07/10/2022 - 16:28

عَضة "التأثير" بين الحقيقة والوهم

من لم يستطع التأثير في ظِلّ المشتركة، لن يستطيع ذلك بعد تفككها. كان إخراج التجمع من القائمة المشتركة بثلاثيتها، بمثابة عربون سياسي قدّمه كل من عودة والطيبي لمعسكر لبيد - غانتس، على طريق انتزاع تذكرة دخول نادي "التأثير".

عَضة

(Getty Images)

لم يبق من مشروع القائمة المشتركة، غير بعض من مفردات قاموسها، مثل "التأثير" و"الكرامة"، التي صارت عناوين عريضة وشعارات انتخابية لبعض الأحزاب العربية في الانتخابات المقبلة، فالقائمة الموحدة التي كانت قد طرحت في الانتخابات الأخيرة شعار؛ "صوت... مؤثر ومحافظ"، استبدلته في حملتها الحالية، بشعار؛ "أقرب إلى نبض الشارع" في محاولة منها للتمايز عن من استهواهُ اللحاق بركبها السياسي، ونقصد الجبهة والطيبي بشعار؛ "نؤثر بكرامة".

ليس التأثير نقيضا للكرامة بكل الأحوال، غير أن هذه الشعارات تقول عمّا فات، أكثر مما هي تُنبئ بالقادم من ممكنات الأحزاب وتطلّعاتها. في ظل القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة قبل ثلاث سنوات، كان شعار "التأثير" هو الشكل الذي اقترحت به المشتركة ذاتها على مجتمعنا، ممّا شكّل وعدا للناس، خرجوا إليه بنسبة تصويت اعتُبرت الأعلى في تاريخ نِسب التصويت لدى مجتمعنا العربي في العقود الأخيرة.

وبما أننا لم نؤثر، لا بل تأثرنا بوجوب دخول "بيت طاعة إسرائيل"، وتفككت المشتركة بلا رجعة، صارت مفردة "التأثير" تشترط الاستدراك عليها بمصطلح "الكرامة". لم تكن الكرامة مطروحة كشعار سابقا، غير أن إهدارها تحت طائل "التأثير" بين أقدام جنرالات معسكرات الدم الصهيونية، هو ما استوجب استحضار "الكرامة" كشعار مساند ومساعد على تلافي آفة "التأثير".

في مقابلة صحافية مع رئيس قائمة الجبهة - الطيبي قبل أيام، يقول أيمن عودة معرفّا من نافذة التأثير، الحالة الانتخابية - السياسية الحالية على أن هناك ثلاث قوائم عربية، الأولى، هي تلك التي تُريد أن "تؤثر وبلا كرامة"، ويقصد بها القائمة الموحدة -التي قررت خلع البنطال وحتى "البوكسر"-. والثانية، قائمة تريد أن تظل بـ"كرامة بدون تأثير"، والمقصود هو التجمع، وهذا شرف للتجمع، لأن في كرامته تأثيره. بينما القائمة الثالثة، هي تلك التي تريد "التأثير وبكرامة"، ويقصد عودة قائمته "الجبهة"، معتبرا إياها تيارا مركزيا تتوسط التيارين السابقين.

لدى صعايدة صعيد مصر قولٌ شائعٌ مفاده أنه "لا ينوي مَاسِك العصا من نصفها إقامة توازن، بقدر ما ينوي الرقص في الأعراس". كما لا تتضخم المفاهيم شعاراتيًّا، إلا إذا انحسر واقعها.

وعلى أي حال، من لم يستطع التأثير في ظِلّ المشتركة، لن يستطيع ذلك بعد تفككها. كان إخراج التجمع من القائمة المشتركة بثلاثيتها، بمثابة عربون سياسي قدّمه كل من عودة والطيبي لمعسكر لبيد - غانتس، على طريق انتزاع تذكرة دخول نادي "التأثير"، والكرامة معه ليست إلا إدعاءً.

بات "التأثير" خطابا يلتمس الأسرلة، أكثر مما هو شعار لمنعها، وهذا ما تثبته تجربة القائمة الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية) في كل يوم. أما الجبهة، فيجوز عليها تعبير الزعيم الكوبي فيدل كاسترو: "المشي في جنازة يعني أنك متوجه للمقبرة".

ماذا عن التجمّع؟

لا يقول التجمع الوطني الديمقراطي بإمكان "التأثير"، إلا بقدر ما يمكننا المثابرة على نضال سياسي من أجل التغيير عموما، فالأحزاب العربية -سواء كانت الموحدة أو الجبهة- تسعيان إلى تحسين شروطنا كعرب في ظل تسليمهما بيهودية الدولة والوضع القائم، بينما الخطاب الذي يطرحه التجمع منذ ولادته، وهو "دولة كل مواطنيها"، ليس شعارا انتخابيا، إنما هو برنامج عمل لا يرى بإمكانية التأثير، إلا بقدر ما يمكن نزع الصفة الكولونيالية عن دولة إسرائيل بوصفها دولة يهودية، ودفعها نحو أن تكون دولة لكل مواطنيها.

إن تسييس شريحة واسعة من أبناء مجتمعنا على هذا الخطاب إلى حد تعميمه، هو التأثير السياسي الحقيقي في العقدين الأخيرين، من موقعنا كأصحابٍ للأرض وأقلية قومية في ظل يهودية وكولونيالية الدولة العبرية، إذ استطاع خطاب التجمع التسلل إلى أروقة مراكز البحث والتفكير الإسرائيلية، كما طرق أبواب الجامعات والدوائر الأكاديمية فيها.

كان خطاب "دولة المواطنين" بمثابة محاولتنا التي لا بديل لنا عنها، إذ دفعت هذه المحاولة بجدية إلى قطع الطريق على تطابق يهودية الدولة وديمقراطيتها معا، نحو فضح تناقضهما، فما يقوله التجمع ببساطة هو التالي: لا يمكن تحسين شروط حياتنا كعرب في ظل إطار المواطَنة الإسرائيلية، طالما تعرّف إسرائيل نفسها كدولة لليهود، لأن في ذلك اسثناء مبدئيًّا لوجودنا، وتمكينا لصهيونية الدولة وكولونياليتها بكل ما يترتب على ذلك التمكين من احتلال واستيطان وتهويد، وتمييز وفوقية عِرقية على كامل التراب الفلسطيني.

ومن هنا، فإن "التأثير" غير وارد، ولا ممكن، إلا على طريق برنامج نضالي في مواجهة جوهر دولة إسرائيل. لا يوجد ما هو أكثر واقعية من مواجهة واقع إسرائيل، وهذا ما تثبته وقائع قضايانا اليومية في الداخل، والتي باتت تهدد مصيرنا، فالتسليم بالواقع ليس واقعية أبدا، إنما الواقعية هي في أخذ الواقع بعين الاعتبار، والنضال ضده من أجل تغييره. وكل محاولة للقول بإمكان التأثير من موقع التسليم بالواقع، هو شعار لا يدين ولا قدمين له البتة، وهذا ما ستثبته الأيام.

التعليقات