15/05/2023 - 18:03

مبروك للأتراك... cok tebrikler

هنالك فارق بين الديمقراطية التركية وديمقراطيات أخرى أكثر رسوخًا، خصوصًا في مجال حرية التعبير والصحافة، وهنالك مآخذ على الصلاحيات الواسعة للرئيس، إلا أنّها تبقى في حيّز الملعب الديمقراطي، أي أنَّ هنالك معارضة حقيقية منظّمة لها أحزابها إعلامها.

مبروك للأتراك... cok tebrikler

(Getty Images)

لا يسعنا نحن العرب الذين نراقب ما يجري في تركيا، سوى القول "هنيئًا للشعب التركي"، بغضِّ النظر عن نتائج الانتخابات، ومن سيفوز بها في الجولة الثانية، فما رأيناه ورآه العالم، هو عرس حقيقي للديمقراطية.

كانت وما زالت كل الاحتمالات مفتوحة، أن يخسر الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان، وأن يصبح كلتشيدار أوغلو رئيسًا لتركيا، من غير أية عوائق.

لم تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، والآن يستعد الطرفان للمنازلة في جولة ثانية للحسم الديمقراطي.

وإذا كان مرشّح المعارضة كلتشيدار أوغلو الذي يكاد يطيح بإردوغان يقول "لقد اشتقنا إلى الديمقراطية"، فنحن كعرب، نقول إننا نحلم بنظام عربي يتيح منافسة حقيقية على السُّلطة، من غير إراقة دماء، ومن دون وصم كل معارض بالإرهاب وزجّه في السجن أو دفعه إلى الهرب للنجاة بجلده أو حتى إعدامه.

مُحزن جدًا ومخجل، أن تكون قضية اللاجئين العرب السوريين قضية أساسية في الانتخابات التركية، تحت شعار التهديد بطردهم الفوري من تركيا، كما تطالب المعارضة التركية، إذ تتهمهم بتردّي الوضع الاقتصادي للأتراك وغيرها من تهم ظالمة، أو السّماح لهم بالبقاء في تركيا، وإعادتهم إلى بلدهم بشروط وبصورة سلسة.

نعم هنالك فارق بين الديمقراطية التركية وديمقراطيات أخرى أكثر رسوخًا، خصوصًا في مجال حرية التعبير والصحافة، وهنالك مآخذ على الصلاحيات الواسعة للرئيس، إلا أنّها تبقى في حيّز الملعب الديمقراطي، أي أنَّ هنالك معارضة حقيقية منظّمة لها أحزابها وصحفها وإعلامها ومكاتبها ومراكزها، وقدرتها على الوصول إلى السُّلطة المحلية والمركزية، وعلى معارضة قرارات الرئيس والحزب الحاكم من خلال ضمانات دستورية تتيح الطعن عن طريق القضاء بأي قرار رئاسي، وتتيح طرح بدائل من خلال القضاء والسّعي الحقيقي لأجل الوصول إلى الحكم، ووجود الأمل بتغيير سلمي للسلطة حقيقة، وليس كمعارضة شكلية لتسويغ دكتاتورية الرئيس وتلطيف بطشه أمام العالم.

هذا يعني أن لصندوق الاقتراع قيمته وهو الأداة للتغيير والوصول إلى السلطة.

في العام 2016 جرت محاولة انقلاب على إردوغان ولكنها فشلت بفضل الشّعب، وبفضل القوات المسلحة التي انحازت إلى الرئيس المنتخب، ولم تُغرق البلاد في حمام دماء، ويعود هذا بفضل تغييرات في الدستور التركي أجراها إردوغان وحزبه بدعم أحزاب أخرى من المعارضة وضعت الجيش وقادته تحت السُّلطة المدنية، بعدما كان الجيش منذ عقود طويلة فوق هذه السّلطة ويتدخل لتغيير النظام من خلال الانقلاب على السلطة المدنية.

في الدول العربية، لا يوجد أي بصيص أمل لحزب معارض في إمكانية تغيير النظام عن طريق صندوق الانتخاب، كانت هناك شذرات أمل بعد الربيع العربي، ولكن المشكلة أن من يصل السُّلطة، لا يلبث أن يسن قوانين تجرّم المعارضة وتسمح له بالاستمرار لدورتين وثلاث ثم لأربع ثم كدكتاتور إلى مدى الحياة، فلا يبقى أمام الشعب سوى الرضوخ المؤبّد وانتظار فرصة لاقتلاعه بالقوة أو انقلاب رفاقه عليه. أما الجريمة الكبرى، فكانت في انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المدني المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الدكتور محمد مرسي.

عندما انطلقت شرارة الربيع العربي أواخر 2010 من تونس كان كلُّ واحد من الحكّام العرب الجمهوري والملكي على حد سواء، قد قضى ثلاثة عقود وأكثر في الحكم، وبعضهم تجاوز الأربعة أو اقترب منها - إما هو لوحده وإما هو ووالده، وأكثرهم سعى لتوريث الحكم لابنه، أي أنّها كلها تحوّلت إلى حكم فردي مُطلق.

انتفضت الشعوب العربية وبحقّ، لأنه لم تكن لديها وسائل أخرى غير الانتفاض، وحدث ما حدث من تدخلات أجنبية، لم يكن لها هدف سوى قمع حركة الشعوب العربية وإعادتها إلى طاعة أنظمة الظلام.

مثيرٌ للاشمئزاز ما يصرّح به بين حين وآخر بعض المثقفين العرب وخصوصًا الفلسطينيين، فيتحدّثون عن الرّبيع العربي بمنطق ولسان الأنظمة الدموية، ويحقّرون محاولة الشعوب لنيل حريتّها، ويشيطنونها.

أسوأ من هذا عندما ترسّخ هذه الأنظمة الدموية بواسطة هؤلاء "المثقّفين" في وعي الجماهير مقولة إن "الديمقراطية لا تصلح للعرب"، فيضعون أعرق شعوب الأرض وأصحاب الحضارات الأولى على الأرض، خارج التاريخ البشري برمّته كي يحلّلوا بطشهم وقذارتهم.

هنيئا لتركيا بديمقراطيتها، لمن في السّلطة ولمعارضيها، ولا يسعنا كعرب سوى أن نحلم في يوم من الأيام بأن تجري عندنا انتخابات تنافسية واستبيانات رأي وفائز بنسبة 53% مثلا، وتسليم السلطة بسلاسة وعدم الانقلاب عليها.

التعليقات