26/09/2022 - 10:29

في تحصين التجمع لنفسه ومحيطه

وبالعودة لهذه الضوابط، لا بد من التأكيد على أنها لم تكن وليدة الانتخابات وتعاقب التنافس على التمثيل العربي في الكنيست فحسب، إنما تبلورت في سياق الحرب المخاضة على حزب التجمع منذ نشأته قبل ربع قرن، و الذي غرد خارج سرب

في تحصين التجمع لنفسه ومحيطه

جانب من المهرجان الشعبيّ في باقة، والذي أطلق خلاله التجمع حملته الانتخابيّة ("عرب 48")

يحتل السلوك السياسي للأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، منذ انتخابات الكنيست في العام 2015، حيزًا سلبيًا في العقل السياسي الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948، بالرغم من كل الادعاءات والمزاعم التي تضّمنها خطاب القائمة المشتركة آنذاك، والتي نقضها السلوك المشين بالتوصية على وزير الحرب، بيني غانتس، وصولًا لتجهيز الحملة الأخيرة للانتخابات القادمة وما رافقها من انكشاف حملة الطعن والغدر بحزب التجمع الوطني الديمقراطي، بالالتفاف على ما تم الاتفاق عليه مع رئيس قائمة التجمع، سامي أبو شحادة، والتسريبات الصوتية التي كُشف عنها عقب تقديم اللوائح الانتخابية، تنم عن الانحدار الكبير الذي وصلت إليه بعض القوى والشخصيات الممثلة للمجتمع الفلسطيني عام 1948، والتي يحاول البعض في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير، والحركة الإسلامية الشق الجنوبي برئاسة منصور عباس، أن يقدم نفسه كمن يطرح مفهومًا آخر من حيث الشكل بالتحالفات، لكنه من حيث الجوهر، يمثل انعكاسًا لمفهومها السلبي، بل امتدادًا ومكملًا لحملة الإقصاء والشطب الصهيوني لحزب التجمع الوطني وحربًا على برنامجه السياسي ووجوده، بعد سلسلة طويلة من حملة الشيطنة والتهم الملفّقة التي لوحق بها الحزب ومؤسسيه وممثليه في الكنيست على التوالي منذ تعاقبهم على هذا المنبر كممثلين للهوية الوطنية الفلسطينية، وكرموز نجحت في تفكيك زيف المواطنة الإسرائيلية وفضح "يهودية الدولة".

في الوقت الذي تسعى فيه بعض الأحزاب العربية ورموزها للعودة تحت عباءة المؤسسة الصهيونية -من خلال حصر إشراك صوت أصحاب الأرض الأصلانيين في الخطاب المطلبي اليومي الخدمي واللحاق "بالنهج البراغماتي النفعي" بعيدًا عن القضايا السياسية التي تمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948، وذلك ليس بعيدًا عمن قَبِل بالمفهوم "الإسرائيلي للمواطنة" وتحديد وحصر الهوية وفق ما ترتأيه قوانين المؤسسة الصهيونية لسكان البلاد وأصحابها التاريخيين، مفهوم أصبح للبعض نبراسًا للتوجهات الإسرائيلية في هذا المضمار في عناوين التحالف الانتخابي وكوديعة مسالمة للأحزاب المتأسرلة سرًا، والحقيقة أن الشارع الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي القدس، خبر المقترحات والمشاريع الانتخابية الصادرة عن جهات مدعومة من المؤسسة الصهيونية على حساب أرضهم وهويتهم وتاريخهم ووجودهم، وعندما نجحت القائمة المشتركة في الانتخابات الأخيرة للكنيست 2019-، انتهج منصور عباس المراوغة والتضليل في أعقاب تشكيل حكومة بديلة لحكومة نتنياهو بالانضمام للإئتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت، وإلقاء المسؤولية على "المخربين" في إشارة للأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية الذي لم يعد يمتلك براعة جدية في التخلص من الخطاب والسلوك المأسرل لبرنامجه ومشروعه المحكوم بضوابط ومحددات صهيونية.

وبالعودة لهذه الضوابط، لا بد من التأكيد على أنها لم تكن وليدة الانتخابات وتعاقب التنافس على التمثيل العربي في الكنيست فحسب، إنما تبلورت في سياق الحرب المخاضة على حزب التجمع منذ نشأته قبل ربع قرن، و الذي غرد خارج سرب الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، وشكّل صداعا وقلقا مستمرا للمؤسسة الصهيونية بالطروحات التي قدمها عن المؤسسة الصهيونية باعتبارها مشروعًا استعماريًا قام على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني سكان البلاد الأصليين وأصحابها التاريخيين إلى الأبد.

كثرت محاولة استبعاد التجمع وتشويهه منذ البداية، شرّع أريئيل شارون قانونه الشهير ضد المؤسس د. عزمي بشارة وتعرض لملاحقات سياسية ولتلفيق تهم أمنية، ويبرز اليوم خصوم التجمع في القائمة المشتركة في خطوة "الإقصاء" غير بعيدين عن الأهداف الصهيونية التي لن يكتب لها النجاح لإخراس الصوت العربي المعبر فعلًا لا قولًا عن هوية ووجود أصلاني في معركة الحفاظ على الهوية الوطنية والسياسية لأصحاب الأرض، ولأن التجمع يحمل منطقًا وسلوكا وبرنامجًا واضحا في هذا الأمر، من حيث العوامل المصيرية الحاسمة التي تحيط بعمله وبرامجه، لم يكن أمر التآمر عليه عفويًا أو حزبيًا يدخل في باب التنافس، بقدر ما يشكل هذا الأمر أيضًا نقطة انطلاق جديدة وجدية للتجمع سيلعب دورًا مهمًا يقع على عاتقه سواء أعاد شوكته في حلق الكنيست أم انتظر.

أخيرًا، تحصين التجربة، يقتضي تصليب شوكة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، قبل الانتخابات وبعدها، وبعدما ظهر العداء المشترك له لفرض أمر واقع من الشطب والأسرلة والتصهين، والذي يجعل من العمل الحزبي والسياسي لممثلي الأقلية العربية الفلسطينية فوق أرضهم التاريخية غير قادرين على صون وحماية وجودهم الطبيعي والتصرف كأصحاب أرض أصلانيين لا يتوسلون مواطنة وخدمات وحقوق ممن سلبهم أرضهم، ويحاول عبرنة وطمس تاريخهم، وهذا هو الفرق بين من يعتمد البراغماتية النفعية في العلاقة مع المستعمر، وبين من يعمل على خلق حركة شعبية وسياسية فاعلة بهوية عربية وطنية تجعل من تحقق ثقافتها وسياستها في طورها النضالي عملية كفاح مستمر ضد المستعمر لا تقبل المساومة والمرواغة على مقعدٍ تنظر له مكانا لإشهار شوكتها لتحصين وجودها.

التعليقات