18/09/2022 - 09:49

للتجمع شعب وجذور وحركة وطنية يحمونه

لا أعتقد أن تصفية التجمع سعيًا للقضاء على خطابه السياسي هو هدف قابل للتحقّق، وهذا ليس حُكمًا رغبيًا. وربّما يتعيّن أن نشير هنا إلى أن مثل هذه الغاية لم تسقط من جدول أعمال المؤسسة السياسية الإسرائيلية والتي يشير كثيرون من الضاربين

للتجمع شعب وجذور وحركة وطنية يحمونه

لا بد من تسمية الأسماء بمسمياتها الحقيقية من أجل استخلاص الاستنتاجات الصحيحة والعمل وفقًا لها. ما حدث في القائمة المشتركة من جانب رئيسها ورئيس "العربية للتغيير"، في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء موعد تقديم القوائم الانتخابية إلى لجنة الانتخابات المركزية، هو بلغة السياسة مؤامرة على حركتنا الوطنية الفلسطينية في الداخل التي يقودها التجمع الوطني الديمقراطي منذ تأسيسه بجدارة وعمق، وبحدّ أقصى من الحفاظ على المصلحة العامة، ومن خلال خطوات تصبّ في غاية تدعيم مجتمعنا على الصُعد كافة.

وهي مؤامرة جرى التخطيط لها بخبث ولؤم ودناءة، وسرعان ما بدأت تتكشف خيوطها وغاياتها. وهي غايات لا يمكن القول إنها فقط لخدمة أهداف جهات خارجية، قد يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية يائير لبيد أحد أبرزها، بل بالأساس لإحداث تغيير في المزاج العام الوطني لأبناء شعبنا بدافع حسابات ذاتية مغرضة أيضًا. ولقد أثبتت الوقائع على وجه السرعة أن استبعاد التجمع تمّ على نحو عامد، وعبر مناورات قذرة، وسواء أكان ذلك ناجمًا عن قرار مُسبق في الخفاء، أو عن نزعاتٍ فردية، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار عدة أمور أبرزها: أولًا، إن أيمن عودة وأحمد طيبي لا يمثلان شخصيهما، بل يقف كل منهما على رأس حزب/ حركة؛ ثانيًا، إن النتيجة المتحققة من المؤامرة واحدة: إقصاء التجمع من القائمة المشتركة بما يفضي إلى تنحيته من خوض الانتخابات نهائيًا. وهو إقصاء يتغيّا تصفية التجمع وما يمثله من نهج سياسيّ وثقافيّ، اعتقادا منهما بأن نشاط التجمع متمحور، على غرارهما، من حول التمثيل في الكنيست فقط لا من حول تنظيم المجتمع الفلسطيني في الداخل، وتثويره وتسييس قضاياه. وهذا اعتقاد مُجافٍ للواقع، كما ثبت طوال الوقت، سواء بالنسبة إلى ما قام ويقوم به التجمع من نشاط وحراك، أو بالنسبة إلى الحركة الوطنية عمومًا.

لا أعتقد أن تصفية التجمع سعيًا للقضاء على خطابه السياسي هو هدف قابل للتحقّق، وهذا ليس حُكمًا رغبيًا. وربّما يتعيّن أن نشير هنا إلى أن مثل هذه الغاية لم تسقط من جدول أعمال المؤسسة السياسية الإسرائيلية والتي يشير كثيرون من الضاربين بسيفها في تحليلاتهم إلى أنه فيما يخصّ التجمع تحديدًا، ومهما يكن الكلام عن جيل أكثر شبابًا وثقافة من فلسطينيي 48، فإنه قد رُبي تربية أعمق على تصوّر فحواه أن الكفاح ضد الدولة القومية اليهودية هو جزء من هويته، وبلغنا مرحلة أصبح فيها جزء كبير من الجمهور الفلسطيني مستبطنًا ليس فقط للهوية الفلسطينية بل وكذلك للهوية العربية التي تشكل تضمينًا وتوسيعًا للهوية الفلسطينية، وتأخذ فلسطينيي 48 إلى فضاءات أبعد.

ويُشار في شأن الهوية العربية إلى أن الشعور بالتاريخ والثقافة واللغة الذي يوحد الفلسطينيين في إسرائيل مع شعبهم العربي من شأنه ليس فقط أن يلبي متطلبات هويتهم، بل أيضًا أن يقيم سورًا منيعًا يقف من وراءهم ويشكل ضمانة لوجودهم. ونحن الآن أمام برهان آخر على أنه بقدر ما شكّل خطاب التجمع سورًا منيعًا لحماية الفلسطينيين في الداخل من احتمال انهيار لاح في أوائل التسعينيات، بقدر ما كان المشروع الأكثر جرأة وتماسكًا في سياق تحدّي المشروع الصهيوني ومؤسسات دولة الاحتلال.

بالرغم من ذلك يبقى المطلوب الآن ردة فعل حاسمة وسريعة من جانب الحركة الوطنية بكل أطيافها، مدفوعة من فعل إدراكها بأنها هي المُستهدفة، ما يستلزم التحرك بكل ما أوتيت من قوة لحماية التجمع ومشروعه السياسي الذي يتقاطع مع غاياتها. والأمر الأكيد أن هناك من المقومات لدى الحركة الوطنية ما يكفي ليجعلنا نجزم بأنها قادرة على دحض المؤامرة وتحجيم الواقفين وراءها. هذا ما يجب العمل عليه من الآن فصاعدًا، مع التشديد على حجم المؤامرة وأهدافها وتوقيتها.

إن بوادر ترجمة ردة الفعل هذه سياسيًا وميدانيًا بدأت تلوح، بدءًا من تجنّد أبناء الحركة الوطنية في الحملة الانتخابية للتجمع وقائمته والتي ستكون صمام الأمان في وجه كل الأحزاب الصهيونية، وفي وجه أصحاب نزعات الأسرلة وتزييف الوعي العام لأبناء شعبنا. وتؤكد كل الدلائل أنها ستتعاظم أكثر فأكثر في الأيام والفترة المقبلة. وأمسى من الواضح منذ الآن أن صوت التجمع ومعه كل الحركة الوطنية وكل الناس الشرفاء سيبقى هو الأقوى، وسيظلّ واقفًا بالمرصاد لكل من تسوّل له نفسه أن ينسلخ عن شعبه وقضاياه الوطنية.

إننا أيضًا على ثقة من أن كثيرين من أعضاء الجبهة ومؤيديها ليسوا، بأي حال، في وارد تأييد مسار فرض نهج طيبي ومنصور عباس على الجبهة، وسيكون لهم بهذا الشأن قولهم الفصل الذي لم يفت أوانه.

التعليقات