23/09/2022 - 11:56

كلام مختصر في معنى الحركة الوطنية في الداخل

رغم أن حركة المجتمع والسياسة لا تفصح عن نفسها بسهولة، وغالبا ما تبقى منيعة عن عين التكهن الدقيق بخفايا القادم، إلا أن تفكك المشتركة كان أمرا متوقعا، وإن ليس بهذا التوقيت وتلك الدراما المأساوية.

كلام مختصر في معنى الحركة الوطنية في الداخل

رغم أن حركة المجتمع والسياسة لا تفصح عن نفسها بسهولة، وغالبا ما تبقى منيعة عن عين التكهن الدقيق بخفايا القادم، إلا أن تفكك المشتركة كان أمرا متوقعا، وإن ليس بهذا التوقيت وتلك الدراما المأساوية.

انفرط عقد المشتركة وتفرقت أحزابها أيدي سبأ، وما عاد العويل والتعويل يجدي نفعا، فتلك الحكاية الحزينة أصبحت من غرائب الماضي، وقد طوي كتابها وأُحكم إغلاقه، وانفتح بالتوازي باب يؤسس لحقبة مختلفة جذريا، قد باتت ملامحها تتشكل بصفتها مرحلة انسحاب إلى الداخل وإعادة التموقع والشروع بعملية "تذخير" للمواقف والرؤى الحقيقية لدى كافة مركباتها السابقة، ويبدو أنها ستتجاوز حراك الانتخابات الحالية لما هو أبعد بكثير.

لا شك أن سقوط تجربة المشتركة الفريدة هو حدث خطير ومحبط، ولم يكن قدرا محتوما لولا هرولة تيار المقايضة، وسطوة أصحاب النهج العدمي الذين أوغلوا بخطاب الاندماج ولعبة المعسكرات، وفضّلوا المراهنة المثابرة على أوهام التأثير والشراكة مع منظومة الفصل العنصري وأساطينها، على حساب تحصين وعي وجهوزية وكرامة حاضنتهم التي أسندتهم وعلقت عليهم آمالا كبرى... وقد مضوا لغايتهم تلك رغما عن انفضاض الناس من حول مقولاتهم وشعاراتهم، واعتراض وتحذير شركائهم في التجمع، فضلا عن الكثيرين من نشطائهم.

في حالة التجمع الوطني، والذي حلّق رئيس قائمته، الرفيق سامي أبو شحادة، بأدائه وخطابه الوطني الواضح فوق سرب المشتركة المتهافت، فإن عملية إقصائه الفظة وأهدافها المريبة، قد أكسبته دعما شعبيا واسعا، وأيقظت عموم كوادره وأنصاره، واستقدمت تضامنا لافتا من أبناء التيارات الوطنية، والتي تعي تماما أن أخطار وعواقب تحييد حزب التجمع تتعدى ساحة العمل البرلماني، وصولا لمسخ وتشويه منجزاتنا الوطنية وهيمنة شاملة "لبيضة القبان".

في خضم هذا الحراك المستجد، فقد استقرت القناعة في صفوف التجمع بكل محازبيه وهيئاته، أنها لحظة استثنائية فارقة، ينبغي معها اغتنام حملته الانتخابية والمضي بها بعيدا، بالإعلان عن انطلاق مشروع إعادة تنظيم الحركة الوطنية بكل روافدها، ومد جسور التلاقي والتنسيق وإطلاق طاقاتها الحبيسة، واستعادة حضورها الجماهيري الوازن، وتأمين الريادة لمشروعها الوطني والأخلاقي الملتزم.

وما دمنا نتحدث عن الحركة الوطنية فهناك، وبالمناسبة، من صار يتندر باستخفاف على معنى هذا الاصطلاح، مدعيا أن التجمع والتشكيلات الوطنية الأخرى، وحينما تنسب لنفسها تمثيل الحركة الوطنية في الداخل، فهم بذاك ينفون صفة الوطنية عن غيرهم.

وقد يتساءل البعض، وهذه المرة بصدق، عن تعريف ومعنى "الحركة الوطنية" الذي نقصده، وسبب استخدامنا المكثف لهذا المصطلح كلما اشتدت المناقشات الفكرية والسياسية. لهؤلاء جميعا نقول بداية إن غياب مشروع محدد ومنسجم لأي تشكيل وطني يجعله عرضة للانحراف السياسي، وإن العمل الوطني المفتقد للثوابت هو انتهازية صرف، وإن الوطنية بدون أخلاق هي وطنية رثة ومهينة.

ولهذا، فإن مصطلح "السياسة" والنشاط السياسي هنا، أي في سياقنا الفلسطيني الخاص، والموجه أساسا للدفاع عن النفس والهوية والأرض والذاكرة كإجراءات بقاء ضرورية وحاسمة... ما هي، بنظرنا، إلا اسم رديف ومطابق للوطنية، ولا تشبه ولا تحمل نفس المعنى المتعارف عليه في البلاد التي نالت حريتها، وعليه، فهي لا تحتمل رفاهية الفهلوة والألاعيب. وكل نشاط سياسي لا ينطلق من هذا الجذر فهو ليس نشاطا وطنيا، وبالتأكيد لا يعوّل عليه.

استخدامنا لمصطلح "الحركة الوطنية" ليس انتقاصا أو مصادرة لوطنية الغير، بل هو توصيف علمي لجوهر الخلاف بين من يعتبر دولة إسرائيل تمثل تجسيدا لممارسة حق تقرير المصير للمستعمر اليهودي في البلاد، مقابل من يرى استحالة ذلك، ويرفضه من الناحية التاريخية والوطنية والأخلاقية.

بكلمات أخرى، وبغض النظر عن معطيات الواقع الفلسطيني الراهن وميزان القوى المختل لصالح أعدائه، فإننا وحينما نستخدم مصطلح "الحركة الوطنية" فنحن عمليا نصف، من الناحية المبدئية، خيارات الانتماء التاريخي والسياسي لكل حركة وحزب فيما يتعلق بمكانة ودور ومستقبل جماهير الداخل، وطبيعة انسجامه مع أهداف شعبنا الفلسطيني ومشروعه التحرري، ممثلا بفصائله الوطنية ومرجعياته وثوابته.

ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف هذا التيار على نحو منهجي، ومنذ تشكله الأول، عبر حملات متواصلة من التنكيل والاعتقال والحظر من قبل أجهزة القمع والمخابرات، والتي تمت مواجهتها ببسالة لافتة وبمزيد من الإصرار والتحدي، ولهذا السبب، فإن ضمور وتراجع حضورها الميداني في بعض الفترات، لم يكن بحكم قانون الانتخاب الطبيعي القاضي ببقاء الأفضل، وإنما "بفضل" قوانين الدولة العبرية القاضية بإفناء حركتنا الوطنية على وجه التحديد. كذلك، فالحركة الوطنية تمثل خيارا متناغما ومتشاملا مع هويتنا القومية، وترى بمحيطنا العربي وفضائه امتدادا طبيعيا لها ولمستقبل شعبنا، وليس الفضاء الإسرائيلي العربي اليهودي المزعوم (أو ما يعرف بالأمة الإسرائيلية).

نهاية، وبعد هذه المداخلة السريعة، والتي أردت من خلالها، توضيح واعتراض تلك التقولات المنكرة والمتطاولة على مجرد استخدام مصطلح "الحركة الوطنية" والتي بدأت تطل برأسها مع انطلاق الحملات الانتخابية، فإنني، وبذات الوقت، أدعو الجميع لضبط أساليب ومضامين الحملات الانتخابية المتوثبة، وانتقاء لغتها بمسؤولية، وجعلها فرصة فعلية لتثبيت وحدة مجتمعنا، وإفشاء لغة الحوار والتثقيف والنقد الجدي... بعيدا عن العنف الكلامي ولغة الإهانات والتخوين.

التعليقات