11/12/2023 - 15:25

فوضى "اليوم التالي"

الأمر المؤكد هو أن الولايات المتحدة شريكة في الحرب، والمظاهرات الحاشدة في المدن الأميركية والعواصم الغربية، ليست داعمة لحماس وإنما هي متعاطفة مع ضحايا الحرب الفلسطينيين وضد الدمار، وضد محاولة تكرار نكبة 1948 في القطاع

فوضى

بايدن ومسؤولون في إدارته يجتمعون مع "كابينيت الحرب" الإسرائيلي (Getty Images)

لن تتوقف الحرب على غزة بقرار إسرائيلي، وإنما بقرار أميركي. فمنذ الساعات الأولى لهذه الحرب، رأت إدارة جو بايدن أن حكومة بنيامين نتنياهو ليست قادرة على "إدارة" الحرب، ما دفع حزب "المعسكر الوطني" برئاسة بيني غانتس إلى الانضمام إلى الحكومة، ربما بطلب من إدارة بايدن، التي تعتبره "معتدلا"، وكي لا يتحكم الوزيران المتطرفان، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بقرارات الحرب.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في تلغرام

وإثر ذلك تم تشكيل "كابينت الحرب" الذي يضم نتنياهو ووزير الأمن، يوآف غالانت، وغانتس، إلى جانب عضوين استشاريين، هما وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، وعضو الكنيست عن "المعسكر الوطني"، غادي آيزنكوت. وأحيانا يُدعى رئيس حزب شاس، أرييه درعي، إلى اجتماعات هذا الكابينيت بسبب تأثيره على سموتريتش وبن غفير.

ورغم أن قسما كبيرا من الإسرائيليين لا يعتبر أنه بالإمكان القضاء على حركة حماس في هذه الحرب، إلا أن بايدن يواصل الإصرار على أن هدف الحرب على غزة هو القضاء على وجود حماس، ويطالب إسرائيل بتحقيق ذلك. وهذا طلب غير أخلاقي أن يطالب زعيم أجنبي دولة أن تستمر في حرب، رغم تزايد عدد جنودها القتلى في الحرب، ورغم عدد الضحايا الهائل والدمار الرهيب في قطاع غزة.

ويدعي بايدن والمسؤولون في إدارته أنهم قلقون من تزايد أعداد القتلى المدنيين في القطاع، ويقدمون طلبات مزعومة لإسرائيل بأن تلتزم بالقانون الدولي والامتناع بقدر الإمكان عن استهداف المدنيين، وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع، علما أن معادلة بايدن هي إدخال مساعدات مقابل منح مزيد من الوقت لإسرائيل في الحرب.

لكن هذه الطلبات الأميركية بدأت تتعالى بعد تهجير إسرائيل أكثر من مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه. ويتبين أيضا أن هذه المساعدات ليست كافية، وسط تقارير حول الجوع وسوء التغذية في أوساط المهجرين النازحين إلى جنوب القطاع، الذين لا يسلمون من القصف الإسرائيلي حتى الآن.

ويبدو واضحا من هذه السياسة الأميركية أن الدول العربية الحليفة لواشنطن تؤيد استمرار الحرب ولا تمارس ضغوطا من أجل إنهائها، ويكتفي قادتها بإطلاق التصريحات الجوفاء فقط، ولا تمارس ضغوطا من أجل وقف الحرب، ولا حتى من أجل هدنة في ظل ويلاتها على المدنيين الفلسطينيين.

ويعتبر قادة هذه الدول العربية أن الحرب على غزة هي حرب ضد إيران وحزب الله أيضا. وفي موازاة ذلك، تنظر إدارة بايدن على أن هذه الحرب هي ضد الصين وروسيا. ووصف بايدن في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الشهر الماضي، هذه الدول والحركات بأنها "محور الشر"، ما يوضح رؤيته للحرب على غزة.

والسيناريو الذي رسمه بايدن للحرب على غزة، هو بمثابة "شرق أوسط جديد". وهذه عبارة عبثية لا تمت بأي صلة إلى الواقع. والمقصود منها أن يبقى الحكام العرب على عروشهم، وأن يتصالحوا مع إسرائيل، مقابل دفن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. أي أنها استمرار لما يسمى بـ"اتفاقيات أبراهام" من دون التطرق إلى حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وحسب سيناريو بايدن، فإنه بعد الحرب على غزة والقضاء على حكم حماس، سيكون بالإمكان إعادة السلطة الفلسطينية إلى الحكم في غزة ضمن اتفاق (اتفاق سلام؟). وهو يرى أن التعامل مع السلطة سهل، له ولحلفائه العرب والأهم من ذلك بالنسبة لإسرائيل أيضا، في ظل تجربة التعامل معها في الضفة الغربية (أنظر: بند "التنسيق الأمني"). لكن هل ستوافق قيادة السلطة الفلسطينية على العودة إلى حكم غزة على ظهر الدبابات والطائرات الإسرائيلية والذخيرة الأميركية؟ وهل عودة كهذه ستجعل الشارع الفلسطيني أكثر هدوءا؟

الأمر الأهم في هذا السياق هو أن إسرائيل، بأحزابها اليمينية والوسطية واليسارية، ترفض اتفاقا مع السلطة الفلسطينية وتعلن أن الحرب على غزة ستستمر لسنة وأكثر. وحتى لو وافقت، يجب أن يشكك الفلسطينيون في موافقة كهذه استنادا إلى تاريخ الاتفاقات بينهم وبين إسرائيل، التي لم تتخذ حتى اليوم قرارا إستراتيجيا بالتحول من حالة الحرب الدائمة إلى حالة سلم دائم مع الفلسطينيين.

وفي هذه الأثناء تكرر إسرائيل رفضها التفكير في "اليوم التالي" للحرب. وهذا ليس موقف نتنياهو فقط، الذي يُعتقد أن وقف الحرب ليس في مصلحته وأنه سيزول من الوجود سياسيا بعد ذلك، وإنما تشي بذلك تصريحات غيره من المسؤولين. فالمعارضة في إسرائيل لقيام دولة فلسطينية مستقلة بين النهر والبحر واسعة للغاية، ولا يتوقع أن يحظى أي ائتلاف قد يتشكل فيها بتأييد واسع لاتفاق كهذا.

وإذا كانت النظرة إلى الحرب على غزة أنها بين معسكرين عالميين، فإن أي رؤية تطرحها الولايات المتحدة، ويؤيدها الغرب، وتكون منحازة لإسرائيل لن يوافق عليها المعسكر الآخر، الذي يعاديه الغرب ويصفه بـ"محور الشر".

الأمر المؤكد هو أن الولايات المتحدة شريكة في الحرب على غزة بكل ما يترتب عن ذلك. وهي تركز على الناحية الإنسانية في قطاع غزة بسبب المعارضة الداخلية الواسعة في الولايات المتحدة لهذه الحرب، وتشمل هذه المعارضة موظفين كبار داخل الإدارة الأميركية. وكذلك بسبب المعارضة في العالم. فالمظاهرات الحاشدة في المدن الأميركية الكبرى والعواصم العالمية، خاصة في الدول الغربية، ليست داعمة لحماس وإنما هي متعاطفة مع ضحايا الحرب الفلسطينيين وضد الدمار، وضد محاولة تكرار نكبة 1948 في القطاع.

وبعد أكثر من شهرين على شن الحرب، يعترف الإسرائيليون بأنه لم يتحقق شيئا من أهدافهم. وتقارير المحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين تؤكد أن حماس والفصائل الأخرى لا تزال تحارب بقوة، ويشيرون إلى أن العامل الزمني ليس في مصلحة إسرائيل. والأمر الواضح هو أن قرار وقف الحرب هو قرار أميركي وليس قرارا إسرائيليا. ويتوقع أن إدارة بايدن في ظل الضغوط عليها، داخليا وعالميا، ستتخذ القرار وتطالب إسرائيل بوقف الحرب. وفي هذه الحالة، لا تكون أميركا وإسرائيل قد حققتا شيئا من أهدافهما، لكن ليس مستبعدا أن فوضى مخيفة ستسود قطاع غزة.

التعليقات