المؤسّسات المحليّة في قرية إجزم المهجّرة

في العهد العثماني ساد في فلسطين نظام المخترة. من أشهر المخاتير في إجزم كان مسعود الماضي الذي لا يزال ديوانه الفخم قائمًا حتى يومنا هذا. أما في عهد الانتداب البريطاني، فقد تم تحويل المخترة إلى مجلس محلي...

المؤسّسات المحليّة في قرية إجزم المهجّرة

جامع القرية (المصدر: موقع فلسطين في الذاكرة)

تقع قرية إجزم في القسم الغربي من جبل الكرمل، على بعد 19 كم جنوبي حيفا. في شرقها يقع جبل الماقورة، وفي غربها جبل المغير، وفي شمالها الشرقي سهل يسمى وادي الحمام، وفي شمالها يمر واد يصب في البحر الأبيض المتوسط يدعى وادي المغارة. وهي واحدة من قرى مثلث الكرمل: إجزم-جبع -عين غزال.

كانت إجزم ثاني أكبر قرية في قضاء حيفا حيث بلغت مساحة أراضي إجزم 46905 دونمات. أما عدد سكانها فكان في عام 1913م 1377 نسمة، وفي سنة 1922(1610) نسمة. في عام 1945 ارتفع العدد إلى 2970 نسمة منهم 2830 مسلمًا 140 مسيحيًا.

1. إنشاء أول مجلس محلي:

في العهد العثماني ساد في فلسطين نظام المخترة. من أشهر المخاتير في إجزم كان مسعود الماضي الذي لا يزال ديوانه الفخم قائمًا حتى يومنا هذا. أما في عهد الانتداب البريطاني، فقد تم تحويل المخترة إلى مجلس محلي. في 27 آذار سنة 1922 أصدر المندوب السامي البريطاني، هربرت صموئيل، أمرًا بتأليف مجلس محلي منتخب مكون من رئيس ونائب رئيس وعشرة أعضاء يمثلون مجموع العائلات التي تسكن في القرية. وفيما يلي نص الأمر المذكور:

قانون المجالس المحلية لسنة 1921

أمر

1. قد صدر بناء على توصية حاكم مقاطعة فينيقيا (المقاطعة الشمالية) بتأسيس مجلس محلي في قرية إجزم.

2. يتألف المجلس من رئيس ونائب رئيس وعشرة أعضاء ينتخبون حسب الشروط التالية:

أ) يجب على المجموعة الانتخابية المشكلة أن تكون ممثلة ل 21 عائلة موجودة في القرية. وسينتخب من بينهم 12 عضوًا للمجلس. على العضو أن يضع كفالة لدى الحاكم بمبلغ 100 جنيه فلسطيني، أو ممتلكات بهذا المقدار.

ب) يمكن لحاكم المقاطعة تعيين رئيس ونائب رئيس من بين 12 عضو المنتخبين، أو يخول صلاحية التعيين للأعضاء المذكورين.

ج) الرئيس ونائب الرئيس والأعضاء يحتفظون بمراتبهم لمدة لا تتجاوز سنتين ولكن لهم الحق في إعادة انتخابهم من جديد.

3. يحق للمجلس أن يصدر أنظمة لحفظ النظافة والنظام، ويجب أن تعرض هذه الأنظمة على الحاكم لمصادقته ولا يسري فعلها إلا بعد الموافقة عليها. تطبيق هذه الأنظمة يجب أن يراعي ظروف القرية. كل من خالف هذه الأنظمة يعاقب كما لو خالف أنظمة البلدية.

4. يحق للمجلس أن يعمل كهيئة تحكيم في النزاعات المدنية الصغيرة التي تنشأ في القرية بشرط موافقة جميع الأطراف مسبقًا.

5. يجب على المجلس أن ينظم ميزانية سنوية بإيراداته ومصروفاته ويعرضها على الحاكم لمصادقتها.

6. يحق للمجلس أن يفرض الرسوم والفرائض التالية ضمن حدود القرية:

1. رسم ذبح حيوانات بالمعدل الذي ينص عليه قانون ضرائب البلدية المعمول به من وقت لآخر.

2. رسم على بيع الحيوانات بالمعدل الذي ينص عليه قانون ضرائب البلدية المعمول به من وقت لآخر.

3. من أجل إزالة القمامة، والاهتمام بالتربية والتعليم تفرض على كل من يقطن القرية أن يدفع شهريًا غرشًا ونصف الغرش.

يفرض دفع غرشين عن كل ثور، بقرة، بغل، جمل وحمار المستعملة في الزراعة.

7. تشمل صلاحية المجلس جميع أراضي القرية.

هربرت صموئيل

المندوب السامي

إلغاء المجلس المحلي:

في 23 نيسان 1932 بعد مرور عشر سنوات قام المندوب السامي البريطاني بإلغاء المجالس المحلية في إجزم والطنطورة بأمر واحد هذا نصّه:

قانون المجالس المحلية لسنة 1921

أمر من المندوب السامي أ. ج واكوب

قد أمر المندوب السامي بأن المجالس المحلية التي أُقيمت في قريتي إجزم والطنطورة

في لواء حيفا في المقاطعة الشمالية سيتم إلغاؤها.

الأمر المؤرخ في 27 آذار ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 أيار 1922 بشأن إقامة مجلس محلي في إجزم، والأمر المنشور في الصفحة 350 من الجريدة الرسمية الصادرة في 15 أكتوبر 1923 بشأن إقامة مجلس محلي في الطنطورة تم إلغاؤهما.

بأمر من فخامته

م. أ. يونغ

رئيس السكرتارية

في الأول من نيسان 1932

أسباب إلغاء المجلس المحلي:

لفهم الأسباب التي أدت إلى الإلغاء المذكور أعلاه نتوجه إلى الصحف التي نشرت أخبارًا عن حوادث جرت في الطنطورة وإجزم.

- في 27 نيسان 1930 أثناء شجار وقع في الطنطورة عثر لدى عربي على بندقية صيد غير مرخصة، فتم القبض عليه وصودرت البندقية. (جريدة دافار)

- في 27 آب 1931 وقع في المساء شجار عمومي في قرية إجزم جرح فيه عدد من المتشاجرين. وكانت الشجارات قد تكررت في الآونة الأخيرة ما دعا مساعد حاكم اللواء أندراوس إلى إحضار 10 من زعماء القرية، وحكم على كل واحد منهم دفع كفالة مالية قدرها 150 جنيهًا فلسطينيًا. (جريدة دؤار هايوم)

- في 29 آب 1931 فرض مساعد حاكم اللواء كذلك على سعيد صالح العمر بتقديم كفالتين معتبرتين ب 150 جنيهًا فلسطينيًا لمده سنة ضمانًا لحسن سلوكه كرفاقه. وقد أثنى مراسل جريدة فلسطين على مساعي مساعد حاكم اللواء على مساعيه لوضع حد للفساد في قرية إجزم، ودعا الفلاحين أن يُدركوا الأخطار التي تهددهم في وطنهم ولا خير فيمن يطلب الزعامة عن طريق إيجاد الخصام بين العائلة الواحدة والوطن الواحد.

هذه الأخبار تدل على أن أسباب الشجارات في الطنطورة وإجزم كانت مرتبطة بالبحث عن الزعامة، والتنافس الشديد في الانتخابات ما أدى إلى قرار إلغاء المجلسين.

2. بناء المدرسة في إحزم:

في عام 1236ﻫ/1821 بنى الشيخ مسعود الماضي جامعًا في قرية إجزم. احتوى المبنى كذلك على ثلاث غرف استخدمت ككتّاب لتعليم القرآن الكريم والقراءة والكتابة. بقي الكتاب يعمل حتى تم تهجير السكان في عام النكبة. في الأربعينيات من القرن الماضي كان إمام المسجد الشيخ محمد الخديش، بينما كان المعلم في الكتاب الشيخ توفيق البجيرمي.

مدرسة إجزم (تصوير: دارين طاطور، موقع فلسطين في الذاكرة)

في عام 1298ﻫ/1880 زمن الدولة العثمانية تأسست أول مدرسة رسمية للبنين في إجزم حيث تعلم فيها التلاميذ الذين أنهوا التعليم في الكتاب. لكن تم إغلاق هذه المدرسة من سنة 1927 حتى عام 1940 وذلك عقب اعتداء بعض أهل البلد على معلم نصراني، فصار التلاميذ يتعلمون في مدرسة قرية جبع المجاورة. في عام 1935-1937 قامت حكومة الانتداب بوضع الخطط لبناء مدرسة حديثة في إجزم ولكن الأمر لم يخرج إلى حيز التنفيذ. في السنة الدراسية 1942-1943 فتحت مدرسة في إجزم وكانت للصف الرابع. في الأربعينيات من القرن الماضي تأسست في الحارة الفوقا مدرسة للبنات في مبنى المدرسة القديم. في سنة 1945 بدأوا ببناء مدرسة حديثة عصرية، وانتقل التلاميذ إليها في بداية السنة الدراسية 1946/1947، وكانت للصف السابع، ولا يزال المبنى قائمًا لكنه حوّل إلى كنيس يهودي.

3. الجامع في إجزم:

بنى هذا الجامع الشيخ مسعود الماضي في قرية إجزم، وقد كتبت على مدخله الأبيات الشعرية التالية:

جمع البها بجامع جمعت به- أنوار ذكر الله فادخل واحتسب

وانظر لنضرة روضه كم قد حوت-من راكع يرج الثواب ويرتقب

مسعود شاد فأجزلن ثوابه- أرّخ صفاك بسر واسجد واقترب

بناء على حساب الجمل يكون تاريخ البناء سنة 1236ھ/1821م.

يعتقد فون مولينن الذي زار الجامع في بداية القرن الماضي أن مسعود الماضي لم يبن الجامع، وإنما رممه وذلك لوجود زخارف قديمة فوق الكتابة، قسم من المبنى كان بيتًا للصلاة والقسم الآخر كُتّابًا لتدريس التلاميذ. إن معظم من كتبوا عن الجامع في عهدنا لم يدخلوه، وإنما داروا حوله. لذلك فإن وصفهم له مبتسر...! في كتاب وقف مسعود الماضي وصف كامل لجامع قرية إجزم وقبابه الثلاث وكُتَّابه ومرافقه، ووجوه صرف أموال الوقف على خطيب الجامع والمدرس والمؤذن...إلخ. دُعي المكان في البداية مسجدًا، فلما عَيَّنَ مسعود الماضي له خطيبًا ومؤذنًا، وصارت تُقام فيه صلاة الجمعة أصبح جامعًا، وعليه يجب التدقيق في ذلك. قسم من ريع الوقف خصص لجامع قرية إجزم، وقسم خصص لجامع قرية جبع المجاورة الذي بناه الشيخ مسعود الماضي، بينما خصصت حصة الأسد لدار عكا للفقراء.

(هذه المقالة عن روح الكاتب والصحافي هاشم حمدان- تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته)

التعليقات