27/04/2023 - 18:08

إسرائيل بين عقدة العقد الثامن والأزمة الداخلية

إسرائيل تعمق الفجوة القائمة في النمو بينها وبين الدول الغنية التي تداعب حلم مواطنيها الأكثر ثقافة، هذا في وقت تشير التوقعات إلى أن الحريديين والعرب سيشكلون نصف طلاب المرحلة الابتدائية تقريبا في عام 2026.

إسرائيل بين عقدة العقد الثامن والأزمة الداخلية

(Getty Images)

في وقت تغلق فيه إسرائيل سنتها الـ75 وهي تكتب بلسان أحد أبرز جنرالاتها ورئيس حكومتها السابق، إيهود باراك، قصة نجاح فريدة من نوعها تجاوزت خلالها سبع حروب وانتفاضتين والعديد من العمليات العسكرية، وهي الدولة الأقوى عسكريًا وإستراتيجيًا وتكنولوجيًا في الشرق الأوسط، كما يقول، ضاعفت عدد سكانها منذ قيامها بـ14 مرة وزادت ناتجها القومي بـ70 مرة. ولكن بالرغم من "العظمة" التي تتمتع بها إسرائيل وفق ما يزعم باراك، فإنه يدعو إلى عدم الاستهتار بالأخطار التي تتهددها وخاصة من إيران و"حزب الله" و"حماس"، مشيرا إلى أن الشرق الأوسط يبقى بيئة صعبة وخطرة بطبعه، لا مكان فيه للضعفاء، ولا نجاة لمن لا يعرف كيف يدافع عن نفسه.

إلا أن ما يقلق باراك وغيره في الآونة الأخيرة بشكل خاص، هي الأزمة الداخلية غير المسبوقة التي تعصف بإسرائيل والتي يعتبرها بمثابة ثورة مضادة لمنجزات الصهيونية، تهدد بالعودة إلى الخلف، إلى صيرورة المنفى بصيغة قومجية متزمتة وظلامية؛ وهو ليس الوحيد الذي يرى في الأزمة الداخلية أكثر خطورة على إسرائيل من الأعداء الخارجيين.

وبغض النظر عن عقدة العقد الثامن التي تسكن عقول العديد من الإسرائيليين، وتكمن في عدم تجاوز "الدولتين اليهوديتين" السابقتين فترة الثمانين عاما، فإن نظرية انهيار معظم الإمبراطوريات والدول القوية من الداخل تغذي مثل هذه التخوفات أيضا، ولعل في تجربة انهيار الاتحاد السوفييتي الأخيرة أكبر برهان على ذلك.

ويحذر الخبير في الانتعاش الاقتصادي، بروفيسور دان بن دافيد، الذي يعرف جيدا الظروف التي تنمو فيها الدول وتزدهر أو تذبل وتنهار، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" من هذا المصير، ويقول إن هناك 290 ألف إنسان "يمسكون" الدولة، أطباء، وأعضاء السلك الأكاديمي، ورجال الهايتك، وأن كل ما هو مطلوب لخراب إسرائيل هو أن يقوم عشرات الآلاف منهم ويغادرونها.

وإذا ما تم دفع هذه المجموعة أكثر من حدود تحملها، كما يقول، فإن الكثير منها سيشغلون كرسي النجاة، و"لن يكون بمقدورنا سوى النظر إليهم وهم يهبطون بمظلاتهم الذهبية في مكان آخر، في وقت تتجه في الطائرة نحو التحطم".

وبرأيه فإن هؤلاء (الـ 290 ألفا) يتشكلون من العديد من الدوائر الثانوية، تشكل كل مغادرة جماعية في أي منها خطرا، وهو يشير، على سبيل المثال، إلى أن عدد الاختصاصيين في مجال "الحساسية" المسجلين في سجل الأطباء الإسرائيلي هو 152 مختصا فقط، ولنتخيل أي ضربة ستحل بإسرائيل لو أن نصفهم فتشوا على مستقبل أفضل في مكان آخر.

ويضيف بن دافيد أن العنقودين التاسع والعاشر يدفعون 92% من مجموع الضريبة التي تجبيها إسرائيل وهؤلاء ليسوا مليونيرات بالضرورة، إذ أن معدل دخل المعيل في العشر التاسع يبلغ 19 ألف شيكل، وهم يرون بأنفسهم طبقة وسطى ولكن أحيانا لا يستصعبون إكمال الشهر بينما يقع على أكتافهم كل الحمل.

أما المثال الأكثر شبها وقربا لإسرائيل، والذي يسوقه الباحث الإسرائيلي بن دافيد، فهو لبنان، ويشير إلى أن التوازن الديمغرافي هناك كان قد اختل، حيث اعتبرت بيروت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات بمثابة باريس الشرق الأوسط، ودرة تاج العالم العربي، لكن المسيحيين الذين كانوا الأكثر ثقافة غادروا لبنان واليوم الدولة موجودة في حالة سقوط حر.

هكذا هي فنزويلا، بلغاريا، روسيا، هنغاريا وأوكرانيا أيضا، كما يقول، ولكنها ستنجو بعكس إسرائيل، لأن الأخيرة شوكة في جنب الشرق الأوسط، في المنطقة الأكثر عنفا على وجه الكرة الأرضية وإذا لم تدافع عن نفسها فتلك ستكون نهايتها.

كذلك فإن إسرائيل تعمق الفجوة القائمة في النمو بينها وبين الدول الغنية التي تداعب حلم مواطنيها الأكثر ثقافة، هذا في وقت تشير التوقعات إلى أن الحريديين والعرب سيشكلون نصف طلاب المرحلة الابتدائية تقريبا في عام 2026، ما يعني، كما يقول بن دافيد، أن نصف طلاب إسرائيل سيتلقون ثقافة عالم ثالث وينتمون لمجموعات سكانية سريعة النمو، وهذا يقول إنه عندما يكبر هؤلاء ويتحولوا إلى أغلبية، فإنهم لن يستطيعوا الإمساك باقتصاد عالم أول.

التعليقات