21/02/2024 - 08:23

عن مبدأ إسرائيل "القتيل خيرٌ من الأسير"

أكّدت صحيفة هآرتس، في سياق مقال افتتاحي، أن الهجوم الفتّاك الذي شنّته إسرائيل ضد حركة حماس في غزّة من جهة، والأصوات التي تصاعدت من حكومة نتنياهو من جهة أخرى، يدلّان على أن إعادة الإسرائيليين ليست الأولى في اهتمامات الحكومة.

عن مبدأ إسرائيل

احتجاجات ضد نتنياهو (Getty Images)

ثمّة في بعض التحليلات الإسرائيلية للحرب المستمرّة على قطاع غزّة ما يشتبك مع صيرورة إسرائيل في علاقتها مع منطلقات تأسيسها وتطوّرها وعقيدتها الأمنيّة. وهي تحليلاتٌ ذات قدرة على تشريح الواقع بنظرة واعية لأسس مآلات الوقت الحالي، من خلال الحفر في طبقاته المتعدّدة والكشف عما يخترقه من ممارسات.

ولو ركّزنا في موضوع الأسرى والمختطفين نجد أن ما يظهر ضمنيّاً في هذه التحليلات يوحي بالكثير على صعيد ليس الكشف فقط، بل وأيضاً التلخيص المكثف لما هي إسرائيل بالفعل، فغداة عملية طوفان الأقصى (7 أكتوبر)، أكّدت صحيفة هآرتس، في سياق مقال افتتاحي، أن الهجوم الفتّاك الذي شنّته إسرائيل ضد حركة حماس في غزّة من جهة، والأصوات التي تصاعدت من حكومة نتنياهو من جهة أخرى، يدلّان على أن إعادة الإسرائيليين ليست الأولى في اهتمامات الحكومة.

والأخطر برأيها أن الحكومة قرّرت على ما يبدو تفعيل "بروتوكول هنيبعل" على ما يقارب 150 أسيراً ومفقوداً إسرائيلياً. ففي مقابلة مع شبكة التلفزة الأميركية "سي أن أن"، قال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، غلعاد إردان، إن الخوف على وضع المخطوفين "لن يمنعنا من القيام بكل ما هو مطلوب من أجل مستقبل إسرائيل". ومدير ديوان رئيس الحكومة، يوسي شيلي، قال: "المخطوفون هم واقع، والهجمات واقع، وهذا قرارُنا". وفي أثناء جلسة الحكومة، طالب وزير المال بتسلئيل سموتريتش بـضرب "حماس" بوحشية وعدم أخذ مسألة الأسرى في الحسبان كثيراً.

يأتي ذلك كله للتذكير بـ"برتوكول هنيبعل" الذي تصدّر العناوين إثر عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، في مايو/ أيار 1985 وتم في إطارها تحرير 1150 أسيراً فلسطينياً في مقابل جثث ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا قد وقعوا بالأسر في لبنان، ففي 1986، وضع ثلاثة من كبار الضباط في قيادة المنطقة العسكرية الشمالية في إسرائيل، يوسي بيلد ويعقوب عميدرور وغابي أشكنازي، هذا البروتوكول وسيلة للحدّ من عمليات أسر الجنود. وعرض البرتوكول على الجنود، وطولبوا بالعمل طبقاً له.

وبالرغم من محاولات عديدة بذلتها الرقابة العسكرية لإخفاء هذا الأمر العسكري وهذا البروتوكول والتستر عليهما، إلا أن جدلاً دار بشأنه وعن مدى أخلاقيته، إذ اعتبره كثيرون "أمراً غير قانوني بصورة قطعية"! وأطلق عليه الاسم هنيبعل تيمّناً بالقائد العسكري القرطاجي، الذي يُنسَب إليه اختراع تكتيكات حربية عديدة في المعارك، ولكن الذي اشتهر بالأساس لكونه فضّل الانتحار بتجرّع السمّ على أن يُسَلّم نفسه للرومان ويقع أسيراً بقبضتهم. ويقتضي تطبيق هذا البروتوكول القيام بكل ما يمكن فعله لإحباط عملية الاختطاف، ومن ضمن ذلك إطلاق نيران على الخاطفين قد تصيب الجنود الأسرى أيضاً.

ووفقاً للرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، شلومو غزيت، الوصف الملائم لتفسير هذا البروتوكول بكلام غير دبلوماسي هو "الجندي القتيل خير من الجندي الأسير". وتكمن أهميته في الردّ الفوري للقوة العسكرية المنتشرة في مكان الحادثة، ويرتكز على فرضية أن كل تأخير في الردّ يُفضي إلى أمر واقع، وإلى عدم القدرة على إحباط عملية الأسر. وهذا ما يفسّر أيضاً، بموجب البروتوكول، نقل صلاحية الردّ من القيادة إلى الوحدة العسكرية في مكان الحادثة، وأحياناً تطبيق قائد ميداني لا يحمل رتبة ضابط البروتوكول.

ومنذ تطبيقه، ثمّة تأكيدات (تتأكد هذه الأيام أيضاً)، على أن هذا البروتوكول ينطوي على جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية، تعطي الأولوية للدولة على الفرد، وأنه إذا كان الفرد المستعد لأن يعرّض حياته للخطر دفاعاً عن الدولة يفعل ذلك وهو يعلم أن الدولة ستفعل كل ما في وسعها لإعادته حيّاً، وأنها لن توجّه سلاحها نحوه، فإن الظروف الآن لا يمكن معها تبنّي مثل هذا التفكير بعيداً عن الواقع شديد الدموية والقسوة، ليس بحقّ الإنسان الفلسطينيّ فقط.

التعليقات