29/09/2022 - 20:24

من بن غوريون إلى بن غفير... تغيّر في شكل الحالة الاستعمارية

بن غفير لا يمثل حالة انحراف للحركة الصهيونية عن مسارها "العلماني الليبرالي" وصولا إلى هذه الخلطة الدينية القومية العنصرية التي يمثلها، كما يريد أن يعتقد بعض العلمانيين الصهيونيين.

من بن غوريون إلى بن غفير... تغيّر في شكل الحالة الاستعمارية

(Getty Images)

يحاول البعض تخويفنا ببن غفير وسموتريتش وتعاظم قوة تيار الصهيونية الدينية الذي يمثلانه، والذي يطرح نفسه كوريث ومكمل لطريق تيار الصهيونية العلمانية بوصفها التيار المؤسس للحالة الاستعمارية في فلسطين، والذي هيمن لسنوات طويلة على مؤسسات الدولة الناشئة عنها وقادها دون منازع.

ويقود هذا التيار الديني - القومي الذي تخلف عن المرحلة الأولى في المشروع الاستيطاني الصهيوني، الذي أسفر عن إقامة دولة إسرائيل في حدود الـ48، يقود المرحلة الاستيطانية الثانية التي يعتبرها استمرارا وتتويجا لهذا المشروع في الضفة الغربية، باعتبارها "أرض الآباء" الحقيقية التي لن تُستَوفى دونها أرض إسرائيل الكاملة.

ولا تكتفي الصهيونية الدينية ببناء دولة "إسرائيل الثانية" في الضفة الغربية، بل هي تسعى لاحتلال "إسرائيل الأولى" وتصحيح "الخطأ التاريخي" و"إعادة التوازن" الذي يجب أن يقوم بين الأهداف الدينية للحركة الصهيونية التي تقوم على فكرة "الإنقاذ" و"أرض الميعاد" و"جمع الشتات"، وبين القيادة الدينية لهذه الحركة، وهي تتقدم على هذا الصعيد بخطوات كبيرة.

في مقال نشره رئيس "المنتدى العلماني"، رام بروفمان في صحيفة "هآرتس" مؤخرا، حاول تتبع الخط الواصل بين بن غوريون وبن غفير، ليصل إلى نتيجة مفادها أن بن غفير لا يمثل حالة انحراف للحركة الصهيونية عن مسارها "العلماني الليبرالي" وصولا إلى هذه الخلطة الدينية القومية العنصرية التي يمثلها، كما يريد أن يعتقد بعض العلمانيين الصهيونيين، بل إن الطريق التي رسمها بن غوريون، والتي تبنت الأسطورة اليهودية الدينية وأمَّمَتها، بمعنى عَلمَنَتها وتحويلها إلى اسطورة قومية، هي التي ربطت العلاقة غير القابلة للفصل اليوم بين بين الدين والقومية.

وما جرى لم يقتصر، برأيه، على محاولة تأميم الأسطورة فقط، بل إنه أعطى شرعية للتوجه "المسيحاني" و"الإنقاذي" الموجود عميقا في قلب الدين. بن غوريون رأى بنفسه وبرفاقه "مُخَلِّصين" أنقذوا شعب إسرائيل من عذاباته، وكجزء من "المسيحانية" التي ميزتهم، فقد حَوّلوا التوراة إلى المطرقة المركزية للصهيونية، وفي هذا السياق فإن بن غفير وغيره من الخلف الصهيوني الديني، هو محاولة لتسوية التناقض الداخلي للصهيونية العلمانية.

كان من الواضح، كما يقول بروفمان، أن هذا المنتج الهش المتمثل بحركة ليبرالية علمانية قائمة على أساس ديني، إشكالي، إذ تتجذر مسيحيانيته عميقا في قلب رؤيتها القومية. كان من الواضح أن تناقضا داخليا بهذا العمق والذي عبر عنه المؤرخ أمنون راز جيدا بقوله إن "الله غير موجود لكنه وعدنا بهذه الأرض"، سيقود إلى الانهيار ولن يصمد طويلا، وسيفضي انهياره إلى نشوء وتعاظم التيار "القومي الديني" الذي يقترح إزالة العلمانية من الصهيونية، لحل تناقضها الداخلي والإبقاء على الأساس الديني للقومية.

وبدون شك، فإن تعاظم قوة إيتمار بن غفير، الذي يمثل الاختراع الجديد لهذا التوجه، هو برأي الكاتب، ليس من قبيل الصدفة، لأنه يحل عدة مشاكل كانت تعيق تطور "الصهيونية الدينية"، فهو "شرقي" و"متزمت دينيا" يرتبط تدينه بالقومية، بمعنى أنه يستطيع التوجه إلى المتدينين التقليديين الذين يرون بحزب "نوعم" وحتى ببتسلئيل سموتريتش متطرفين دينيا، ويمكنه أيضا (بن غفير)، التوجه للحريديين المعنيين بالخروج من "الغيتو" والاندماج بالإسرائيلية، لأن خروجهم سيعتبر عندها تعبيرا عن رغبة للمشاركة في القومية، وليس رغبة للمشاركة في الليبرالية، أي أن بن غفير يحقق رغبتهم في اندماج قومي، بمعنى قومية عنصرية.

ويرى بروفمان أن الخلل في هذا التوجه لا يكمن فقط في التركيبة الصهيونية الدينية، التي وإن كانت أكثر انسجاما على الصعيد الداخلي، فإن "مصيبتها" ليست فقط في اختراعها المتمثل ببن غفير، الذي لا يختلف عن بن غوريون بالمحصلة، بل إن الكاتب يشير إلى الاثنين بالأحرف الأولى المشتركة (ب. غ)، وإنما "المصيبة" تكمن في كون اليهودية كدين تعاني أيضا من عدة أمراض، أولها أنها تطورت كتقنية "مهجرية" للحفاظ على اليهود منقطعين عن محيطهم، ولذلك فإن الانفصالية وعدم الرغبة في الاندماج بالمحيط خاصية رئيسية فيها.

كما أنها من أجل إعطاء شرعية للفجوة القائمة بين "الشعب المختار" وبين الوجود البائس في المهجر، شكلت الديانة اليهودية أبا روحيا للنظرة العنصرية اليهودية، التي حملت أفكارا على غرار أن الفجوة بين نفس اليهودي ونفس الأغيار أكبر من الفجوة القائمة بين نفس الأغيار ونفس الدابة.

كذلك فإن ما يمكن التسامح معه في المهجر لا يمكن التسامح معه عندما يكون الدين اليهودي الانفصالي والعنصري دين دولة، كما يقول بروفمان، الذي يقترح على اليهود العلمانيين التحول إلى قطاع، على غرار "الحريديين" وغيرهم بعد أن فقدوا هيمنتهم في الدولة الاستعمارية.

أما بالنسبة لنا، نحن العرب الفلسطينيين المستعمرين (بفتح العين)، فإن شكل الاستعمار لن يغير من واقعنا كثيرا ولن يخيفنا بن غفير مثلما لم يخفنا بن غوريون.

اقرأ/ي أيضًا | الكهانية سبقت نتنياهو

التعليقات