يُصادف في 24 نيسان من هذا العام الذكرى 110 للإبادة الجماعية الأرمنية على يد الأتراك العثمانيين ما بين عامي 1915 و1916، وحدث ذلك خلال حملة الترحيل والقتل الجماعي التي نفّذتها حكومة "تركيا الفتاة" ضد الرعايا الأرمن في الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918). ولقد تم ذبح وقتل مليون ونصف المليون أرمني أو ماتوا أثناء المسيرات والتهجير إلى الصحراء السورية. وقد شهد ووثّق عدد من الصحفيين الأجانب والمبشّرين والدبلوماسيين والضباط العسكريين الألمان أحداث عامي 1915 و1916، فأرسلوا تقارير إلى أوطانهم عن القتل الجماعي ومسيرات الموت. وبحلول نهاية الحرب العالمية الأولى، كان أكثر من 90 بالمئة من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية قد رحلوا (اختفوا) من تركيا.
ولعدة قرون، كانت هضبة شرق الأناضول الجبلية الكبرى (التي تُسمّى حاليًّا تركيا الشرقية أو أرمينيا الغربية) مأهولة بالأرمن بشكل رئيسي. وفي بداية القرن العشرين، كان هناك حوالي 2.5 مليون أرمني يعيشون في الإمبراطورية العثمانية، يتركز معظمهم في المقاطعات الست في شرق الأناضول. وبحلول نهاية الحرب العالمية الأولى، اختفى أو رُحّل أكثر من 90% من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية من تركيا.
تُعرَّف الإبادة الجماعية بأنّها فعل يُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًّا أو جزئيًّا. وصاغ المحامي البولندي اليهودي رافائيل ليمكين مصطلح "الإبادة الجماعية" عام 1944. وكان ليمكين يهدف من خلال صياغته لهذا المصطلح إلى تعريف جريمة القتل الجماعي لمجموعات من الناس بشكل أوضح، وزيادة الوعي بها.
واطّلع ليمكين على الإبادة الجماعية العثمانية للشعب الأرمني خلال الحرب العالمية الأولى، وانزعج بشدّة من غياب الأحكام الدولية التي تُوجّه الاتهامات وتُعاقب المسؤولين عن تنظيمها وتنفيذها.
وعرّف ليمكين مفهوم الإبادة الجماعية استنادًا إلى حملات الإبادة المختلفة التي شنّتها ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945) في محاولة للقضاء على جماعات عرقية بأكملها، بما في ذلك اليهود في المحرقة (الهولوكوست).
وأصبحت الإبادة الجماعية جريمةً بحد ذاتها بعد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، نتيجةً لأحداث الهولوكوست. ودخلت الاتفاقية حيّز النفاذ في 12 كانون الثاني/يناير 1951. وكما تُعرّف الاتفاقية أفعالًا مختلفة كأفعال إبادة جماعية، بما في ذلك:
- قتل أعضاء جماعة.
- إلحاق أذىً جسديًّا أو نفسيًّا جسيمًا بأعضاء الجماعة.
- فرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة بهدف تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا.
- فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة.
- نقل أطفال الجماعة قسرًا إلى جماعة أخرى.
منذ قيام دولة إسرائيل، سعى الأرمن في إسرائيل بشكل خاص، وفي جميع أنحاء العالم بشكل عام، إلى إقناع الحكومة الإسرائيلية بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، بينما كان اليهود في جميع أنحاء العالم يعملون ضد الاعتراف بهذه الإبادة الجماعية، وعملوا بشكل خاص بجدّ لثني الولايات المتحدة عن الاعتراف رسميًّا بهذه الإبادة للأرمن على أنّها إبادة جماعية.
ومن المفارقات، أنّه في عام 1939، بعد الغزو الألماني لبولندا، فرّ المحامي اليهودي رافائيل ليمكين من بولندا إلى ليتوانيا وصولًا إلى السويد. وبمساعدة زميله قبل الحرب، ماكديرموت، حصل ليمكين على إذن لدخول الولايات المتحدة، ووصل إليها عام 1941، حيث أصبح أكاديميًّا في جامعاتها، ومنح الجنسية الأميركية.
بينما في عام 1951، استشهدت وزارة الخارجية الأميركية بمصير ضحايا الإبادة الجماعية الأرمنية كمثال على الإبادة الجماعية في بيان مكتوب إلى محكمة العدل الدولية، جاء فيه: "إنّ الاضطهاد الروماني للمسيحيين، والمذابح التركية للأرمن، وإبادة ملايين اليهود والبولنديين على يد النازيين هي أمثلة بارزة على جريمة الإبادة الجماعية". اعترفت الولايات المتحدة رسميًّا بهذه الإبادة الجماعية في عام 2020.
ولأسباب عديدة، لم تعترف إسرائيل بالإبادة الجماعية الأرمنية. والسبب الأهم وراء هذا التردد في الاعتراف بهذه الإبادة الجماعية هو أنّ إسرائيل تريد اعتبار الشعب اليهودي هو الضحية الوحيدة للإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم (احتكار الإبادة الجماعية)، وذلك لكسب العطف العالمي. أما السبب الثاني المهم، فهو أنّ إسرائيل تبتز تركيا وتهدّدها بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن إذا حاولت الأخيرة العمل ضد المصالح الإسرائيلية.
ولكون الشعب اليهودي ضحية الهولوكوست، يتحتم على إسرائيل دعم الشعب الأرمني والاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية، وعدم العمل في المحافل الدولية ضد الاعتراف بهذه الإبادة، وذلك لأسباب أخلاقية ومبدئية. إذ تعرّض الشعب اليهودي للإبادة الجماعية على يد النازيين، كما تعرّض الأرمن للإبادة الجماعية على يد العثمانيين. وقد اعترفت جمهورية أرمينيا بالهولوكوست، وأقامت نصبًا تذكاريًّا في العاصمة الأرمنية يريفان لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية اليهودية والأرمنية.
اقرأ/ي أيضًا | وثائق: إسرائيل بذلت جهودا لمنع إثارة موضوع الإبادة الأرمنية
وأنا، ابن أحد الناجين من الإبادة الجماعية الأرمنية، أشعر بالحزن والألم عندما أرى وأشهد شعبًا تعرّض أجداده وآباؤه للهولوكوست، يرتكب الآن إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة الغربية.
التعليقات