ووسط عملية تحريض دموية واسعة النطاق جرى إلغاء هذه المناقصات وحرمان العرب من حق السكن في المدينة التي تبنى مجلسها البلدي وبشكل سافر، قرارا غير مسبوق في عنصريّته، يقضي بالحفاظ على يهوديتها، جرت بعدها تظاهرات شارك فيها رئيس البلدية، ضدّ أصحاب بيوت عربية في المدينة.

وفي عام 2019 أصدرت بلدية العفولة المذكورة قرارا عنصريا آخر يقضي بحرمان المواطنين العرب من دخول متنزه المدينة، أُسوة بسائر المواطنين، الأمر الذي دفع بمركز "عدالة" إلى الالتماس للمحكمة وإلغائه.

والمفارقة أن "المدينة اليهودية" التي تحولت إلى مركز مديني وحيد، بعد القضاء على المدينة الفلسطينية في النكبة؛ تُحقِّق أقصى استفادة من المحيط العربي القروي، عبر تعزيز موقعها الخدماتي والتجاري الذي تتبوؤه عنوة في "نطاقه"، من خلال الإبقاء على واقع التهميش وتخلف البنى التحتية والاقتصادية لهذه القرى، وحتى المدن على غرار الناصرة العربية التي جرى إفراغها من المؤسسات الرسمية والمراكز الخدماتية، ونقلها إلى "نتسيرت عيليت" المجاورة، التي أُقيمت على أراضيها.

والأغرب أن العنصريين المذكورين لا يطالبون بمنع العرب من الدخول إلى أسواق المدينة ومتاجرها التي تحظى بفيض من الزبائن العرب، وتستفيد من وفودهم ونقودهم في إنعاش تجارتها، وفي المقابل، تفتقر دعوات المقاطعة التي تنطلَق على استحياء عقب كل إجراء عنصري من هذا النوع، إلى متابعة ومنهجية تحولها إلى سلاح فعال في مقاومة هذا النهج العنصري وكسره.

التعليقات