06/11/2022 - 20:20

أصدقاؤنا الكلاب

يبدو أن البعض لم يدرك بعد، المكانة التي باتت تحتلها الكلاب في الوعي الإنساني العام، بعد عِشرة ملايين السنين مع هذه الحيوانات، فالكلاب أصدقاؤنا وصارت جُزءا لا يتجزأ من حياة البشر، والتعامل معها يجب أن يكون برحمة وحذر وحضارية.

أصدقاؤنا الكلاب

(Getty Images)

ظهر قبل بضعة أشهر معلِّم للموسيقى عبر قناته في "يوتيوب"، وأعلن لعشرات آلاف المتابعين لدروسه على آلة الجيتار بحزن عميق: جئت لأخبركم اليوم بوفاة "جوي"، ثم بصعوبة واصل نعيه لكلبه: "قال الأطباء إنَّه سيعيش شهرين فقط، ولكنّه عاش ثمانية أشهر، رحل جوي وهو في الثانية عشرة من عمره"، وبصعوبة لفظ آخر كلمات، وفقد سيطرته على دمعته.

"جوي" كان رفيقا لهذا الفنان في كل ساعات يومه، وخلال دروسه التي يقدمها لمتابعيه، يقعد تحت قدميه، أو يغفو إلى جانبه، وعلى سريره، أحيانًا يضطر لأن يخاطبه بكلمة ما، وهو يقدّم الدّرس كي يبعده عن حضنه.

تذكرت نعي أستاذ الموسيقى اليوناني لكلبه خلال هذه الأيام، فقد أثارت دعوة رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة تشجيع قتل الكلاب الضالة مقابل 20 شيكل للكلب الواحد، استياءً كبيرًا تناقلته وسائل إعلام عالمية.

وكانت جمعية الرفق بالحيوان الفلسطينية أول من استنكر هذه الدعوة، وقالت في بيانٍ إنَّ هناك طرقًا أخرى للتخلص من الكلاب، بإمكان بلدية الخليل أن تتخذها وخصوصًا أنها تملك المال لتنفيذ ذلك.

وتعرّض أبو سنينة إلى انتقادات شديدة، ووصفت دعوته بالوحشية، وخلوّها من المشاعر الإنسانية، ودعاه المسؤول الإسرائيلي عن القسم البيطري في الإدارة المدنية، إلى التنسيق معه للتخلص من الكلاب الضالة بطرق إنسانية، وتدخلت جمعية "دعوا الحيوانات تعيش" الإسرائيلية، معتبرة أن دعوة أبو سنينة في غاية الوحشية، ودعت إلى حملة تضامن واسعة مع الكلاب، لاقت وستلاقي صدىً واسعًا سيصل إلى أميركا وأوروبا، واستغلت مصادر إسرائيلية القضية، للتذكير بأن أبو سنينة سجين أمني سابق، ومسؤول عن قتل مستوطنين، وقد أطلق سراحه في صفقة تبادل.

بعيدًا عن عُهر الاحتلال، الذي يتعامل مع الفلسطينيين ببهيمية ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، ويمكن له قتل إنسان لأتفه الأسباب بدون محاكمة، فإن دعوة رئيس البلدية سيّئة جدًا وغير مسؤولة، وتنمّ عن سطحية في التعامل مع الأمور.

دعوة كهذه تنمّي لدى الناس عمومًا ولدى الأطفال خصوصا نزعة العنف، واستسهال القتل مقابل المال، وهي رسالة تربوية خطيرة، فقد نُشرت فيديوهات ظهر فيها أطفال في الخليل يجرّون كلابًا لقتلها، أو لتسليمها للبلدية للحصول على الـ20 شيكل! هذه المشاهد تسيء جدًا للمشهد المعتاد، الذي يظهر فيه الفلسطيني مقاومًا للاحتلال، وخصوصًا أولئك الأطفال الذين كثيرًا ما يتعرَّضون لقذارات المحتلين من جنود ومستوطنين.

إضافة إلى استغلال هذه الدعوة والمشاهد عالميًا ضد ضحايا الاحتلال وتصويرهم كوحوش لا يستحقون التعاطف، فهناك من يحسن استغلال هذه الفُرص جيّدا لخلط الأوراق والتلاعب في العواطف، فقد نشرت وسائل إعلام عالمية الخبر بصيغة "استياء في إسرائيل من دعوة رئيس بلدية الخليل قتل الكلاب". وفي عنوان كهذا الكثير من الرسائل المناقضة للواقع، فالمحتل يبدو إنسانيا في استيائه هذا!

مما لا شك فيه، أن نوايا رئيس البلدية كانت حسنة، فهو يريد التخلص من كلاب ضالة تُسبب خطرًا على المواشي وعلى البشر، ويبدو أنها هاجمت حظائر وبيوتًا، وهذا معروف، وحدث ويحدث في قرى كثيرة حيث هاجمت الكلاب المسعورة زرائب الأغنام وقتلت المئات منها، إلا أن الحلَّ لمثل هذه المشكلة، يكون من خلال قسم البيطرة في البلدية أو المجلس المحلي، وكل بلدية وخبرتها وميزانيتها وأسلوبها في التخلص من الحيوان بدون تعذيبه.

لا أعرف الطرق المُتبعة بالضبط، فقد تكون من خلال قتلها بالرصاص، وهذا ما تعترض عليه جمعيات الرفق بالحيوان، أو من خلال إلقاء القبض عليها بوسائل عصرية، مثل المواد الكيماوية أو الأسهم المخدرة إلخ، ثم التخلص منها بالحقنة المميتة، بدون التسبب لها بألم.

المهم أن يكون التخلّص منها بالطرق المتعارف عليها دوليًا، وبدون دعوات فوضوية غير مسؤولة، ويبدو أن البعض لم يدرك بعد، المكانة التي باتت تحتلها الكلاب في الوعي الإنساني العام، بعد عِشرة ملايين السنين مع هذه الحيوانات، فالكلاب أصدقاؤنا وصارت جُزءا لا يتجزأ من حياة البشر، والتعامل معها يجب أن يكون برحمة وحذر وحضارية، بعيدًا عن الغوغائية.

التعليقات