27/10/2022 - 16:32

فقدان التوازن بين الوطني والمدني يؤول للسقوط

عندما يوقن لبيد وغانتس أن دعم الأحزاب العربية لهما غير مشروط بأي بند يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن قائمة عربية "صمدت" في ائتلافه في عز العدوان على غزة، عندها فقط يستطيع أن يحرق نابلس في طريقه إلى الناصرة

فقدان التوازن بين الوطني والمدني يؤول للسقوط

(Getty Images)

من سكت سنوات انسجاما مع "خطاب النكوص" الذي ابتدعه أيمن عودة من اليوم الأول لتوليه رئاسة القائمة المشتركة، والذي قلص من مساحة تدخل أعضاء الكنيست العرب في "الشأن الفلسطيني" المرتبط بقضايا الاحتلال والاستيطان والقمع الممارس ضد أبناء شعبنا هناك إلى الحد الأدنى، تجاوبا مع تغيير الأجندة السياسية الإسرائيلية التي أسقطت الموضوع الفلسطيني بعد أن بات محل إجماع بين يمينها ويسارها لصالح قضايا إسرائيلية داخلية تتعلق بصيانة الديمقراطية ومؤسسات الدولة الليبرالية وهيمنة النخب الأشكنازية.

وقد تُرجم هذا التقليص في انخفاض حاد بمعدل تصريحات أعضاء الكنيست العرب المرتبطة بالقضية الفلسطينية وتدني مشاركتهم الفعلية في النشاطات المناهضة للاحتلال والاستيطان والقمع الذي يتعرض له شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك تحت وقع ضربات الهجوم المفتعل الذي تشنه الدوائر والمنصات التي تحركها السلطة وأعوانها عليهم، بدعوى إهمال قضايا جماهيرنا اليومية وانشغالهم بالقضية الفلسطينية.

وإن كنا بهذه المقالة القصيرة لا ننوي إجراء بحث معمق حول الموضوعين إلا أنه من حقنا أن نتساءل متى كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها عضو كنيست عربي لأسير في السجون الإسرائيلية؟ ومتى كانت الزيارة الأخيرة لعضو كنيست عربي لخيمة عزاء شهيد؟ أو آخر زيارة تضامن للأقصى؟ في ضوء اقتحامات المستوطنين المتكررة، ولماذا لا يتصدون لبن غفير الذي خوفوننا به في ساحات الأقصى؟

وكلنا يذكر كيف تنصلوا من نواب التجمع عندما اجتمعوا بأهالي شهداء القدس المحتجزة جثامين أبنائهم؟ وكيف تنصلوا من حنين زعبي عندما وصفت جنود الجيش الإسرائيلي بالقتلة؟ كذلك لم يكن من المفروغ منه التنصل من باسل غطاس بتلك الطريقة المهينة بعد اتهامه في قضية الهواتف النقالة، وغني عن البيان أن تراجعهم ذاك هو الذي مكن المؤسسة من رسم حدود جديدة للمسموح والممنوع، وهو الذي جعل تصريح يتيم لعايدة توما – سليمان حول اقتحام نابلس "يقيم الدنيا ولا يقعدها" ويحولها إلى داعمة للإرهاب، كما تقول في مقال نشرته في صحيفة "هآرتس".

ومن الطبيعي أن إسقاط القضية الفلسطينية بكل ما يرتبط بها من احتلال واستيطان وقتل في جنين ونابلس وحصار وتجويع وعمليات عسكرية عدوانية في قطاع غزة، من قائمة شروط "دعمنا" أو "توصيتنا" على هذا المرشح أو ذاك لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، إذا كان لا بد من ذلك، ليس لأنه يعطي شرعية لما تقوم به حكومة لبيد - غانتس التي تشارك في ائتلافها قائمة عربية وحظي رأسيها (لبيد وغانتس) بتوصية الأحزاب العربية، كلها أو غالبيتها، بل يحولنا إلى زبون رخيص يباع ويشترى بفتات موائد السلطة.

في الماضي ما كان ليجرؤ رئيس حكومة إسرائيلية على دخول الناصرة، أو أي مدينة عربية أخرى، في ذات الوقت الذي يفتك أفراد جيشه بأهلنا في نابلس، كما فعل لبيد، أو ما كان يترك جيشه يفتك بنابلس في الوقت الذي يقوم هو بزيارة الناصرة، ولو من باب مراعاة مشاعر المضيفين العرب أو عدم التعطيل على أهداف الزيارة وتعكير أجوائها.

ولكن عندما يوقن لبيد ووزير دفاعه، بيني غانتس، أن دعم الأحزاب العربية، أو أحزاب عربية، لهما غير مشروط بأي بند يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن قائمة عربية "صمدت" في ائتلافه في عز العدوان على غزة وقائمة أخرى يصرح قادتها علنا بأنهم بيضة القبان التي ترجح كفة معسكره وتمنحه فرصة تشكيل حكومة مستقبلية دون شروط من هذا القبيل، عندها فقط يستطيع أن يحرق نابلس في طريقه إلى الناصرة.

كرم الله وجه الإمام علي الذي قال "عندما يسكت أهل الحق عن أهل الباطل يظن أهل الباطل أنهم على حق"، وعندما يجري، بشكل مباشر أو غير مباشر، دعم حكومة ما يسمونه بـ"معسكر التغيير" التي "يقوم جيشها باقتحامات يومية للضفة المحتلة وإعدام الفلسطينيين بدون محاكمة ويفرض حصارا مجرما على غزة"، بتعبير توما - سليمان، ثم يفطن أحدهم لإدانة اقتحام نابلس الذي يأتي عشية انتخابات، عندها يجب ألا يستغربوا من نعتهم بالمخربين وداعمي الإرهاب حتى من قبل حلفائهم في اليسار الصهيوني.

ويبدو أن هؤلاء لم يدركوا بعد أن المعسكر الذي يسمي نفسه بـ"معسكر التغيير" لا تربطه أية علاقة بـ"معسكر السلام" الذي كان حاكما في عهد حكومة رابين، يوم أن شكلت القضية الفلسطينية المحور الذي انقسمت عليه الساحة الإسرائيلية بين "معسكر السلام" والمعسكر المناوئ للسلام، في حين أن المحور الذي ينقسم عليه الشارع الإسرائيلي اليوم هو نتنياهو ولذلك يصح تسمية طرفيه بـ"معسكر نتنياهو" والمعسكر المناوئ لنتنياهو، والذي يضم ليبرمان وبينيت وشاكيد وساعر وحتى غانتس ولبيد، بينما تحول العمل وميرتس اللذان شكلا، في حينه، صلب "معسكر السلام" إلى أحزاب صغيرة تراوح نسبة الحسم في مؤخرة المعسكر الجديد.

أما الأنكى من إعادة رسم المسموح والممنوع فلسطينيا على حدود خط التراجع الذي نكصت إليه الأحزاب العربية، حتى غدت زيارة الأسرى "ممنوعة" والمشاركة في بيوت عزاء الشهداء "ممنوعا" ودخول الأقصى لغير الصلاة "مكروها" وغيرها من المحظورات التي فرضها "النهج الجديد" على نفسه وعلى أعضاء الكنيست العرب، الأنكى أن مقايضة القضية الوطنية بالقضايا اليومية حولت الحقوق المدنية والميزانيات التي كنا نتحصل عليها في السابق، على شحتها، كمواطنين، إلى مكرمة سلطوية يتوجب علينا دفع ثمنا سياسيا لنيلها.

التعليقات