15/10/2023 - 11:13

ما بعد الصدمة

مفهوم الصدمة الجماعية يعد مفهومًا تحليليًا يعمل على وصف وفهم التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تلحق بالمجتمعات بعد تعرضهم لحوادث أو أحداث مروعة ومؤلمة. يمكن أن تكون هذه الأحداث حروبًا، أو كوارث طبيعية، أو حتى تحولات اجتماعية جذرية.

ما بعد الصدمة

الجيش الإسرائيلي يدمر منزلا في خانيونس (الأناضول)

هول الصمت في الأسبوع الأخير، في صفوف المجتمع الفلسطيني في الداخل، يظهر تأثير الصدمة الجماعية على الفلسطينيين في إسرائيل، سواء على المستوى القيادي أو النخبوي والشعبي، حيث تجتمع التحديات النفسية والثقافية والسياسية، لتشكل فصلًا جديدًا من فصول صقل الهوية المصدومة للفلسطيني في الداخل والمترنحة بين قيود المواطنة ووجدان الهوية الوطنية.

يتطلب التعامل مع هذه الصدمة جهدا مشتركا من المجتمع والمؤسسات والقيادات لتحصين النفسية الفلسطينية المتجذرة وتحقيق التوازن المطلوب بين الهوية وبين واقع المواطنة وامتيازاتها في دولة إسرائيل، إذ أن خدش التوازن هذه المرة لا يقتصر على حدود الجانب الهوياتي والصراع الأخلاقي وأهمية الالتحام مع قضية فلسطين العادلة، بل أصبح واضحا للعيان هشاشة العقار المركزي في امتياز المواطنة الإسرائيلية المتمثل بحرية التعبير بكل أشكاله وربما تتضح صورة مشابهة لاحقًا حول امتياز التنظيم السياسي، فلم يعد يقتصر الأمر على تهمة دعم الإرهاب، بل على مجرد التعبير عن التضامن مع مقتل طفل أو محاولة دحض الرواية والدعاية الإسرائيلية.

وقد تكون هبة الكرامة مقدمة لضبط العلاقة الأمنية وتعريف حدود التعبير وإحكام القبضة القانونية، إلا أن هبة الكرامة كانت عاملًا في إعادة هيبة ورسوخ الانتماء والهوية الفلسطينية وثقة الفلسطيني في الداخل بنفسه، في مقابل الخوف والذعر الجماعي الذي يخيّم على الداخل الفلسطيني، في ظل تشرذم سياسي، وتشظ اجتماعي نتيجة العنف والجريمة.

مفهوم الصدمة الجماعية يعد مفهومًا تحليليًا يعمل على وصف وفهم التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تلحق بالمجتمعات بعد تعرضهم لحوادث أو أحداث مروعة ومؤلمة. يمكن أن تكون هذه الأحداث حروبًا، أو كوارث طبيعية، أو حتى تحولات اجتماعية جذرية.

تُظهر الأحداث في الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، أن الصدمة الجماعية ليست مجرد ظاهرة محدودة، بل هي تجربة للمجتمعات بأسرها. تترك هذه الأحداث آثارا عميقة على الأفراد والجماعات، ولعل هول الاضطراب والتحريض على الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل ويحملون جنسيتها، هو الأكبر منذ انتهاء الحكم العسكري حيث طال الهوامش الليبرالية في الجامعات وأماكن العمل والمستشفيات في إجماع مؤسساتي لا مثيل له.

وغالبًا تجلى تأثير الصدمة الجماعية في إعادة تشكيل الهوية الفردية والجماعية للفلسطينيين في إسرائيل نتيجة الصراع الداخلي بين هويتهم الوطنية والمواطنية. فمن جهة، يعيشون تحت سيادة إسرائيل ويحاولون التكيّف مع الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي علاوة على سياسات الضبط والسيطرة، بينما من ناحية أخرى، يحتفظون بارتباطهم العميق بأرضهم وثقافتهم. وأهم ما في ذلك وجودهم في وطنهم.

تواجه هذه الصدمة الجماعية تحديات نفسية هائلة، حيث يمكن أن تسفر عن زيادة في معدلات القلق والاكتئاب والتوتر النفسي. يجد الأفراد أنفسهم يحتاجون إلى إعادة تقييم هويتهم ومكانتهم في المجتمع الإسرائيلي والنظر في صياغة المقولة السياسية الجماعية للمجموعات والأحزاب والمجتمع المدني بأسره، في محاولة متجدده لتحقيق التوازن بين الاندماج/ التكيّف في المجتمع الإسرائيلي والحفاظ على الهوية الفلسطينية والانحياز لها.

علاوة على ذلك، يشكل التحدي الثقافي جزءا أساسيا من تأثير الصدمة الجماعية، إذ يجد المجتمع الفلسطيني في إسرائيل نفسه يواجه تحديات في الحفاظ على لغته وثقافته ومعتقداته في ظل الضغوطات الثقافية المحيطة، وكأي فرد في المجتمع يجد الفلسطيني نفسه في علاقة مباشرة مع البيرقراطية المؤسساتية المباشرة التي تحيط بتحركاته اليومية في زمن الحرب، عبر علاقة مباشرة مع المؤسسة (الجيش) التي تدير حالة الطوارئ في جانبها المدني وما تسميه إسرائيل “الجبهة الداخلية”.

هذا الكم الهائل من التحوّل يحتاج ليقظة وتفكير في كيفية إعادة الإجماع السياسي وحماية المجتمع الفلسطيني في الداخل نحو مرحلة ما بعد الصدمة.

التعليقات