18/09/2023 - 16:44

بؤس الانتخابات المحلّيّة

الكثير من الأعمال في بلداتنا تمتدّ لأشهر وحتّى لسنوات، دون أن تنتهي، ويعاد العمل فيها أكثر من مرّة، وهذا يؤدّي إلى خسائر كبيرة، أوّلًا في تكاليف المشروع المباشرة نفسها الّتي تتضاعف، وثانيًا تضرّر المصالح التجاريّة

بؤس الانتخابات المحلّيّة

تعبيريّة

يفصلنا شهر وبضعة أيّام عن انتخابات السلطات المحلّيّة.

الجمهور العربيّ يهتمّ وينتظرها أكثر بكثير من الانتخابات البرلمانيّة، حيث ينشط المرشّحون ومناصروهم في زيارات بيتيّة لإقناع الناس في التصويت لهم.

تمتاز الانتخابات المحلّيّة في مجتمعنا بأنّها انتخابات المشغل الأكبر للناس في قرانا ومدننا، وتمتاز الدعاية الانتخابيّة في معظمها بوعود من تحت الطاولة وأحيانًا من فوقها بالتوظيفات.

في بعض البلدات العربيّة يجري فصل عمّال وموظّفين على خلفيّة انتخابيّة أو عرقلة تقدّم موظّف أو عامل نتيجة لميوله انتخابيّة، فيعاقب من خلال العمل والوظيفة، وكثيرًا ما وصلت قضايا كهذه إلى قاعات المحاكم، وهذا يؤدّي إلى عداوات، وإلى شلل في القسم المسؤول عنه هذا الموظّف.

عمليّات كسب الكثير من الأصوات تجري من خلال توزيع الوظائف والأعمال، إلّا أنّ بعض الرؤساء، وكي يضمن أصواتًا أكثر يقسّم الوظيفة الواحدة إلى اثنتين أو ثلاث وظائف بنسبة ثلث وظيفة، وهكذا يسترضي ثلاث موظّفات أو موظّفين وأسرهم، ويعد كلًّا منهم بأنّه سوف يتقدّم في الوظيفة مستقبلًا بعد فوزه.

هذا جعل من الوعود الانتخابيّة أمرًا ضروريًّا للفوز وتحوّل الناخب إلى بائع للأصوات (هات وخذ)، تريد منّا ونريد منك، علمًا أنّ هذا ليس قانونيًّا، ويعتبر رشوة انتخابيّة، ويتعارض مع نزاهة الانتخابات، ولكن من يلتفت إلى مثل هذه الأمور، عندما يكون الجميع غارقًا في هذه العمليّة.

دفع الأموال من تحت الطاولة لشراء الأصوات ظاهرة موجودة، ولا يستطيع أحد إنكارها والدليل وجود مجموعات من الأصوات قابلة للتحوّل من طرف إلى آخر في الليلة الأخيرة قبل الانتخابات.

سؤال في المنطق: إذا كان بعض المرشّحين يخسر أموالًا طائلة قد تصل إلى ملايين الشواقل لأجل الوصول إلى كرسيّ السلطة المحلّيّة، فمن أين سيعوّض هذه الخسائر! هل تستطيعون التخمين؟

طبعًا حزرتم، سوف يستعيد المرشّح خسائره من المقاولين، وإلّا فما الّذي يدفعه إلى خسارة مئات آلاف الشواقل للانتخابات؟

إلّا أنّ بعضهم لا يملك مالًا يكفي لشراء الأصوات، فيقترض من بعض الداعمين له من أصحاب الأعمال إمّا مباشرة، أو من خلال بعض أنصاره ذوي النفوذ، وبهذا يصبح مدينًا لهم وملزمًا بمنحهم الأعمال التابعة للبلديّة، وهؤلاء يستغلّون حصولهم على الأعمال بمناقصات شكليّة، ويفرضون الأسعار الّتي يريدونها. وهكذا فإنّ المشروع الّذي يكلّف مليون شيكل سوف يكلّف ثلاثة ملايين شيكل، والجهاز الّذي ثمنه 2000 شيكل سوف يصبح ثمنه 6000 شيكل؛ لأنّه لا يوجد مناقصات للشراء، ولا توجد رقابة كذلك، وكم من الأجهزة اقتنيت بغير حاجتها ولا هي بالمواصفات المطلوبة، فلم تصلح وكان مصيرها الخردة، طبعًا هذا على حساب ميزانيّات يفترض أنّها ملك للمواطنين الّذين يدفعون الضرائب للبلديّات وللحكومة، والمفروض أن يحصلوا من خلالها على أفضل الخدمات المتاحة كمواطنين وبدون جميل أو منّة من أحد، وأن تبنى مؤسّسات ومرافق لأبنائهم بهذه الأموال، لا أن تتلاشى في الطريق.

عندما يصبح الأمر في التوظيفات وتنفيذ الأعمال مبنيًّا على الولاء للرئيس يفقد المصداقيّة، بمعنى أنّ الوظيفة لا يستلمها الأفضل، بل الأقرب حتّى ولو كان أقلّ المتقدّمين كفاءة للوظيفة أو للمشروع، وإذا كانت منافسة بين اثنين مواليين، فإنّه يختار صاحب الأصوات الأكثر، أو الّذي يعربد منهما ويستطيع الإيذاء، فيتّقي شرّه.

الكثير من الأعمال في بلداتنا تمتدّ لأشهر وحتّى لسنوات، دون أن تنتهي، ويعاد العمل فيها أكثر من مرّة، وهذا يؤدّي إلى خسائر كبيرة، أوّلًا في تكاليف المشروع المباشرة نفسها الّتي تتضاعف، وثانيًا تضرّر المصالح التجاريّة؛ بسبب العمل في فتح طريق أو مشروع يستمرّ لفترة طويلة أطول بكثير من المستحقّ، وهذا يؤدّي إلى أن تتضرّر المصالح، ويتقدّم أصحابها بشكاوى ضدّ السلطة المحلّيّة ويربحون القضيّة، وأحيانًا باتّفاق مع ممثّلي السلطة على تعويضات تفوق الخسائر بأضعاف كثيرة دون الوصول إلى محاكم.

عدم الإنصاف في المناقصات لاستلام وظائف أو تنفيذ أعمال يؤدّي إلى تراكم الأحقاد والتوتّرات بين الناس.

في بعض السلطات المحلّيّة لا يوجد نائب رئيس أو قائم بأعمال رئيس، وذلك لأنّ الرئيس لا يريد تسمية أحد من الأعضاء كي لا يخسر غيره من الموالين له، وربّما يكون قد وعد أكثر من واحد بهذه الوظيفة، ومنعًا لإحراج نفسه يطلب من الأعضاء أن يتّفقوا فيما بينهم على نائب كي لا يتحمّل هو مسؤوليّة اختياره، ولكنّ هؤلاء قد لا يتّفقون على نائب، فتبقى الوظيفة شاغرة لسنوات، وهي وظيفة حيويّة وليست شكليّة، وهي موقع للعمل والمسؤوليّة، إلّا أنّه وكما يبدو، فإنّ بعضهم يخشى منح صلاحيّات لغيره خشية أن يصبح منافسًا له مستقبلًا، ولهذا يفضّل أن يبقى بلا قائم بأعمال أو نائب. هذا يعني أنّه بالإضافة إلى عنصريّة السلطة المركزيّة تجاه سلطاتنا في الميزانيّات، فنحن كذلك لا نستغلّ ما نحصل عليه بصورة فعّالة وصحيحة، ولهذا نسمع عن مبالغ كبيرة دخلت إلى سلطاتنا، ولكن هل انعكس هذا على بلداتنا، وعلى مؤسّساتنا ومستوى الخدمات فيها؟ طبعًا هذه ليست قاعدة حتميّة على جميع الرؤساء والمرشّحين وكما يقال "إن خليت بليت" فما زال هناك مخلصون يعتبرون المال العامّ أموال وقف، ويحرمون التلاعب فيها، هؤلاء موجودون بالفعل وإن كانوا قلّة، وهم الّذين يجب منحهم الثقة.

التعليقات