14/10/2023 - 13:49

ماذا بعد عملية السابع من أكتوبر؟

ماذا تريد إسرائيل وأميركا من هذا الدمار؟ إنهاء سيطرة حماس على القطاع والقضاء على المقاومة، أي تغيير الواقع في غزة لصالح إسرائيل. تجارب أميركا وإسرائيل، من فيتنام إلى العراق، أثبتت أن هذا مستحيل.

ماذا بعد عملية السابع من أكتوبر؟

آلية عسكرية مدمرة في بئيري على الحدود مع قطاع غزة (gettyimages)

من الواضح أنّ الولايات المتّحدة وإسرائيل لم تستخلصا العبر من حروبهما السابقة؛ من فيتنام مرورًا بلبنان وأفغانستان والعراق، من حيث الافتراء والكذب لتبرير الحرب كما حصل في العراق قبل عقدين، أو محاولة فرض سلطة سياسيّة على الشعوب من فوق ظهور الدبّابات أو ركّام منازل المدنيّين المدمّرة، كما حصل في أفغانستان والعراق، وكما حاولت إسرائيل أن تفعل في لبنان.

في لبنان، حاولت إسرائيل بالاجتياح والدمار تنصيب سلطة سياسيّة متحالفة معها وسحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية؛ من يهيمن على لبنان اليوم؟ حزب اللّه.

في أفغانستان سعت أميركا للقضاء على القاعدة وطالبان. اليوم طالبان تحكم هناك بإذعان أميركيّ.

في العراق، قضت أميركا على نظام صدّام حسين، وحلّت الجيش العراقيّ. اليوم إيران تهيمن هناك بإذعان أميركيّ.

من حيث حجم الافتراءات على حماس، أميركيًّا وإسرائيليًّا، يبدو وكأنّها تريد تكرار مخطّط العراق. أميركا ليست مساندة لإسرائيل في هذه الحرب، بل هي شريكة فعليًّا في قرار الحرب وأهدافها، وتشجّع إسرائيل على الحرب وسحق حركة حماس، وتزوّدها بالقنابل والمعدّات اللازمة لتدمير أنفاق حماس. نتنياهو في أضعف حالاته، إذ قضت عمليّة السابع من أكتوبر على مسيرته السياسيّة، بعدما فشل الإسرائيليّون في التخلّص منه في الانتخابات والمظاهرات، وهو اليوم يقامر في غزّة، بالانتقام والتدمير، وأميركا من أمامه.

"خطاب الأخلاق" لتبرير الحروب الإباديّة هو استغلال دنيء، غير أخلاقيّ بالطبع، لدماء الضحايا. و"القشعريرة من الفظائع" وتشبيه حماس بداعش عند بعض العرب (مسارعة دون التأكد من الحقائق)، هي سذاجة لا تدلّ بالضرورة على عمود فقريّ أخلاقيّ متين أو وعي سياسيّ، ربّما محاولة مستعلية، غير واعية لنفسها، للتمايز عن "عامّة الناس". الجرأة السياسية والأخلاقية ليست في إدانة ما حصل (بعد التحقق منه)، وإنما في إدانة والسؤال عما سيحصل.

رفض قتل المدنيّين وأسرهم، أو تصوير المدنيّين المأسورين بشكل مهين، ونشره على السوشال ميديا، هو أمر مفروغ منه، عند "عامّة الناس" أيضًا؛ لأنّها ترفضه أخلاقيًّا، ولا ترى أنّه في صالح المقاومة، بل يمسّها، بل إنّهم ضدّ الحرب، فلا حاجة إلى ديباجات فلسفيّة للتعبير عن "القشعريرة من الفظائع"، فـ"وخز الضمير" هذا لا يقدّم ولا يؤخّر، وكأنّ العربيّ مدان أخلاقيًّا حتّى يثبت العكس، وعليه التصريح صباح - مساء بأنّه ضدّ قتل المدنيّين. حركة حماس نفسها عبّرت عن موقفها علنًا، وقالت إنّها لم تقصد استهداف المدنيّين في عمليّة السابع من أكتوبر.

عودة على بدء؛ ماذا تريد إسرائيل وأميركا من هذا الدمار؟ إنهاء سيطرة حماس على القطاع والقضاء على المقاومة، أي تغيير الواقع في غزّة لصالح إسرائيل، ومنع أيّ مظهر من مظاهر المقاومة. إلّا أنّ تجارب أميركا وإسرائيل، من فيتنام إلى العراق، أثبتت أنّ هذا مستحيل.

تسيطر إسرائيل على الضفّة الغربيّة والقدس منذ العام 1967، برًّا وجوًّا، وخلال الانتفاضة الثانية شنّت حربًا على المقاومة المسلّحة، وأعادت احتلال المدن الفلسطينيّة، قتلت ودمّرت واغتالت ياسر عرفات؛ هل توقّفت المقاومة في الضفّة؟ ألم يتعثّر الجيش الإسرائيليّ، "أقوى جيش في المنطقة"، قبل فترة وجيزة، في اجتياحه لمخيّم جنين في مواجهة مجموعة صغيرة من المقاومين المسلّحين؟

قد تكون لدى إسرائيل وأميركا أفضل الخطط العسكريّة والقدرات التدميريّة وأكبر حاملة طائرات، لكنّها لا تملك القدرة على مصير الآخرين، ولا تتعلّم من تجاربها السابقة، ولا تطرح سؤال اليوم التالي؛ ففكرة سحق المقاومة مستحيلة، حتّى لو حقّقت إسرائيل "نصرها" في القطاع من خلال كارثة إنسانيّة غير مسبوقة.

هل تسأل إسرائيل نفسها حول أنّ فكرة مثل فكرة "كرزاي أفغانستان" قد جرّبت وفشلت؟ هل تظنّ أن فرض سلطة غير حماس على الغزيّين، قادمة من على حاملة الطائرات الأميركية أو بظلها، ستمنع المقاومة؟ المقاومة ليست تشكيلًا فصائليًّا أو تنظيمًا، بل هي مسألة وجوديّة بالنسبة للفلسطينيّ للبقاء على أرضه وإنهاء الظلم والغبن التاريخي واليومي.

لا يوجد في إسرائيل من يطرح مثل هذه الأسئلة، ولا من يسأل القيادة الإسرائيليّة سؤال ماذا بعد؟ ألم يجرّب ذلك في لبنان 1982، ولبنان 2006؟ ألم تخرج منظّمة التحرير من بيروت، لكنّ سكّان المطلّة وكريات شمونة ما زالوا حتّى اليوم في ملاجئهم؟ ألم تنهار عقيدة "الجدار الحديديّ" مع العرب في دقائق مرّة تلو الأخرى رغم القتل الجماعي والدمار المهول والحروب؟ أليس كذلك؟ ماذا بعد؟

تغطية متواصلة في قناة موقع عرب 48 في تلغرام

التعليقات