22/02/2024 - 15:49

بيوت غزة التي نجت من الدمار نهبت من جنود الاحتلال

لا نجد غرابة في أن الجيش الذي يزرع الموت والدمار وتلقي عمليات التدمير والتهجير التي يقوم بها بملايين البشر في العراء، يقوم بعمليات سرقة ونهب وسطو على البيوت والعبث بمحتوياتها وحمل ما خف حمله وتخريب ما تبقى.

بيوت غزة التي نجت من الدمار نهبت من جنود الاحتلال

آثار القصف الإسرائيلي على غزة (Getty Images)

لا شك أن تصويت 99 عضو كنيست ضد إقامة دولة فلسطينية، ليس أنه يعكس إجماعا إسرائيليا واسعا على رفض الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في تقرير المصير على أي جزء من أرضه فقط، بل هو يسقط أي رهان على معارضة إسرائيلية مناوئة لنهج نتنياهو السياسي وحكومته اليمينية بما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، ويؤكد أن هذه المعارضة إذا وجدت فإنها تنحصر في القضايا الداخلية التي كانت سببا في تفجير الأوضاع الإسرائيلية قبل الحرب، والمرتبطة بالإصلاح القضائي وقضايا الفساد وملفات نتنياهو الجنائية فقط.

وكي لا نتوقف كثيرا عند تفاصيل التصويت وحيثياته، يكفي الإشارة إلى أن قرار الكنيست لم يأت ردا على "خطر" فلسطيني أو دولي "داهم" "يهدد" بإقامة مثل هذه الدولة "عنوة" على الأراضي التي خصصت للدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم عام 1947 أو جزء منها، ولا على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 أو جزء منها، بل هو رد على محاولة الرئيس الأميركي، جو بايدن الذي، ما زال يشارك بكل جهد أميركي مستطاع في حرب الإبادة على غزة، وهي محاولة جاهدة أيضا لتوظيف ثمارها في عملية تطبيع بين إسرائيل والسعودية، مقابل دفع ضريبة كلامية حول إقامة دولة فلسطينية تحفظ للأخيرة ماء وجهها.

بمعنى أن إسرائيل ترفض حتى هذه الضريبة الكلامية التي تحفظ القليل من ماء الوجه لحكام السعودية وغيرهم من الحكام العرب، رغم عدم تخليهم عن التطبيع معها حتى بعد الحرب المدمرة على غزة، أما المضحك المبكي فهو موقف زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، الذي صوت أعضاء حزبه مع القرار رغم تأكده، كما قال، بأن الموضوع غير مطروح على الطاولة، وأنه بمثابة خدمة صافية لنتنياهو، لكنه لم يشأ أن يسجل ضده التصويت ضد قرار رافض لإقامة دولة فلسطينية.

في هذا الإطار، أيضا، يندرج تهديد بيني غانتس بأن شهر رمضان لن يكون رادعا أمام الجيش الإسرائيلي من القيام بعمليته العسكرية في رفح، في حال لم يتم التوصل لصفقة لإطلاق سراح الأسرى حتى ذلك الحين، إنه إطار التنافس على التطرف العدواني ضد الشعب الفلسطيني الذي يستوي فيه الجنرال "العقلاني" العلماني مع المتطرف الاستيطاني المتدين (سموتريتش) حتى وهو يختلف معه حول تصريحه المتعلق بالأسرى.

ويبدو أن غانتس لم يقرأ رسالة زميله آيزنكوت التي بعثها إلى مجلس الحرب، والتي سخر فيها من مصطلح "النصر المطلق"، وأشار فيها إلى تعثر تحقيق أهداف الحرب محذرا من تداعيات ذلك على الوضع الإستراتيجي لإسرائيل، وفي هذا السياق كتب الجنرال المتقاعد، يتسحاك بريك، أن عملية عسكرية في رفح ستكون كارثة وهي من ناحية لن تؤدي إلى تقويض حماس ومن ناحية ثانية ستضع إسرائيل في وضع أمني أصعب بعشرات المرات مما هو عليه الآن، ناهيك عن أنها ستفضي إلى خسارة الأسرى الإسرائيليين.

بريك يقول إن عملية عسكرية في رفح ستؤدي إلى المس بالمناعة السياسية والأمنية والقومية لإسرائيل والمس بعلاقاتها مع دول العالم، كما أنها ستفضي إلى تدهور وضعها الاقتصادي والأمني ومكانتها الدولية لفترة طويلة.

وفي غياب إمكانية حقيقية لتحقيق أهداف الحرب تنضم أعمال النهب والسطو والسرقة والعبث بمحتويات البيوت الفلسطينية التي يدخلها جنود الاحتلال، إلى عمليات القتل والتدمير والتهجير كجزء من عملية الانتقام الشاملة التي تطغى على الحرب ضد غزة، وفي السياق يكتب الباحث العسكري يغيل ليفي، أن أعمال النهب التي يقوم بها الجنود هي بمثابة انتقام اقتصادي، وهي تترافق مع هدم الأملاك وحرق البيوت دون حاجة، وهي تعكس محاولة إلغاء إنسانية العدو وشرعنة بالنبش بأغراضه الشخصية حتى الأكثر خصوصية واختيار الأشياء التي يمكن أخذها (سرقتها) منها.

ويضيف الكاتب أن عملية المس بالممتلكات الخاصة هي بمثابة إعطاء رخصة للفرضية التي تقف في مركز هذه الحرب وهي عدم وجود أبرياء في غزة، ولذلك يمكن المس بالمواطنين حتى بعد هروبهم، وهو ما يشير إلى أن عمليات النهب لا تعتبر خروجا عن المعركة بل هي استمرار لحرب الانتقام بطرق رمادية، من هنا فإن صيانتها هي جزء من الحفاظ على الروح القتالية، ولذلك تتردد القيادة في القضاء عليها.

ومن جهتنا لا نجد غرابة في أن الجيش الذي يزرع الموت والدمار وتلقي عمليات التدمير والتهجير التي يقوم بها بملايين البشر في العراء، يقوم بعمليات سرقة ونهب وسطو على البيوت والعبث بمحتوياتها وحمل ما خف حمله وتخريب ما تبقى، لأن السقوط الأخلاقي ليس له قاع.

التعليقات