17/02/2024 - 19:13

مجددا عن إعادة تعريف معاداة الساميّة والدعاية الإسرائيلية في ظل الإبادة

يجب الإصرار على ألا يتحوّل الغضب من ازدواجيّة المعايير والتواطؤ المؤسساتي في المراكز الإعلامية - الأكاديمية الغربية، إلى نفور عدميّ من خطاب العدالة والحريّة والاستئناف عليه وإسقاطه من قاموسنا السياسي والاجتماعيّ.

مجددا عن إعادة تعريف معاداة الساميّة والدعاية الإسرائيلية في ظل الإبادة

(Getty Images)

"إن الأمم المتحدة التي بدأت طريقها كتحالف مناهض للنازيّة، تجد نفسها تحوّلت بعد 37 عامًا لتكون مركزًا لمعاداة الساميّة في العالم"... بهذه الكلمات والترميز هاجم رئيس الدولة الإسرائيليّة الأسبق، حاييم هرتسوغ، الأمم المتّحدة، بعد أن اعتلى منبرها في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1975، معلقًا على إقرار الدول الأعضاء فيها لمشروع باعتبار الصهيونية أحد أشكال العنصرية والتمييز.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

بين هرتسوغ الأب (1975)، وهرتسوغ الابن (2024) الذي أبرق رسالة إلى 700 جامعة وكلية في أميركا اعتبر فيها حركات التضامن مع القضية الفلسطينيّة معادية للسامية، تبدو لنا آلة الدعاية الإسرائيليّة وسرديّة تجريم معاداة الصهيونيّة والاستعمار شبيهة في بنيتها وإن كانت مختلفة في نمطها وأدوات اشتغالها، إذ نشرت مؤخرًا "وزارة الشتات" الإسرائيليّة تقريرًا مفصّلًا يسرد ما اعتبرته انتشارًا ملحوظًا لمعاداة الساميّة في العالم في ظل حرب الإبادة الجارية في غزّة. يأتي التقرير متزامنًا مع استمرار لجان الكونغرس (لجان التفتيش الحديثة) بالتحقيق مع الجامعات الأميركية بتهمة "الفشل في (مكافحة) معاداة السامية"، كان آخرها تحقيق مع إدارة جامعة كولومبيا قبل أيام. يتّسق ذلك وينسجم مع استشراء آلة الدعاية - البروبغندا الإسرائيليّة ومعركتها على الراوية والسرديّة، كلما اشتدّت أصوات مدافع الجريمة المستمرة منذ أشهر، وكلما تداعت حمم المجازر والتطهير على قطاع غزّة ورؤوس وأجساد ساكنيه.

وكم يبدو سخيفًا ومتوقعا في آن، أن يصوغ وزير "الشتات"، عميحاي شيكلي، مقدّمة التقرير بتأطير يخلو من كلمة واحدة أو إحالة إلى حوادث معادة الساميّة الحقيقية - أي كراهيّة اليهود والأجانب والمسلمين من قبل قواعد اليمين العنصريّ المتطرف، بل ينصرف في حديثه للتحذير من خطر تصوير إسرائيل كدولة استعماريّة ومن تعريف الصهيوينة كفكرة عنصرية.

يبرّر شيكلي تحايله هذا، بتقديم معاداة السامية بوصفها "متحوّرًا يغيّر من أفكاره ويلائهما للواقع الجديد" ضمن ادعاء ببغاويّ يطابق بين معاداة الساميّة ومعاداة الصهيونيّة، وهو ما وصّفته صراحةً رئيسة الهستدروت العالمية، راحيلي ريكس، كظاهرة "معاداة السامية الجديدة". أما جوهر التقرير فلن تكفي هذه السطور للإحاطة بما يعجّ به من تحايل مفضوح في التعريفات والتأطيرات مصنّفًا كل حركات المقاطعة ومناهضة جرائم الحرب الإسرائيليّة كحركة PYM وSJP إلى حركات معادية جوهريًا للساميّة، وخلط مقصود بين نشاط هذه الحركات السياسيّ وبين حوادث الكراهية والعنف ضد اليهود كيهود، والتي مصدرها في الغالب هي حركات "تفوّق العرق الأبيض" وغيرها من الحركات الفاشيّة الأميركية أو الأوروبية.

عن خطاب صنع "معاداة السامية الجديدة"

لقد التفت العديد من الناشطين والباحثين إلى هذا التأطير السياسيّ، أي ما يسمّى بتعريف منظمة IHRA لمعاداة السامية الجديدة، الذي يطابق بين معاداة الساميّة وبين معاداة الصهيونيّة، أو ما يسميه عزمي بشارة في مقالته استخدام الظاهرة وتصويرها كظاهرة عالميّة مركزيّة من قبل إسرائيل بهدف الابتزاز السياسيّ[1].

في محاولة لافتة لفضح هذا الابتزاز والاستخدام الإسرائيلي الأداتي السياسيّ للظاهرة يسرد صاحب كتاب "صنع معاداة الساميّة - تحريم نقد إسرائيل" أبراهام ملتسر[2] بدقّة، كيف تشتغل الماكنة الإسرائيليّة والجهات الألمانية المتحالفة مع إسرائيل في إعادة اقتراح وصنع مفهوم جديد لمعاداة الساميّة خدمةً لأجندات صهيونية سياسيّة حديثة في ألمانيا تحديدًا. يؤطّر ملتسر معاداة الساميّة الحقيقيّة، بوصفها ظاهرة حديثة نشأت في السياق الأوروبي بعد أن تحوّل فيها العداء التاريخيّ لليهوديّة كدين إلى العداء للجماعة اليهودية كمجموعة اجتماعيّة أو اثنية في السياق الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهو ما ساهم بصعود المسألة اليهوديّة عالميًا.

ضمن هذا المنظور، لم تنشأ معاداة السامية في سياق الحضارة العربية - الإسلاميّة بل هي أوروبيّة المنشأ وتكفي الإشارة إلى أن مفهوم "يهدوت سفاراد - السفارديم" نشأ بعد طرد اليهود من إسبانيا والأندلس وإجراء محاكم التفتيش بحقهم، وبعد أن ازدهرت بعض علومهم قبل ذلك في إطار الحضارة الإسلامية في الأندلس. لا يعني ذلك أن السياق العربي - الإسلامي لم يعرف عنصرية أو ملاحقة أحيانًا لبعض الأقليات - ومن بينهم اليهود، في سياقات تاريخيّة معيّنة وفي الأزمات السياسية - الاقتصاديّة تحديدًا، لكنّ هذا الشكل من التمييز لم يكنّ موجّهًا ضد اليهود حصرًا أو بصورة جوهريّة، وهي مسألة أخرى على أية حال.

تعجّ دراسة ملتسر بالأمثلة والتقارير والدراسات المهنيّة التي تتلمّس الاستخدام السياسيّ الجديد لإعادة مفهمة وتأطير معاداة الساميّة بعيدًا عن جوهرها الحقيقي، حيث يشير إلى أن معاداة الساميّة التقليدية - أي كراهيّة اليهود بوصفهم يهودًا، قد تراجعت لدى فئات الشباب في ألمانيا وأوروبا ولم تعد ظاهرة مركزيّة في تلك المجتمعات[3]، كما وأن تراجعها متوازيًا مع ارتفاع منسوب معاداة الصهيونيّة والسياسات الإسرائيليّة وهو ما يؤرق آلة الدعاية الصهيونية ويدفعها بتسميك المطابقة الجديدة بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونيّة، محيلًا هذا الاشتغال ونجاحه النسبيّ في أوروبا وألمانيا، إلى عقدة الذنب الألمانية تاريخيًا.

الصهيوينة ومعاداة السامية وجدليّة "اليين يانغ"

يذهب ملتسر في تشبيه علاقة الصهيوينة بمعاداة السامية بـ"اليين يانغ" حيث اشتركتا جدليًا بضرورة حلّ المسألة اليهودية خارج أوروبا. وفي مقالته حول الصهيونية[4] يتعّرض عزمي بشارة بصورة لافتة إلى هذا الاشتباك الجدليّ في تحليل نشأت الصهيونيّة كحركة استعمارية، بعد أن استقر في وعيّ نخبتها أن حل المسألة اليهودية يتطلب بالضرورة تغيير اليهودية والمجتمع اليهودي لا المجتمع والنُظم الأوروبيّة، أي من خلال تحويل اليهوديّة إلى بنية أساس لحركة قوميّة عنصريّة استعمارية ذات مطامع في أرض فلسطين.

كان ذلك أحد الأسباب الذي أدى بالضرورة إلى اشتباك المسألة الفلسطينيّة مع المسألة اليهودية (التي هي أوروبيّة المنشأ والأصل)، وهو ربما أحد أبرز تحديات النضال الفلسطينيّ، خاصة وأن ذلك يحتم الاصطدام لا مع الصهيونيّة فحسب، بل ومع سياق نشأتها الأوروبي. فالشعب الفلسطينيّ لم يدفع ثمن إجرام المشروع الاستعماري الصهيونيّ وحده، بل وثمن التقاء الحاجة الأوروبية لحلّ المسألة اليهودية خارج أراضيها بأطماع الصهيونية والإمبريالية بأرض فلسطين، وحيث وقع أهلها ضحية هذا الاشتباك الذي يشكّل أحد أسباب الدعم الغربي - الرسميّ المستمر للصهيونية، وإن لم يكن هو السبب الوحيد، فمصالح معظم الدول الغربيّة مع الصهيونيّة مردّها لأسباب متعددة.

يبدو بأن ورشة صيد الساحرات الجارية حاليًا، وفي السياق الألماني تحديدًا، سواء في الإعلام المركزي أم المجتمع المدني أو بعض الأوساط الأكاديمية والتي تتربّص بكل انتقاد للصهيونية والجرائم الإسرائيليّة، مرتبطة ومشتبكة، كما يشير بشارة، مع عملية مجتمعية داخليّة - ألمانيّة، تربط بين مسار تطهّر الأمة الألمانيّة من ماضي النازيّة وجرائمها، ومن التاريخ العنصري لمعاداة الساميّة الحقيقيّة، وبين نزع الشرعيّة عن معاداة الصهيونيّة ونظام الاستعمار - الاستيطاني، وهو ما يجعل الحركات المناصرة لفلسطين مشتبكة لا مع الصهيونية فحسب بل ومع المسار الداخلي لأوساط واسعة من المجتمع الألماني والأوروبي عمومًا. وهو ما أدّى لحظر فعاليات إحياء ذكرى النكبة قبل سنوات في عدد من المحافظات الألمانيّة. كما ولا يمكن ترحيل أسباب اصطفاف اليمين الشعبوي الأوروبي - الأميركي مع الصهيونية ودعمهم لحربها الوحشية على الفلسطينيين، إلى موقفهم السياسيّ من إسرائيل فقط، إذ إن دعمهم يجري في سياق إعادة ترسيم حدود حريّة التعبير داخل مجتمعاتهم[5]، وما حفلات صيد الساحرات الأخيرة إلا دليل على ذلك.

ثالوث اليمين العالمي الشعبويّ، معاداة الساميّة والإعجاب بإسرائيل

يبدو أن ثمّة عملية تلاقح وتقاطع ثالوث جديد من: تعريف معاداة السامية الجديد، والتحالف مع الصهيونيّة، والعنصرية تجاه المهاجرين والمسلمين، وهو الثالوث الذي لا يهدف إلى ضرب الراوية الفلسطينية فحسب، بل وحجب النظر عن العلاقة الوثيقة بين معاداة السامية الحقيقية والعنصرية تجاه المهاجرين والأجانب، والتي مردّها بالدرجة الأولى الى ارتفاع منسوب اليمين الشعبوي العالمي وصعوده.

في هذا السياق، تذكر عشرات الدراسات أن غالبية أحداث اعتداءات الكراهية التي تمّت ضد يهود كانت مصدرها قوى اليمين المتطرف كحركة تفوّق العرق الأبيض و"اليمين البديل" وغيرها. حتى دراسات المراكز المنحازة للصهيونية وللرواية الإسرائيلية كـ"لجنة مكافحة التشهير"، اعترفت أن 71% من جرائم القتل على خفلية عنصرية تعود لمتطرفين وأن 26% منها فقط تمّت على يد مسلمين. وفي عام 2017 وحده كان اليمين المتطرف مسؤول عن أكثر من 53% من حوادث القتل بدافع الكراهيّة[6]. كما بيّنت عدة تقارير مدى الارتباط بين حوادث معاداة السامية وكراهية السود والمسلمين، يذكر تقرير عام 2018 أن أكثر من مئة شخص قتوا بيد متطرفين على صلة بحركات اليمين البديل وحركات "تفوّق العرق الأبيض" وأن هذه الأخيرة هي من ألهمت المعتدين على كنيسة تشارلستون (كنيسة للأميركان السود)، والاعتداء على مسجد كييبك (2017)، وحادثة إطلاق النار في كنيس بيتسبورغ (2018). وهي جميعها أحداث عنصريّة مصدرها أوساط يمينية فاشية جديدة لا إسلامية أو عربية[7].

ومن مفارقات العقد الأخير أن تكون هذه الحركات المعادية للساميّة حقًا من أشد المعجبين بالصهيونية وبإسرائيل كنظام حكم عنصريّ، وهي حركات تشكّل أحد القواعد الاجتماعية الانتخابية البارزة لمرشّحين شعبوييين يعتبروا من أقرب الأصدقاء لبنيامين نتنياهو، ما يعيد اشتباك معاداة السامية بالصهيوينة لكنّ مردها اليوم لتقاطع معاداة الساميّة في أوروبا مع كراهيّة المهاجرين والمسلمين، والتقاطع الجديد بين معاداة السامية الحقيقية وبين العنصرية تجاه المسلمين والأجانب وبين هاتين والإعجاب بإسرائيل بصورة مفارقة؛ كما وأن الأكثر عرضةً للتهديد والتشويه والملاحقة وحوادث الكراهيّة اليوم هم العرب والمسلمين ومناصري القضيّة الفلسطينيّة حول العالم، وما حادثة قتل الطفل الفلسطينيّ في الولايات المتحدة ببعيدة.

لا يعني ذلك أن معاداة الساميّة التقليدية قد اختفت أو أنها تنتشر بصورة حصرية في أوساط اليمين الفاشي فقط، رغم أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة من المعادين للسامية، إذ قد يتبنّى أفراد معادين للصهيونية أفكارًا معادية للساميّة كإنكار الهولوكوست وغيرها، لكنّها كانت ولا تزال مرفوضة، وبحق، من قبل الغالبيّة الساحقة من مناصري القضيّة الفلسطينيّة وقياداتها الوطنيّة. فضلًا عن أن ظروف السنوات الأخيرة قد ادّت إلى ترابط لافت وهام بين حركات المقاطعة والـBDS وبين حركات نضاليّة غربيّة تناضل ضد كافة أشكال التمييز والعنصريّة في مجتمعاتها، كمناهضة العنصرية ضد السود، ومناهضة العنصرية ضد الأجانب والمسلمين، ومناهضة معاداة الساميّة الحقيقية، وكان من بينهم متضامنون يهود (في الولايات المتحّدة وأوروبا) مناهضون للصهيونيّة ويؤيدون حركات المقاطعة. ولا يبدو هذا الربط غريبًا خاصة وأن الحركة الوطنية الفلسطينية عمومًا، ومنذ الستينات خاصةً، قد أجادت الفصل بين النضال ضد الصهيونية بوصفها حركةً استعمارية، وبين اليهود بوصفهم يهودًا، ولم تجر عملية تطابق لديها بين معاداة الصهيونية ومعاداة الساميّة، فالنضال الفلسطيني ضد الصهيونيّة لم ينبع من كونها يهودية، بل لأنها حركة استعماريّة حديثة سطت على فلسطين واستوطنت أرضها وهجّرت شعبها في وضح النهار بقوّة البارود والنار ولا زالت مستمرة في ذلك.

الإعلام الإسرائيلي ومتلازمة "الإيغو-إسرائيسنتريزم"

إن الاستخدام السياسيّ الإسرائيليّ الجديد لمعاداة الساميّة في سياق مطابقتها بمعاداة الصهيونية، هو موقف سياسيّ آداتيّ بعيد عن مسألة معاداة الساميّة الحقيقيّة تجاه اليهود والعنصريّة تجاه الأجانب والمسلمين والعرب، بل يهدف إلى حماية إسرائيل أولًا وفكّ الارتباط بين حركات مقاطعة النظام الإسرائيليّ وحركات تقدميّة غربيّة ضد العنصريّة ثانيًا، وبالتالي نزع الشرعيّة عن الأصوات المناهضة والرافضة للمذابح الإسرائيليّة الجاريّة ضد الشعب الفلسطيني، وتحوير الأنظار عنها وعن التحريض الدموي المنتشر في الإعلام الإسرائيلي، التي لن تكفي السطور هنا لإحاطة الكمّ المُستفظع من التحريض المَرَضي الذي يبوح به هذا الإعلام. فمنذ أشهر ولم ينبرِ عن بخّ سموم الفاشيّة والتحريض على الإبادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، مرفقًا بحملات نزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني ودعشنته، قادها أكبر مسوؤلي الحكومة الإسرائيليّة الحالية بدءً من رئيسها نتنياهو، مرورًا بوزير أمنها غالانت الذي شبّه الفلسطينيين بالحيوانات، وصولًا بمهرّجها بن غفير.

يكفي فقط أن نذكّر أن حالات الحرب تُذوّب الفروقات بين هذا الإعلام وأي إعلام بروبغندا آخر للأنظمة التوتاليتارية التقليديّة، حيث يتجنّد الإعلام الإسرائيليّ بالكامل لرواية جيش الاحتلال ويشكّل عامود أساس حالة التعبئة القبليّة في المجتمع. ليست العنصرية المتجذّرة وحدها هي ما يفسّر دمويّة هذه التعبئة الجارية، بل تتعزّز بفعل حالة الانغلاقيّة - التربويّة التامّة، والإحكام المتقن للمجتمع. وهو بهذا يذكرنا بما يسميه علماء النفس التطورّي بعقدة "الإيغو-سنتريزم" لدى الأطفال، أي تلك المرحلة الذهنيّة التي لا يستطيع فيها الطفل أن يطوّر وعيًا بوجود واقع غير ذلك الذي يراه هو، فيظن أن جميع البشر من حوله لا ترى الواقع المحيط إلا من زاويته الخاصّة. يساهم الجهل المطبق باللغة العربية وعدم الإتاحة والانكشاف لأي وسيلة إعلام أجنبية أخرى،، في أن تستقرّ حالة "الايغو-إسرائيسنتريزم" هذه لتصبح حالة مجتمعيّة شبه عامّة في إسرائيل.

صيد الساحرات والمكارثية الجديدة

كلمّا اشتدّ منسوب الإجرام والمجازر اليوميّة في غزّة اشتدّت معه حملات التجريم والتشهير ضد الأصوات الرافضة للحرب الإجراميّة فضلًا عن حفلات صيد الساحرات ضد كل من يتجرأ على ملامسة التابو الوحيد المتبقّي تقريبًا في معظم الأوساط الإعلامية والأكاديمية حول العالم، أي تابو مناهضة الصهيونيّة والنظام الإسرائيليّ. مع ذلك يجب الإصرار على ألا يتحوّل الغضب من ازدواجيّة المعايير والتواطؤ المؤسساتي في المراكز الإعلامية - الأكاديمية الغربية، إلى نفور عدميّ من خطاب العدالة والحريّة والاستئناف عليه وإسقاطه من قاموسنا السياسي والاجتماعيّ، أو إلى ربط عبثيّ بين الأنظمة الغربية الداعمة أو المتواطئة مع حرب الإبادة الإسرائيليّة، وبين الشعوب في الغرب، خاصة وأن هذه المجتمعات تعجّ بمناصرين شجعان يملؤن الشوارع أسبوعيًا تضامنًا مع الشعب الفلسطينيّ ورفضًا للحرب والمجازر. بل بالإصرار على فكّ الاشتباك بين الموقف المٌناصِر للقضية الفلسطينيّة العادلة وبين عقدة الذنب التاريخيّة لدى قطاعات واسعة من المجتمعات الغربيّة والتي لا شأن للفلسطينيين بها، ومواجهة الاستخدام الإسرائيلي الدعائي الجديد الذي يطابق ويربط بين معاداة السامية ومناهضة الصهيونيّة وجرائم الاحتلال. وفوق كل ذلك بالإصرار على سرديتنا وعدالة قضيتنا المستمدّ أولًا من كرامتنا الوطنية ومن إيماننا بحقّنا التاريخيّ وبقيم العدالة والحرية وحقّنا فيهما.


[1] عزمي بشارة، أصحيح أن معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية؟ معادة الصهيونية باعتبارها ظاهرة يهودية، تقييم حالة، 28 شباط 2019، ص. 5.

[2] ابراهام ملتسر، صنع معاداة الساميّة او تحريم نقد إسرائيل، ترجمة سميّة خضر، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022).

[3] ملتسر، 89.

[4] عزمي بشارة، "مائة عام من الصهيونيّة"، نظرية ونقد، عدد 12، 1996، 507-522. عبريّة

[5] عزمي بشارة، محاضرة الحرب على غزة.. السياسة والأخلاق والقانون الدولي، 29.11.23.

[6] ADL Report: “White Supremacist Murders More Than Doubled in 2017”. (https://t.ly/BC-BJ ).

[7] Jonathan Greenblatt, “White Supremacists Killed More Americans Last Year Than Any Other Domestic-Extremist Group”, JANUARY 17, 2018. https://t.ly/op2OF

التعليقات