16/11/2022 - 12:54

التجمع... عن سؤال التنظيم بلا تمثيل

ما الذي حسمه التجمع الوطني الديمقراطي على الرغم من عدم عبوره نسبة الحسم؟ ما من شك أن النتيجة التي حملتها الصناديق للتجمع بحصوله على دعم ما يزيد عن 139 ألف ناخب لها حمولة متجاوزة لحسابات الصندوق.

التجمع... عن سؤال التنظيم بلا تمثيل

ما الذي حسمه التجمع الوطني الديمقراطي على الرغم من عدم عبوره نسبة الحسم؟ ما من شك أن النتيجة التي حملتها الصناديق للتجمع بحصوله على دعم ما يزيد عن 139 ألف ناخب لها حمولة متجاوزة لحسابات الصندوق من حيث الاحتمالات السياسية التي تُنبئ بها النتيجة لمستقبل الحزب، وخطاب الحركة الوطنية، الذي يجدل ما بين التمثيل البرلماني والتنظيم على مسطرة الهوية الوطنية.

وبعيدا عن المناكفات المتصلة بالتحامل الحزبي، فإن ما حققه التجمع بعد هذه المعركة، حرفيا هو الآتي: "خرج الحزب حيًا"، وربما لا رابحًا ولا منهزمًا، بل مفتوح العينين وواضح البصيرة، ليقرر التجمع بعد ذلك إن كان خاسرًا أو منتصرًا. لقد اقتضى الظرف بالتجمع خوض الانتخابات الأخيرة ليس وحده، بل وللدقة بعد أن تُرك وحيدا في محاولة من أجل حذفه من الحياة السياسية التمثيلية في البلاد.

لا يقول في "حرق الأصوات" إلا مقاولو الانتخابات الذين لا يرون بأصوات الناس سوى أرقاما يجب عدّها في الصناديق. وبالتالي، فإن كل محاولة للنظر إلى قوة التجمع على الرغم من عدم تمكنه من عبور نسبة الحسم على أنها "حرق أصوات" ليس إلا محاولة كيّدية من أجل نزع حظوته الشعبية عنه. فمن من باب أولى القول إنه "كان ينقص التجمع بضعة آلاف من الأصوات كي يكون لدينا أربعة ممثلين عرب إضافيين في البرلمان". من أراد حرق التجمع منذ ليلة الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر غير قادر على النظر للتجمع بقوته المفاجئة إلا على أنه "حارق أصوات". ولكن النفوس المعطوبة لا تتطلب كلاما في السياسة بقدر ما تستدعي تدخلا ضروريا للطب النفسي.

لم يحرق التجمع غير تلك المرحلة التي انتهت بمحاولة حرقه وحذفه، والخُلاصة في نتيجة الانتخابات الأخيرة بالنسبة للحزب على الرغم من إبقائها عليه خارج لعبة التمثيل هي: "في أن التجمع لا يجد شرط وجوده إلا في نفسه، وليس في مكان آخر، فما فعله وسيفعله الحزب في المرحلة المقبلة هو المهم، وليس المهم فيما يقوله الآخرون".

عن الممكن السياسي

لم تُسفر الانتخابات الأخيرة عن إخراج التجمع الوطني الديمقراطي من الكنيست فقط، بل كذلك عن تحولات متصلة بتفشي اليمين الفاشي وتعاظمه داخل الخارطة السياسية الإسرائيلية. ففي الوقت الذي تُبعد فيه هذه الانتخابات صوت النائب سامي أبو شحادة عن دائرة التمثيل، فإنها تعزز من دوي صوت الفاشيين مثل بن غفير وسموتريتش، وهذا معطى يجب أخذه على محمل الجد لناحية شكل "السياسي" الذي سيكون عليه نظام الدولة العبرية السياسي في المرحلة المقبلة، بصرف النظر عن شكل الائتلاف الحكومي المقبل. فبن غفير وأمثاله، ليسوا إلا مسودة عن مستقبل إسرائيل، أنبأتنا به الانتخابات الأخيرة.

كان الأفضل للتجمع بالطبع لو أنه تمكن من عبور نسبة الحسم ودخوله دائرة التمثيل، غير أن بقاءه خارجها فإنه خبر يفتح على أسئلة جديدة، منها ما هو متصل بالتجمع وشكل وجوده، وعن "السياسي" لدى مجتمعنا العربي في الداخل خصوصا بعد أن تمكنت القائمتان العربيتان الأخريين من عبور نسبة الحسم والفوز بخمسة مقاعد لكل منها، الموحدة والجبهة - طيبي. ولأول مرة يقف التجمع الوطني الديمقراطي مستجوبا أمام سؤال مفاده: إلى أي حد يمكن "للسياسي" أن يكون ممكنا خارج دائرة التمثيل البرلماني (الكنيست)؟

أول ما تستدعيه الإجابة عن هذا السؤال، هو تحرر الحزب من مناخ الانتخابات الأخيرة مع الأخذ بنتائجها على محمل المستقبل. فالسؤال هنا مركزيا وليس ترفيا، وعلى التجمع وكل أبنائه وبناته وأنصاره في الداخل الفلسطيني الانتباه لضرورة البناء والتنظيم السياسيين خارج دائرة التمثيل البرلماني. وهذا يتطلب أمرين:

الأول، هو النظر للنتائج بوصفها منحى لا بوصفها أزمة، منحى، بمعنى فصل جديد من شكل وتاريخ السياسي في الداخل، يشترط تحركًا وتنظمًا بمستوى اللحظة والمرحلة معًا، وليس أزمة بالمعنى الانتخابي - التمثيلي للأزمة، فالعمل يتطلب إعدادًا للمرحلة السياسية المقبلة أكثر مما هو استعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة. فليس للتاريخ معنى بقدر ما له مجرى، بحد تعبير إميل سيوران.

والأمر الثاني، هو التفكير بالتجمع كـ"تيار جامع" أكثر منه مجرد "حزب برلماني". فمن جانب، وفي ما يتعلق بداعميه في الانتخابات الأخيرة من خارج كوادره التنظيمية، فعلى الحزب التفكير بكيفية تأطير كل هذا الالتفاف الذي جرى حوله، وتنظيمه كانحياز سياسي وأخلاقي لخطابه وبرنامجه السياسي لا ككتلة تصويتية له فقط. ومن جانب آخر، على التجمع الانفتاح على القوى الوطنية المحلية غير البرلمانية، ومحاورتها على تنظيم آلية عمل لمواجهة المرحلة، خصوصا بعد أن انفض مشروع المشاركة السياسية مع الأحزاب العربية البرلمانية بتفكك القائمة المشتركة.

لا نعني بكل ما قلناه سابقا أن يُسقط التجمع سؤال التمثيل في الكنيست الإسرائيلي من حساباته؛ فالتخلي عن هذا الدور هو شكل من فك الارتباط مع الناس، لناحية السؤال الحقوقي والمطلبي في ظل المكانة القانونية لأبناء وبنات مجتمعنا العربي بصفتهم "مواطنين" في دولة إسرائيل. تمامًا مثلما كان التخلي عن التنظيم إلى حد تآكله لصالح التمثيل وضمانه، بمثابة فك ارتباط ما بين التجمع وقواعده الجماهيرية، خصوصًا في ظل تجربته في القائمة المشتركة في السنوات الأخيرة.

لكن التنظيم بات ضرورة ملّحة للتجمع بعد أن صار خارج دائرة التمثيل هذا أولا؛ وثانيًا من أجل بقائه كتيار فاعل على الساحة السياسية. والأهم من ذلك، خلق فرص، واجتراح ممكنات للعمل السياسي من خارج الكنيست لمواجهة مظاهر الأسرلة وتفاقم الانحراف السياسي في مجتمعنا العربي، وكل سياسات التطويع والترويض والتأديب التي تريدها لنا الدولة العبرية في ظل تصاعد النبرة السياسية الفاشية داخل صهيونيتها.

لم يجتز التجمع الوطني الديمقراطي نسبة الحسم هذا صحيح، لكن عليه اجتياز امتحان الأيام المقبلة، في كيفية الحفاظ على صوته المُستعاد بعد أن خسر المنصة التي تدرب أو تعودت الناس على سماعه منها. ولطالما صوته هو صوت الناس، فإن ميادين تمثيلهم وافرة ومفتوحة إذا ما توفرت إرادة تنظيمية لدى الحزب وأنصاره، في المساحات الاجتماعية الأهلية، مؤسسات المجتمع المدني، الجمعيات، النقابات، المدارس والجامعات، والسلطات المحلية مع الأخذ بمحاذيرها... وغيرها.

التعليقات