29/01/2023 - 15:12

"حكم بالموت على انتحاري": سكرة القوة... حدود القوة

ما يهم إسرائيل منذ عامين هو "فصل الساحات"، أي فصل الضفة عن القدس وعن غزة وعن الداخل، والاستفراد في كل "ساحة" بمعزل عن الأخرى، وذلك في أعقاب أحداث أيار/ مايو 2021، التي بدأت في الشيخ جراح والقدس.

نتنياهو وبن غفير (Getty Images)

أخبار بنيامين نتنياهو هذه الأيام ليست بخير إطلاقًا. فهو أسير متطرفي حكومته وشركائه أمثال بن غفير وسموتريتش، بعدما انفجر الواقع بوجهه في الأيام الأخيرة فيما يتحدث عن سلام وتطبيع مع السعودية؛ وهو المعروف بأنه لا يحب المجازفة بمغامرات عسكرية، ويخشى من خروج الأوضاع عن السيطرة. فهو لا يريد تكرار "أحداث النفق" أيام حكومته الأولى في العام 1996، ولا يريد "حارس أسوار 2" كما يسعى إليه بن غفير، وتفجر الأوضاع في القدس والأقصى وفي الداخل.

صحيح أن التصعيد في الأيام الأخيرة منذ اقتحام مخيم جنين وقتل الفلسطينيين قد منحه فرصة لفرض أجنداته، وحرف الأنظار عن المظاهرات الضحمة ضده في تل أبيب ومدن أخرى، إلا أن الوضع في "الساحة الفلسطينية" ينذر بتدهور أمني حقيقي لا يمكن توقع مداه أو نتائجه، لأن العمليات الفردية وتحديدًا في القدس والداخل تقلق الأجهزة الأمنية أكثر من مواجهة مع فصائل غزة، أو اقتحام مخيمات في الضفة. وتسليح الإسرائيليين لا يعني خلق ردع أمام الفلسطينيين، بل بالعكس، قد يكون أثره بمزيد من الإعدامات الميدانية لمجرد اشتباه بأي شخص، وما قد يعقب ذلك من ردات فعل شعبية أو فردية تزيد من فقدان السيطرة.

تريد إسرائيل بحكومتها الحالية أو السابقة تصعيدا من طرف واحد أو تصعيدا يمكن احتوائه وضبطه، أي اقتحامات واغتيالات دون رد فلسطيني، وقد أطلقت منذ نحو 8 أشهر عملية عسكرية في الضفة سمتها "كاسر الأمواج" بعد عدة عمليات مسلحة في الداخل. والعملية العسكرية هذه مستمرة بوتيرة يومية في شمالي الضفة تحديدًا، لينتهي العام الماضي بنحو 146 شهيدًا.

وما يهم إسرائيل منذ عامين هو "فصل الساحات"، أي فصل الضفة عن القدس وعن غزة وعن الداخل، والاستفراد في كل "ساحة" بمعزل عن الأخرى، وذلك في أعقاب أحداث أيار/ مايو 2021، التي بدأت في الشيخ جراح والقدس واتسعت إلى قطاع غزة وإلى الداخل، وانتهت بردع متبادل بين إسرائيل وفصائل غزة.

باتت اليوم عوامل التصعيد ذاتية إسرائيليًا، ففي حكومة نتنياهو وزراء يريدون التصعيد من أجل التصعيد، فجاء تسلل بن غفير لباحات المسجد الأقصى قبل أسابيع، وقتل فلسطينيين في الضفة بوتيرة يومية في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى الإعلان عن خطط استيطانية في المناطق "جـ" بموازاة خطة لتكثيف عمليات الهدم لمنازل فلسطينيين في المنطقة ذاتها، ومصادرة أموال السلطة الفلسطينية والتحريض عليها والاستهتار بها لأنها "لا تقوم بدورها الأمني المطلوب"، واستفزاز عمّان وإلخ... فيما تعوّل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على دور مصري وأردني في منع التصعيد في القدس والضفة وغزة عشية شهر رمضان القريب.

في إسرائيل هذه الأيام سباق تطرف مجنون، داخل الحكومة وخارجها، وفي وسائل الإعلام، حتى بات شخص مثل أرييه درعي يوصف بـ"المتعقل" و"المتزن" ليستدعيه نتنياهو، أمس السبت، لجلسة الكابينيت الأمني رغم أنه لم يعد وزيرًا، وفسر ذلك محللون بأن نتنياهو يريده أن يكون طرفًا متزنا أمام تطرف بن غفير وسموتريتش.

لقد سكر يمين نتنياهو سكرة القوة بعد حسم الانتخابات الأخيرة، وبدت له الطريق معبدة لتنفيذ خططه دون عائق، لكن عمليتي القدس الأخيرتين أوضحتا حدود القوة، حدود القوة أمام الفلسطينيين، فالقتل اليومي والعقاب الجماعي ثبت مرارا أنه لم يردع الفلسطينيين، بل زاد من جرأتهم على التحدي، ليصبح "الحل السحري" لدى بن غفير أمام هذا الواقع هو تشريع قانون "إعدام الإرهابيين"، الذي وصفته صحافية إسرائيلية ساخرة منه، بأنه بمثابة "حكم بالموت على انتحاري".

توقع بن غفير قبل أيام حدوث "حارس الأسوار 2" قريبًا على غرار 2021، وبدا أنه معني بذلك، لكن ثبت له في الأيام الأخيرة بأنه "يلعب بالنار" وأن الثمن باهظ، فحدود اللعبة مفتوحة وغير متوقعة، خلافا لحدود القوة أو "حكم بالموت على انتحاري".

التعليقات