30/09/2022 - 17:40

التجمّع... يريدوننا "سمَكا ميتا"

إن ما يُحاك ضد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، هو متّصل كل الاتصال بتفكيك المشتركة أوّلا، ثم استكمالا، لقتل كل تطلُّع مُشترك لنا كعرب، تجاه وجودنا وقضايانا ومصيرنا في هذه البلاد.

التجمّع... يريدوننا

ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها شطب التجمع الوطني الديمقراطي من خوض انتخابات الكنيست على يد لجنتها، إذ لم يُذكر أن تقدَّم الحزب مرة منذ بداية خوضه الانتخابات، إلا وقد شطبته اللجنة، أو شطبت أحد مرشيحه على الأقل.

ولأن حسم موضوع الشطب غير منتهٍ عند قرار لجنة الانتخابات المركزية وحدها، بل الجهاز القضائي، وتحديدا المحكمة العليا، بوصفها أعلى هيئة قضائية في الدولة العبرية؛ هي الجهة المخولة بالبتّ نهائيا بقرار إقرار الشطب أو إلغائه، إذا ما أراد الحزب أو المرشح المشطوب الاستئناف والتوجه إليها طبعا.

وكان التجمع يواجه قرار شطبه في المحكمة دائما، ومُلغيا إيّاه، عبر وضع الدولة العبرية في تناقضٍ ما بين يهوديتها وديمقراطيتها عند قضائها، فالدولة بكامل أجهزتها وقواها السياسية تُطابق يهودية الدولة بديمقراطيتها، وهذا ما يراه التجمع تناقضا وعائقا أمام الدولة في أن تكون دولة كل مواطنيها، فما يحاجج به التجمع ببرنامجه السياسي؛ "هوية قومية، ومواطَنة كاملة"، يُحرج الدولة وأجهزتها، ممّا جعله حزبا مشبوها بنظرها، وبالتالي من هنا مداومة القوى السياسية الصهيونية على محاولة شطبه في كل مرة.

ما الجديد هذه المرة؟

ليس الشطب بالأمر الجديد على التجمع، غير أن قرار لجنة الانتخابات بشطب الحزب هذه المرة يأتي في سياق تجري فيه محاولات الإطاحة بالحزب وصوته التمثيلي، فالحزب يخوض معركة انتخابية لم يخترها بقدر ما أنها فُرضت عليه، بخوضه إياها وحيدا، بعد أن دُفع به إلى الحائط عمدا، كي "يرفع يديه"، ونقصد ما حدث في ليلة تسليم القوائم، بشأن الحكاية التي نعرفها كلنا.

ومن جانب آخر، فإن التجمع الوطني يواجه حملة في مسعى مقصود لمحاصرته وتثبيط عزيمته، عبر استغلال استطلاعات الرأي للانتخابات المقبلة مثلا، إذ تُبيّن بعض المواقع باستطلاعتها غير المهنية وغير الجادة، مؤخرا، أن التجمع يظهر "متراجعا" في قدرته على اجتياز نسبة الحسم، الأمر الذي يسهّل على غير الراغبين بوجود التجمع وصوته، استغلالهم النتائج المُستطلعة، في محاولة لإخافة الناخب العربي من فكرة "حرق" صوته، إذا ما أدلى به للتجمع، وإحراج الحزب نفسه أمام مجتمعه العربي، من جدوى خوضه الانتخابات في الوقت نفسه.

هذا على مستوى السياق الخاص بالانتخابات المقبلة تحديدا، بينما في السياق السياسي العامّ والمُتراكم فلسطينيًّا وعربيًّا، فإن ما يدور هو جزء من مسار حملة "قلع البنطال" التي تشنها إسرائيل وأجهزتها على الحركة الوطنية، أو لنقل على الصوت الوطني في الداخل على الأقل، فكل من لا يريد القول إلا "لا"، رافضا الصعود على متن سفينة إسرائيل، بشروط يهودية الدولة وصهيونتها، سيكون تحت طائل الإقصاء أو الشطب والتجريم.

ينتظر التجمع والحركة الوطنية عموما ما هو أكثر من الشطب، وإن كان التجمع قادرا على شطب شطبه في المحكمة، فإن التحديات المقبلة في ظل الظروف السياسية الراهنة، أعتى وأكبر مما كانت عليه سابقا. وبالتالي، على الحزب قيادةً وكوادر، استغلال الحملة الانتخابية أكثر من الانتخابات نفسها، أيا كانت نتائجها، بوصفها فاصلة زمنية ونقطة ارتكاز، لإعادة بناء خطابه وتنظيم قواعده، وتسييس جمهوره وداعميه معا.

مع التيار

لا يسير ويسبح مع التيار إلا السمَك الميت، فالحيّ منه من يمكنه فقط السير والسباحة بعكس التيار، وهذا ما باتت تريده لنا إسرائيل وحلفاؤها ووكلاؤها في فلسطين والمنطقة عموما؛ أن نكون "سمكا ميتا" يسير سياسيا مضبوطا على إيقاع خطاب تيار "التأثير"، الذي لم ولن يُبقي لا على "كرامة" من ارتأوا الجلوس في مقاعد السلطة التنفيذية للدولة العبرية، ولا أولئك الذين باتت تستهويهم تجربة لعب دور "بيضة القبان".

ربما لا تعني الانتخابات المقبلة الكثير، لكثيرين من أبناء وبنات مجتمعنا العربي، في ظل الاستياء الاجتماعي والورَم السياسي الذي بات يعتمل مجتمعنا، خصوصا بعد تفكيك القائمة المشتركة، التي ظنها الناس وعدا سياسيا واعدا لقضاياهم.

غير أن ما يُحاك ضد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، هو متّصل كل الاتصال بتفكيك المشتركة أوّلا، ثم استكمالا، لقتل كل تطلُّع مُشترك لنا كعرب، تجاه وجودنا وقضايانا ومصيرنا في هذه البلاد. وهذا ما يستوجب منّا جميعا، ومن كل أبناء وبنات مجتمعنا، وخاصة الجيل الشاب؛ الوقوف والنظر في موقفٍ رافض لمحاولة جعلنا "سمكا ميتا".

التعليقات