26/06/2023 - 19:22

العنصرية بلا روح رياضية...

رئيس الدولة هنأ الفريق العربي، ولصالح رؤيته التي ترى في "عرب إسرائيل" شركاء في بعض الإنجازات، وهناك الجانب المتطرّف الذي يخشى من مجرد ظهورهم حتى ولو كانوا يحققون إنجازات رياضية باسم إسرائيل. 

العنصرية بلا روح رياضية...

الهتافات العنصرية ضد الفرق الرياضية في مدرجات الملاعب "مفهومة"، رغم أنّها عمل خاطئ من أساسه، ولكنها تعكس الأجواء العنصرية العامة والمزاج الشعبي، وخصوصًا في كرة القدم، فجماهير الكرة العنصرية منتشرة على صعيد العالم، وقد توجَّه الهتافات والشتائم ضد أبناء الشعب الواحد بين الفرق المتنافسة، وتبقى في نطاق ممكن تفهمه.

حتى عندما يهتف عنصريون ضد فرق عربية في المدرجات في إسرائيل، فهذا أيضًا يمكن تفهُّمه.

تتجاوز العنصرية نفسها عندما يهتف أنصار فريق ما ضد لاعب في صفوف فريقهم المحبوب لمجرد كونه عربيًا، ومن شدة حقدهم يفضلون خسارة المباراة على أن يكون النصر من قدمي لاعب عربي، فهم لا يشعرون بلذة الفوز إذا كان السَّبب عربيًا، فالفوز يعني لهم الفريق اليهودي الطاهر، ويعني التفوق والقوة والذكاء وإلخ على الآخر، ويتحول النصر إلى هزيمة إذا كان متمثلا في لاعب عربي، لأنّه يعني أن العربي قوي وماهر وذكي، وهذا ينتقص جدا من قيمة النصر.

الأغرب في العنصرية هو أن توجّه ضد لاعبين عرب في المنتخب الإسرائيلي، سواء إن في كرة القدم الكبار أو الشبيبة أو غيرها من الرياضات، علمًا أنّ رمزية وجود عرب في منتخبات إسرائيل تخدم وبسهولة المصلحة الإعلامية لدولة إسرائيل، ويمكن لها أن تظهر كإنجاز لديمقراطيتها في الوقت الذي يسعى البعض إلى مقاطعة إسرائيل بسبب ممارساتها كدولة احتلال.

لا يتقبل العنصريون أي إنجاز حتى ولو كان لصالح دولتهم إذا أتى من عرب.

من جهة أخرى وبصراحة ووضوح، فإن اللاعبين العرب الذين يمثلون إسرائيل إلى جانب اللاعبين اليهود، ليس لديهم الشعور القومي الذي يشعر به اللاعب اليهودي تجاه دولته، وهذا طبيعي لسبب بسيط، هو أن الدّولة تتعامل معهم باستعلاء وحتى كأعداء، وهذا يدركه معظم اللاعبين العرب، ولكنّهم في الوقت ذاته يسعون إلى تحقيق ذواتهم وطموحاتهم من خلال المنتخب أو فرق الدرجات العليا في الدوري الإسرائيلي.

في المحصّلة هي خدمة متبادلة وتفاهم غير معلن بين الدّولة واللاعبين العرب، يستغل المنتخب الإسرائيلي أي موهبة قادرة على تحقيق نجاحات رياضية أوّلا، ثم تُجيَّر هذه المشاركة إلى صالح السياسة.

في المقابل يحقق اللاعب العربي شهرة ويجد أن لعبه في المنتخب، يشق له الطريق إلى الفرق الأوروبية والعالمية.

صار اللعب في المنتخب والفرق العليا تحديًا، فالجمهور العربي لا يحب الفريق كله، ولكنّه يشجع الجزء الذي يخصّه وهو اللاعب العربي فيه، وما دام الفريق يتقبّل العرب في صفوفه على قدم المساواة فهو يستحق التشجيع. وممكن للجمهور العربي أن يفرح لفريق ما فقط عندما يكون العربي فيه مميّزا، في السنوات الأخيرة أضيف إلى جمهور ليفربول ملايين العرب بسبب محمد صلاح.

كان فوز فريق فلفلة لكرة الشاطئ من كفر قاسم مصدر فخر واعتزاز للمواطنين العرب الفلسطينيين، وهو فوز لا يمكن تجاهله لا من السلطة ولا من العرب أنفسهم، فهذه بطولة أوروبا وليست بطولة حارة.

أظهر هذا الفوز قدرات على مستوى أوروبي لدى الرياضيين العرب أبناء كفر قاسم، وأنّه رغم العوائق والتحديات والعنصرية يحقق العرب أنفسهم وطموحاتهم من خلال مختلف الرياضات والفنون.

رئيس الدولة هنأ الفريق العربي، ولصالح رؤيته التي ترى في "عرب إسرائيل" شركاء في بعض الإنجازات، وهناك الجانب المتطرّف الذي يخشى من مجرد ظهورهم حتى ولو كانوا يحققون إنجازات رياضية باسم إسرائيل.

الرّياضة فنٌ من الفنون ولا يمكن عزلها عن السياسة وما يدور من حولها.

العنصرية تكرّس العداء بين الشعوب وتوسّع الهوّة بين الثقافات، تخفي الجميل في الآخر وتبرز سلبياته ونواقصه، وتبخسه إنجازاته ولا تقدِّرُها، تنفخ في صاحبها في كثير من الأحيان ما ليس فيه، تضخيم للذات مقابل التبخيس من الآخرين.

العنصرية في الأساس مرض وشعور بالنّقص يحاول العنصري أن يعوّضه من خلال الانتقاص من الآخر وقيمته، في وهم بأنّه كلما خفض من قيمة الآخر ارتفعت قيمته.

العنصرية بناء هش مهما أظهر من قوة، لأن طريق العنصرية مسدود، فكل ما هو غير إنساني لا بد وأن يفشل ليبقى ما ينفع الناس، والعنصرية لا تنفع الناس، وقد تدمِّر مجتمعات ودول.

تصاعد العنصرية وتطرفها ممكن أن تدفع الرياضة العربية والرياضيين إلى البحث عن بدائل يبرزون مواهبهم ويحققون طموحاتهم من خلالها.

كل عام وشعبنا والرياضيون والفنانون وكل شرائح مجتمعنا بألف خير.

التعليقات