16/09/2022 - 20:08

التجمع... معركة تستحق أن تخاض

عندما تكون هذه المعركة لا تخصّك وحدك كحزب، بل كحركة وطنية، لا يبقى أمامك خيار آخر، وهي معركة على الوجه الوطني لمجتمعنا العربي الفلسطيني والذي لحق به تشوه خطير، وضرر بالغ في مسيرة نضاله، خصوصًا بعد أن تحوّلت أوساط حركية

التجمع... معركة تستحق أن تخاض

أمام التجمع أعظم وأخطر تحدٍ لم يعرفه منذ تأسيسه. لقد حسم الحزب بقراره خوض الانتخابات بعد تفكك القائمة المشتركة، شكل ومضمون هويته التي عمل على استعادة أهم معالمها المفقودة في الأشهر الأخيرة، وبذلك فاجأ المتشككين من داخل الحزب وخارجه، وفتح الباب لاستعادة ثقة المئات من كوادره.

ولكن كونه لا يزال حزبا يؤمن بجدوى المشاركة في انتخابات الكنيست، واضطر إلى خوضها مستقلا، فإن معركة الفوز بتمثيل برلماني ستواجه خصوما محليين كثر وما يمثلونه من ردة سياسية، وعداءً مضاعفا من قبل نظام الأبرتهايد وأذرعه. ما معناه أنه كان على التجمع أن يقوم بتحضير نفسه لمعركة من هذا النوع قبل ذلك بكثير.

فهل المعركة (انتخابيًا أو غير ذلك) تستحق أن تُخاض؟ نعم تستحق أن تُخاض خاصةً بعد أن عمل كل ما بوسعه من أجل تحقيق الوحدة الانتخابية، ومن أجل البقاء في المشتركة من خلال العمل على تصويب عملها ونشاطها وفق ضوابط وطنية وأخلاقية، وبعد أن أثبت أن معركته ليست على المقاعد، بل على هذه الضوابط. ومعروف أن التجمع كان تاريخيا المبادر مبدئيا وعمليا إلى تشكيل القائمة المشتركة، حتى قبل القرار الصهيوني برفع نسبة الحسم، ورغم المعارضة التي كان أبداها معظم مركبات القائمة المشتركة، التي عملت منذ الأشهر الأولى على تقويضها، مضمونا وشكلا، بدل الارتقاء بها وتطويرها كمدخل للعمل الجماعي الوطني، دون أن يمتلك التجمع القدرة في التصدي الفعلي والحاسم لهذا العبث.

هذه المعركة ليست معركة التجمع وحده ولا معركة انتخابية عادية، فموقفي الشخصي من المشاركة بالانتخابات معروف وكنت دعوت التجمع للانسحاب من الكنيست بعد تشريع قانون القومية؛ لكنها معركة الحركة الوطنية كلها، وهكذا يجب أن تُعرض أمام الناس، ويجب ألا تستمع قيادات التجمع لأقاويل مثل أن خوض الانتخابات بصورة منفردة أو مقاطعتها يؤدي إلى حرق أصوات، أو يسهل على نتنياهو تشكيل حكومة مع حلفائه الأكثر فاشية وعدا، مثل سموترتش وبن غفير، لأن الحكومة الحالية هي نفس الحكومة السابقة بمستوى عدائها للمواطنين العرب وعدوانيتها المتعاظمة لشعبنا الفلسطيني، ورغم وجود حلفاء عرب "إسلاميين" لها، ومنخرطين في منظومتها الاستعمارية. وسيُقال إن خوض التجمع الانتخابات قد يؤدي إلى سقوط كل القوائم، وتنشأ مرحلة انتقالية صعبة تُربك الجميع لمدة زمنية، ولكن سيتشكل بعدها حالة سياسية شعبية جديدة، تنخرط فيها طلائع شبابية مبدعة، وتنشغل باستحداث أدوات عمل جديدة، يقف في صلبها النضال الشعبي، والانخراط في تفكير إستراتيجي بخصوص كيفية إعادة بناء مجتمعنا، والتواصل مع قضية شعبنا ومشروعه الوطني التحرري.

كما يجب أن يبقى في البال والحسبان، إقدام لجنة الانتخابات على شطب التجمع، وهو أمر مؤكد، وهنا سيواجه التجمع تحديا جديدا؛ هل يذهب إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، أم يقاطعها ويذهب إلى المواجهة مع المنظومة السياسية الصهيونية الرسمية، وهو خيار ناقشناه بجدية داخل المكتب السياسي عام 2012، لأن عداء المؤسسة الصهيونية لحزبنا، وما يمثله، أوصلنا إلى وضع لم نعد نحتمل تقديم مساومات متكررة أثناء الدفاع القانوني عن حق التجمع في التمثيل البرلماني.

صحيح أن الظروف الفلسطينية العامة والعربية الراهنة ليست في صالح الفلسطينيين، ولا نعيش حالة ثورية، وهي حالة قد تطول سنين، لكن حين تفرض عليك معركة، وعندما تكون هذه المعركة لا تخصّك وحدك كحزب، بل كحركة وطنية، لا يبقى أمامك خيار آخر، وهي معركة على الوجه الوطني لمجتمعنا العربي الفلسطيني والذي لحق به تشوه خطير، وضرر بالغ في مسيرة نضاله، خصوصًا بعد أن تحوّلت أوساط حركية وحزبية إلى طابور خامس في منظومة القهر الصهيوني ضدنا. كما أن الحالة الفلسطينية الراهنة، الشعبية تحديدا، ليست عاقرا بل أثبتت السنوات القليلة الماضية، كما في الماضي القريب والبعيد، حيوية هذا الشعب الذي خاض ويخوض مقاومة ومواجهات شعبية شاملة ومحلية وفردية، ليؤكد إصراره الذي لا يلين على الحياة، وعلى انتزاع حريته، وتحقيق حياة حرة، كريمة وآمنة.

إنها معركة وطنية وأخلاقية، كبيرة، ومطلوبة، بعد كل هذا الخراب، والتهتك، والسقوط الاخلاقي، والانتهازية، والجهل السياسي. ولأنها كذلك فهذه المعركة تحتاج إلى عقل جماعي من خيرة عقول وكفاءات الحركة الوطنية، تستطيع استقطاب وتشكيل أوسع تحالف شعبي، ومستعدة للاستمرار في المعركة الطويلة بوتيرة عالية وقادرة على الاستمرار لسنوات. ليست معركة فلسطينيي ٤٨ معركة انتخابية، هي معركة وطنية، اجتماعية، ثقافية، وبناء المؤسسات، عبر الاعتماد المالي الذاتي. هي معركة على حماية مجتمعنا من الجريمة والعنف، هي معركة من أجل توفير الأمل والأمن لأبنائنا وبناتنا.

هي معركة على تثبيت انتمائنا لقضيتنا الوطنية، وعدم السماح للطابور الخامس بالتخلي عنها وتخريب أخلاقنا... معركة من أجل تطوير دورنا والنهوض بواجبنا، كجزء من الشعب الفلسطيني، والأمة العربية، في المشروع الوطني التحرري الشامل، مشروع العدالة والانصاف والمساواة.

التعليقات