29/12/2022 - 17:42

الحكومة الجديدة والانقسام الإسرائيلي القادم

وجود الانقسام والمعارضة الإسرائيلية الداخلية ستعمق من المعارضة الدولية في المحافل الدولية، وربما تعيد إسرائيل إلى حالة العزلة الدولية التي كان للإجماع الداخلي الأثر الأكبر في تحريرها منها، كما أن تنامي المعارضة الدولية وتعاظمها سيدخل دوائر التطبيع في حرج.

الحكومة الجديدة والانقسام الإسرائيلي القادم

جلسة تنصيب الحكومة الجديدة (Getty Images)

للمرة الأولى تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية مثل هذا الانقسام السياسي الحاد وذلك منذ عهد حكومة رابين الثانية مطلع التسعينيات وتوقيع اتفاق أوسلو، الذي عمق الانقسام الحاد السائد في الساحة السياسية الإسرائيلية وأدخله في دوامة عنيفة انتهت إلى اغتيال رابين، وهي دوامة أغلقت بتراجع بيرس وفوز نتنياهو واندحار ما عرف بـ"معسكر السلام" و"انتصار" اليمين الاستيطاني وهيمنته على الساحة السياسية.

كان نتنياهو وما زال "بطل" هذه المرحلة فهو الذي وقف على الشرفة في مظاهرة اليمين الشهيرة في "ميدان صهيون" محرضا، عشية اغتيال رابين، وهو الذي أسقط وريثه شمعون بيرس في انتخابات 1996 وهو الذي طوى إيهود براك وفتت حزب العمل وقوض ما يسمى بـ"معسكر السلام" وألحق ذيوله في حكومات اليمين المتعاقبة، وهو الذي كرس حالة الإجماع الصهيوني القائم على تثبيت واقع الاحتلال والاستيطان والضم الزاحف وتحييد القضية الفلسطينية عن الأجندة السياسية.

إنها المرة الأولى منذ عقدين ونيف من الزمن التي تشهد فيها الساحة السياسية الإسرائيلية انقساما بهذا العمق، لا تقف القضية الفلسطينية في مركزه، بل هو يتمحور حول قضايا الدين والدولة والصراع على مظاهر الدولة الديمقراطية الليبرالية وحراسها المتمثلين بالقضاء والإعلام والأكاديميا وغيرها، وهو في الحقيقة صراع بين النخب القديمة ممثلة بالصهيونية العلمانية التي تسيطر على الدولة العميقة، وبين النخب الناشئة التي تقود المشروع الاستيطاني المتجدد والمتمثلة بـ"الصهيونية الدينية" والقاعدة البشرية العريضة التي تتشكل أساسا من الشرقيين والحريديين و"الحردليم" وكلها فئات لم تكن في صلب الصهيونية العلمانية التقليدية.

لذلك لا غرابة في أن يعنون أحد كتاب "هآرتس" مقاله بمسمى "حكومة معادية للصهيونية" وأن يسميها كاتب آخر حكومة "إخوان يهود" بينما يزعق ثالث على "خراب الهيكل الثالث"، كناية عن المحكمة العليا قبل أن ينضم الجميع لـ"البكاء على الدولة التي كانت" وهم يرون أن نصف مقاعد الحكومة القادمة يحتلها المتدينون من حريديين و"حردليم"، الذين قبضوا على عنق الليكود ونتنياهو باتفاقات ائتلافية وإجراءات قانونية عززت من هيمنة توجهاتهم الأيديولوجية في المفاصل الأساسية للدولة.

أما بالنسبة لنا كفلسطينيين فإن الحسنة الوحيد للحكومة القادمة، هي أنها قطعت حبل أوهام نسجه البعض هنا وهناك، وخاصة هنا عندنا من دعاة نهج "التغيير والتأثير" الذي قاد إلى الانحراف عن الطريق القويم والصراط المستقيم، الذي كان دائما يرى قضايانا الصغيرة من منظار قضيتنا الكبيرة، فلسطين الأرض والشعب والتاريخ والجغرافية السياسية، قضية لا يمكن المساومة عليها بفتات موائد السلطة أو السلطان.

هؤلاء أعادتهم هذه الحكومة إلى مكانهم الأول، وما عاد لهم ولنا إلا النضال عبر كل الساحات والميادين المتاحة لانتزاع حقوقنا اليومية والوطنية، وإن كانت مكونات الحكومة الراهنة أكثر فاشية وعداء للعرب والفلسطينيين، خاصة وهي تمسك بأدوات القمع الشرعية التي ستوجه ضدنا بدون شك.

ولكن ما يبعث في نفوسنا العزاء والاطمئنان هو أن حكومات إسرائيل السابقة، لم تدخر أي أسلوب إلا واستعملته ضدنا كفلسطينيين في أراضي الـ67 والـ48، حتى أن الحكومة المنصرفة التي كانت مدعومة من "العرب" بشكل مباشر وغير مباشر قد ضربت أرقاما قياسية في القتل والقمع والاستيطان في الضفة الغربية، وهدم البيوت ومصادرة الأرض في النقب وإطلاق يد الجريمة في الداخل، أي أنها لم تترك الكثير لبن غفير وسموتريتش.

أما العامل الأهم فهو أن انقسام المجتمع الإسرائيلي، حتى لو لم تكن القضية الفلسطينية في مركزه، هو لصالحنا لأنه يسهل علينا الدخول من فتحات الانقسام وإيجاد حلفاء سياسيين، كما أنه يخلق ديناميكية وحركة جماهيرية وبرلمانية داخلية وتشكيل معارضة ضاغطة على الحكومة ومانعة ومعيقة للكثير من مخططاتها العدوانية.

وبدون شك، فإن وجود الانقسام والمعارضة الإسرائيلية الداخلية ستعمق من المعارضة الدولية في المحافل الأممية وفي أميركا وأوروبا بشكل خاص، وربما تعيد إسرائيل إلى حالة العزلة الدولية التي كان للإجماع الداخلي الأثر الأكبر في تحريرها منها، كما أن تنامي المعارضة الدولية وتعاظمها سيدخل دوائر ودول التطبيع العربية في حرج كبير أو أنها ستكون راغبة في اللحاق بمراكز القرار التي تتبع لها في أوروبا وأميركا.

التعليقات