13/08/2023 - 15:37

لاعب جديد في الانتخابات البلدية

النسبة المتناقضة عند العرب تشير إلى أن المصلحة الشخصية المباشرة في البلدات العربية تحرّك الناس للوصول إلى صناديق الاقتراع، أكثر من المصلحة الواسعة أو بعيدة المدى، إضافة إلى قناعة نسبة معيَّنة من الناس بعدم جدوى دخول البرلمان، ولكن أكثرهؤلاء يتنازل

لاعب جديد في الانتخابات البلدية

(Getty images)

من المقرَّر أن تجري انتخابات السُّلطات المحلية في أواخر أكتوبر تشرين الأول القادم في معظم القرى والمدن في إسرائيل، بما في ذلك معظم القرى والمدن العربية.

ترتفع نسبة التصويت في المجالس البلدية العربية لتتجاوز نسبة الـ80%، وتصل في بعض بلداتنا إلى 95%، فهل هذه إشارة إلى حماس للعمل السّياسي وانتخاب ممثلين يليقون بقناعتنا لتحقيق المصالح العامة؟ لا أبدًا، فنسبة التَّصويت في الانتخابات البرلمانية لا تصل إلى 60% والتي تعتبر أهم وأخطر بالنِّسبة للسياسة العامة، وهذا عكس ما يجري في الوسط اليهودي إذ ترتفع نسبة التصويت البرلماني وتقترب من 70% وهذه النسبة ترتفع في المستوطنات الصغيرة سواء كانت في التعاونيات أو في المستوطنات الدينية والقومية الدينية لتتجاوز في بعضها الـ90%، وتنخفض في البلديات إذ لا تتجاوز الخمسين بالمئة، في أكثر البلديات وخصوصًا في مدن كبيرة مثل تل أبيب ونتانيا وهرتسليا إذ لا تصل أحيانًا إلى 40%، وذلك لعدم وجود فوارق كبيرة في الخدمات البلدية، سواء كانت السُّلطة بيد الحزب الحاكم أو المعارض أو بيد رئيس مستقل، كذلك لأن يوم الانتخابات البلدية لم يكن يوم عطلة مدفوعة الأجر.

النسبة المتناقضة عند العرب تشير إلى أن المصلحة الشخصية المباشرة في البلدات العربية تحرّك الناس للوصول إلى صناديق الاقتراع، أكثر من المصلحة الواسعة أو بعيدة المدى، إضافة إلى قناعة نسبة معيَّنة من الناس بعدم جدوى دخول البرلمان، ولكن أكثرهؤلاء يتنازل عن هذه النظرية ويتجاهلها في الانتخابات المحليّة، علمًا أن المجالس تابعة لوزارة الداخلية والرئيس موظف لدى الداخلية.

أكثر المجالس العربية البلدية تأسَّست في الستينات من القرن الماضي، وكان الأعضاء هم الذين ينتخبون الرئيس، وكانت نتائج الانتخابات متوقّعة بصورة عامة، ونادرًا ما تحدث مفاجآت، مثل نجاح قائمة وسقوط أخرى، قد يكون بفارق بضعة أصوات.

حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي لم تكن أحزاب سياسية ممثّلة في أكثر البلديات والمجالس العربية فجميع القوائم عائلية، باستثناءات نادرة مثل الناصرة وربما كفر ياسيف، فإما كانت قوائم عائلية باسم أحزاب السُّلطة وحرفها مثل حزب العمل، أو عائلية تُنشئ لها حرفًا خاصًا بها، يرافق العائلة لسنوات طويلة ما دامت قادرة على الاستمرار في العضوية.

اتسعت البلدات العربية، والقرية التي كان عدد سكانها ألفا وخمسمئة نسمة، بات عشرين ألف نسمة، وصار للأحزاب السياسية دورٌ ملموس في الانتخابات المحلية، وخصوصًا بعد التغيير الذي حصل في الناصرة والذي تلاه يوم الأرض عام 1976 وسيطرة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على كثير من السلطات المحلية.

إلا أنَّه وبعد صعود الحياة الحزبية ابتداء من السبعينيات حتى أواخر القرن الماضي، حصل تراجع عالمي أثّر محليًا على الأحزاب التي تراجعت لصالح العائلية، فعادت العائلة لتأخذ مكان الحزب بقوَّة في أماكن كثيرة، بل وصارت العائلات تجري انتخابات برايمرز لانتخاب مرشّح، كي يكون ترشيحه ديمقراطيًا.

تتحمّل الأحزاب مسؤولية في تراجع الحياة الحزبية في الانتخابات المحلية، فكي تضمن الأحزاب دخولها المجالس وحتى المنافسة على الرئاسة، تحالفت مع مرشحين عائليين، وبين ليلة وضحاها تصبح أكثرية عائلة المرشح مؤيدة لهذا الحزب أو ذاك، ولكن هذا يفقد الحزب شرعيته لدى الكتلة العائلية الأخرى المنافسة، وهذه تحالفات غير مستقرة لأنها غير مؤسسة على الثابت المبدئي بل على مصلحة متبادلة، وقد تنقلب التحالفات بليلة وضحاها فيتحوَّل الأحمر إلى أخضر أو إلى برتقالي والعكس صحيح.

تحالفات الأحزاب مع العائلية قلّصت الفارق الجوهري بين مرشح الحزب ومرشح العائلة، الأمر الذي لعب لصالح مرشحي العائلات، لأن ابن العائلة أقرب بطبيعة الحال من أبناء عائلته، ويشاركهم في مناسباتهم الاجتماعية، ولهذا نجد أكثرهم يتبع مرشح العائلة باستثناء الحزبيين الملتزمين.

تواجه الأحزاب السياسية تحدّيًا كبيرًا في الانتخابات المحلية، فالأحزاب التي تحصل على آلاف الأصوات في الكنيست في كل بلدة، تحاول أن تستخلص بضع مئات من الأصوات لضمان تمثيلها في العضوية لمجلس محلي أو بلدية.

الآن طرأ على السَّاحة لاعب جديد في الانتخابات المحلية، غير مرئي مباشرة، وهو دخول عصابات الجريمة على خط الانتخابات المحلية، والتي بات نفوذها واسعًا وعميقًا وخصوصًا في مناقصات البلديات والمجالس، إلى درجة أن بعض الرؤساء ولجان المناقصات لا يجرؤون على اختيار المناقصة الأفضل، بل يُرغمون على قبول المناقصة التي تفرضها هذه العصابات، الأمر الذي أفقد السُّلطة المحلية هيبتها ومصداقيتها وشلَّ دورها الذي بات مشوّهًا وغير حقيقي، وجعل كثيرين من الناس بما في ذلك أعضاء مجالس يشعرون بالإحباط والعجز من إمكانية التأثير والتغيير واختيار الأفضل وحتى الجلوس جانبًا غير آبهين لما يجري في بلدانهم.

التعليقات