التوازن بين القومي والمدني.. ركيزة المشروع الوطني

على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، كان واضحًا من أول يوم أن ارتفاع المشتركة إلى 15 نائبا منع نتنياهو عمليًا من تشكيل الحكومة القادمة، أي أنه فعليا وبفضل المشتركة قام الجسم المانع. لا شأن للتوصية بالمرة، ولا تأثير لها على التشكيل

التوازن بين القومي والمدني.. ركيزة المشروع الوطني

مثير للدهشة، كم البلبلة والتشويش الذي يسيطر على النقاش السياسي بخصوص توصية المشتركة بتكليف بيني غانتس لتشكيل الحكومة، والتي تختلف عن موديل 2019، بأنها جرت فعليًا بإجماع مركبات المشتركة، أي بموافقة ولو ضمنية من التجمع الوطني الديموقراطي، الذي كان قد انفرد بمعارضتها بعد انتخابات أيلول/ سبتمبر 2019.

العجيب هو التوافق الحاصل عبر الشبكات الاجتماعية بين الداعين مبدئيًا لمقاطعة انتخابات الكنيست، وبين أولئك الذين يرون في المشاركة بالانتخابات قضية موت أو حياة لوجودهم السياسي، وعلى أنها أهم وسيلة للتأثير وتحصيل الحقوق، خصوصًا المدنية. فقد اتفق الطرفان، كما يبدو، أن المشاركة في "اللعبة السياسية" الإسرائيلية تعني بالضرورة أنه لا يوجد خطوط حمراء، ولا قواعد أو محاذير، لا يمكن تجاوزها بضمن هذه اللعبة السياسية، بمعنى أن من يقبل بدخول الكنيست عليه استباحة "المحذورات" الوطنية والانصياع التام للعبة البرلمانية، وهذا ليس صحيحًا.

إتقان الربط والتوازن الإستراتيجي بين القومي والمدني

لقد قام كل مشروع التجمع الوطني الديموقراطي الذي أحدث انقلابا في التسعينيات في الخطاب السياسي عند فلسطينيي الداخل، على إمكانية الربط والتوفيق بين القومي والمدني والمصالحة بين الوطن والمواطنة، وإمكانية إقامة توازن إستراتيجي بينهما.

كتبنا عن ذلك الكثير في أدبيات التجمع خلال العقدين الماضيين، وكنا حريصين دائمًا على التحذير من إمكانية الإخلال بهذا التوازن الاستراتيجي والدقيق في الوقت ذاته، سواء باتجاه المواطنة والحقوق المدنية، مما سيتطور لأسرلة جارفة واندماج وتهميش ذاتي وفقدان تدريجي للانتماء والهوية؛ أو من جهة أخرى، الإيغال في القومي على حساب المواطنة المتساوية، وعمليًا الانعزال ودفن الرأس في الرمل، والتنازل بالواقع عن حقوق مدنية مستحقة وموروثة للشعب الأصلاني في هذه البلاد.

أسس مشروع التجمع لخطاب جديد يتلخص في الجمع والربط بين مواطنة كاملة في دولة لكل مواطنيها، وحقوق قومية جامعة للأقلية القومية الأصلانية. يقول هذا المشروع للعربي الفلسطيني الذي يعيش تحت المواطنة الإسرائيلية، وفي ظروف استعمار مستمر، إنه بوسعك أن تناضل لكي تكون مواطنًا كامل الحقوق دون التنازل عن كونك تنتمي لجماعة قومية أصلانية، لها حقوقها الجمعية كصاحبة الوطن وكشريكة كاملة فيه، وهذا بحد ذاته حق أساسي لك.

ماذا نعني بإتقان الربط بين القومي والمدني، وكيف نحافظ على التوازن الدقيق بينهما؟ لنأخذ من الموضوع السياسي الخلافي المركزي، وهو العمل والتمثيل البرلماني من خلال المشاركة السياسية كمثال لتوضيح الموضوع.

هل وصول العربي للبرلمان كنائب يعني بالضرورة أنه يصبح كأي نائب يهودي؟ هل يستطيع مثلًا أن يمثل الكنيست من خلال المشاركة ببعثات رسمية للخارج؟ أم أن من واجبه الامتناع عن ذلك؟ هل يقف عند إنشاد "هتكفا"، أو ينسجم في تعامله مع باقي رموز الدولة؟ هل يمكنه مثلًا أن يكون عضوًا في لجنة "استيعاب الهجرة"، التي تبحث في جلب اليهود من أنحاء العالم حسب قانون العودة، ومنحهم الامتيازات على حساب السكان الأصليين؟ هل على النائب العربي أن يقبل أن يكون نائبًا لرئيس الكنيست، وهو منصب تمثيلي بامتياز؟ أو أن يشارك مثلا في فريق كرة القدم للكنيست ويلبس زي الفريق مع الرموز الصهيونية، ويأخذ الصور مع أقرانه اللاعبين ومنهم العنصريون والفاشيون؟ هل يستطيع النائب العربي أن يقول "نحن" ويقصد النواب العرب واليهود أو الكنيست ككل. ألا يعيدنا منطق أن المشاركة في اللعبة السياسية تعني الاندماج في اللعبة حتى النهاية، ومن دون أي ضوابط بحجة التأثير والإنجازات إلى مربع شرعية الوجود العربي داخل الأحزاب الصهيونية؟ ألا يصبح شرعيًا أن تطالب المشتركة اليوم مثلا أن تترأس وفودا تمثل الكنيست في مؤتمرات دولية ؟ أو أن تزيد حصتها من عدد نواب رئيس الكنيست (وهو مطلب أتوقع أنه سيوضع على الطاولة، على الأرجح)؟

ودعونا نتساءل، ماذا لو جرى تغيير "طفيف" في نص القسم عند أداء القسم للنواب، لكي يصبح رسميًا حسب القانون: أقسم بالولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية. فهل يقسم النواب الولاء للدولة اليهودية بحجة أن هذا شيء ثانوي وشكلي ولا يعني شيئا جوهريًا، وأن الأهم هو دخول الكنيست للتأثير من داخلها؟! إلى أي مدى من التهميش الذاتي وفقدان الكرامة الوطنية وعزة النفس قد نصل، كل ذلك بحجة التأثير وجلب المكاسب.

يظل السؤال الفاصل، الذي تفرز الإجابة عليه بين الأشياء ويوضحها، هو ماذا نريد من الكنيست؟ ولماذا نشارك في اللعبة السياسية؟ وهنا بيت القصيد.

داخل المشتركة، وبغض النظر عن موضوع إسقاط نتنياهو ومنعه من إعادة تشكيل حكومة عنصرية وفاشية، هناك من يسعى للاندماج والتأثير والحصول على "حصة من الكعكة" بكل ثمن، وهو يؤمن أنه يحقق بهذا هدفًا إستراتيجيًا إضافيًا، وهو الحصول على اعتراف المنظومة السياسية الإسرائيلية – الصهيونية، أو جزء منها بشرعية الوجود السياسي العربي في البرلمان، بعد أن وضعها اليمين الفاشي موضع سؤال في السنوات الأخيرة. وإذا نشأت الفرصة لذلك، فهو على استعداد لأن يوصي على الشيطان وليس على غانتس فقط، في سبيل تحقيق مآربه، والحجة جاهزة بأن هذا ما يريده الشارع.

في الوقت ذاته، كان هناك في المشتركة من يرى المشاركة في اللعبة السياسية البرلمانية ودخول الكنيست ساحة للنضال وللدفاع عن حقوقنا المدنية والقومية، كجزء من الشعب الفلسطيني الذي يعاني حتى اليوم من سياسة استعمارية إقصائية تحت المواطنة الإسرائيلية، وأن الكنيست هي وسيلة، وليست غايةً بحد ذاتها، تستخدمها الحركة الوطنية لحمل هموم الناس المعيشية وتسيسها، وبناء وتنظيم المؤسسات المجتمعية الجامعة، وفي أقله من أجل إيصال مطالبنا وقضايانا للإعلام الإسرائيلي والعالمي. من الواضح أن الأكثرية في المشتركة تؤيد الاندماج وتحقيق المكاسب مهما كان الثمن، فهل يعني هذا وبحجة الحفاظ على المشتركة، أن يخضع أصحاب الموقف الثاني لرأي الأكثرية؟ وهل هذه قضية آراء واجتهادات أم قضية مبدئية مركزية لا مساومة فيها؟

نعود لموضوع التوازن الإستراتيجي بين المدني والقومي؛ فمن الواضح أن تحقيق هذا التوازن ليس بالأمر اليسير ولا هو مفهوم ضمنا، ولا يوجد هناك كتاب إرشادات مع معادلات جاهزة لكيفية تحقيقه، وهذا يحمل القيادة السياسية (للتجمع في هذه الحالة) مسؤولية ضمان هذا التوازن في كل مرحلة، وتحت أي ظرف، وعندما يرتكب خطأ (وترتكب الأخطاء أحيانًا)، على القيادة إعادة حساباتها والاعتراف بالخطأ، وشرح وجهة نظرها حتى لو كانت معاكسة لتيار شعبوي منافس من جهة، أو لميل طبيعي عند الناس (ما يحب البعض تسميته الشارع) بتفضيل تكتيكات تؤدي، ولو وهميًا، إلى تحقيق مكاسب سريعة.

هذا يتطلب قيادة مبدئية وشجاعة، وذات عمود فقري لتقود وتؤثر بوعي الناس وتوجهاتهم السياسية، ومواجهة الخطاب الشعبوي والانتهازي، وللاعتراف بالخطأ وتصحيحه عند اللزوم، ومصارحة الناس واحترام عقولها، ليس بالهروب للأمام ولا بقطف الرأس، وإنما بخوض النقاش ومواجهة النقد والتحريض أحيانًا بكل شجاعة وثقة بالنفس، والقناعة بأن صحة هذا النهج وهذا الموقف ستتضح بسرعة.

ولنا في ما حدث بعد انتخابات أيلول/ سبتمبر 2019 ورفض التوصية بتكليف غانتس من قبل التجمع، بينما هرول الآخرون لتقديمها مجانًا، عبرة لا تُنسى. والأحرى بحزب يتبوأ دورًا مركزيًا في الحركة الوطنية، أن يكون طليعيًا ومجابهًا في طرحه وفي رؤيته للمصالح الفلسطينية في الداخل. هذا هو الدور الذي قام به التجمع في السنوات الأولى بعد تأسيسه في تسعينيات القرن الماضي، عندما واجه تيار الأسرلة الجارف بعد اتفاق أوسلو الذي عارضه التجمع، رغم التأييد شبه الشامل له فلسطينيًا، ورغم رياح الأمل والتفاؤل بأن ها هو السلام قد حل. ووقف التجمع ضد التيار وعوده لا يزال غضا طريا. وهذا ما فعله التجمع قبل أشهر عندما عارض التوصية على غانتس، وثابر في موقفه هذا رغم عدم شعبية ذلك، وسرعان ما ثبت صحة هذا الموقف. فماذا حدث؟

مرحلة النكوص والتراجع عن مضمون وروح الوثائق القومية ("وثيقة حيفا" و"التصور المستقبلي")

نشهد منذ منتصف العقد الماضي تغييرا مستمرا باتجاه التراجع عن مضمون وروح الخطاب الوطني، الذي تعزز بعد انتفاضة القدس والأقصى، والذي توج بصدور الوثائق التي صاغت روايتنا وخطابنا الوطني كأقلية وطن. أقول إن التراجع ليس فقط في المضمون، وإنما في الروح التي حملت ذلك المضمون، الذي عكس إجماعًا وطنيًا خصوصًا في ما يتعلق بعلاقتنا بالدولة ومؤسساتها وقوانينها. لنقرأ هذه الفقرة في "وثيقة حيفا"، ولنقارنها مع المفردات التي استخدمت في الحملات الانتخابية الأخيرة:

"إن حل الدولة الديمقراطية المؤسَّسة على المساواة بين المجموعتين القوميتين – اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين في إسرائيل – هو الحل الذي يضمن حقوق المجموعتين على نحو عادل ومتساو. ويحتم ذلك تغيير المبنى الدستوري، وتغيير تعريف دولة إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة ديمقراطية تتأسس على المساواة القومية والمدنية بين المجموعتين القوميتين، وإرساء أسس العدالة والمساواة بين كافة مواطنيها وسكانها. ويعني ذلك، فعليًا، إلغاء جميع القوانين التي تميز، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على أساس قومي أو إثني أو ديني، وعلى رأسها قوانين الهجرة والمواطَنة، وسن قوانين ترتكز على مبادئ العدل والمساواة ومنع التمييز، وتطبيق المساواة بين اللغتين العربية والعبرية كلغتين رسميتين متساويتي المكانة في البلاد، وتأمين مبدأ التعددية الثقافية لجميع المجموعات، والمشاركة الفعلية للأقلية الفلسطينية في الحكم وفي اتخاذ القرارات، وتأمين حق الفيتو في جميع الأمور التي تمس بمكانة وحقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وضمان حقهم في إدارة ثقافية مستقلة، تكفل حقهم في وضع سياسات شؤونهم الثقافية والتعليمية وإدارتها وصياغة مضامينها، وتوزيع الموارد وفقًا لمبادئ العدل التوزيعي والتصحيحي. هذه المبادئ تكفل حق تقرير مصيرنا كأقلية وطن".

مراجعة فقرات أخرى من الوثيقتين، تظهر بوضوح حجم ابتعاد الخطاب والممارسات التي انتهجتها القائمة المشتركة في السنوات الأخيرة، عن مضمون وروح هذه الوثائق، وكيف تم تهجين خطابنا روحًا وممارسةً، لنعود إلى الملعب الاسرائيلي ولنلعب بأدواته ومفاهيمه وحتى بمصطلحاته مع الأسف، وأصبح أمرًا عاديًا ومقبولا وضع القائمة المشتركة في معسكر اليمين - الوسط الإسرائيلي، فقط لأنه "ضد نتنياهو".

للدقة والنزاهة الموضوعية، يجدر التنويه بأن هذا التوجه بدأ يلوح، ومن ثم يزداد قوة وحضورًا، منذ خطوات المشتركة الأولى عام 2015، وقد نوه نواب التجمع حينها بذلك، وكتبتُ شخصيًا محذرًا ومنتقدًا في أكثر من مقال، من خطورة خفض سقف أداء ومطالب المشتركة، بعد أنه كان من الطبيعي أن يرتفع هذا السقف مع توحد الأحزاب العربية في قائمة عربية، وزيادة عدد المقاعد إلى 13 مقعدًا.

لقد استنكرت في حينه التصرفات الفردية لقياديين في المشتركة، والتنافس على البروز الإعلامي وعلى تحقيق بعض فتات الإنجازات (ومن له علاقة أفضل مع درعي أو كحلون، ويستطيع بسرعة تعيين موعد للاجتماع بهما، وحتى مع شاكيد وميري ريغيف!)، من خلال إعادة إنتاج دور الوكيل الذي يعرف من أين تؤكل الكتف. وبدأت تتضح ملامح النهج الجديد بالاستعداد لتجاوز الكثير من المحظورات، مثل التعاون مع منظمات صهيونية يهودية في أميركا، وعقد مؤتمر صحافي مع زهافا غالؤون، رئيسة حزب ميريس حينها، في يوم "توحيد" (احتلال) القدس حسب التقويم العبري. ولكن هذا النهج تطور لاحقًا كما رأينا، إلى مشروع اندماج و"تأثير" متكامل، يتناقض مع رؤية وتفكير ليس فقط التجمع.

الخطر الأكبر في هذا المشروع، ليس فقط فقدان البوصلة والدفع بالأسرلة إلى أقصاها، كمشروع متكامل متجاهلا الواقع الاستعماري الصهيوني المستمر، وإنما يعني بواقع الأمر قبول خطاب المؤسسة الصهيونية المعادي والتحريضي نفسه، مثل مزاعم "ماذا فعلوا أعضاء الكنيست العرب؟"، وأنهم مشغولون بالقضية الفلسطينية، وأنه فقط من خلال الاندماج والتماهي مع هذه المؤسسة يمكن تحقيق المنجزات، ضاربين عرض الحائط، وبأثر رجعي، منجزات شعبنا الحقيقية عبر عقود من النضال والصمود ودفع الثمن، وكانت أغلبها من خارج البرلمان من يوم الأرض إلى الروحة ومقاومة هدم البيوت وإحباط قانون برافر وغيرها.

يعني هذا المشروع بالضرورة، الإخلال الكامل بالتوازن الإستراتيجي بين المدني والقومي الذي تحدثت عنه أعلاه، لصالح الحقوق المدنية على حساب الحقوق القومية. بمعنى آخر، وبناء على هذا المشروع، فإن دخول البرلمان واللعبة السياسية الإسرائيلية سيعني بالضرورة أنه لا خطوط حمراء، ولا ثوابت لا حيدة عنها.

ولكن أصحاب هذا المشروع لا يدركون أن ذلك سيؤدي، عاجلا أم آجلا، إلى عزوف الناس عن التصويت بسبب حجم التوقعات والإحباط، وإلى ازدياد في قوة الموقف المعارض للتصويت، وذلك حين سيكتشف الجميع، خصوصًا من هرول للتوصية بغانتس ومن حلم بأن يكون بيضة القبان، أسرع مما توقع، مخالب الإجماع الصهيوني (مع ومن دون كورونا) تطيق علينا، وعندها ستبقى المشتركة مكشوفة من كل الجهات، بلا إنجازات وبلا كرامة وعزة نفس، التي كان على ممثلي شعب بأسره أن يتحلوا بها.

صخرتنا الأخيرة؟

التطور الخطير الذي جرى مؤخرًا، والذي يجب أن يتدارك بسرعة، وهو قيام قيادة التجمع الحالية بالإخلال بالتوازن المذكور، الذي عملت قيادات التجمع طيلة عقدين ونصف، على تعزيزه وتوطيده كركيزة المشروع الوطني. هناك من يبرر قرار التجمع بالانضمام عمليا للتوصية، بأنه كان القرار الوحيد الممكن سياسيًا. حتى من دون التطرق للموقف المبدئي والأخلاقي الذي توسعت في شرحه سابقًا، والذي كان من المفروض أن يحسم الموقف، فإنه وفي كل ظرف سياسي على القيادة قراءة المشهد والإعلان عن موقفها مسبقًا، وشرحه للجمهور وعدم التردد والارتباك والغموض وانتظار الدقيقة التسعين، حتى تتضاءل الخيارات والدخول في مأزق، بأنه لا خيار آخر.

على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، كان واضحًا من أول يوم أن ارتفاع المشتركة إلى 15 نائبا منع نتنياهو عمليًا من تشكيل الحكومة القادمة، أي أنه فعليا وبفضل المشتركة قام الجسم المانع. لا شأن للتوصية بالمرة، ولا تأثير لها على التشكيل الفعلي للحكومة القادمة، إلا إذا تغير موقف أحد الأحزاب المعارضة لنتنياهو، مثل حزب ليبرمان أو تحالف "العمل – ميرتس"، أو انشقاق عدد من أعضاء "كاحول لافان"، مثلما فعلت أورلي ليفي أببكاسيس، وهذا ليس شأن المشتركة بالمرة.

لذا، تصوير أهمية التوصية وكأنها هي التي ستسقط نتنياهو، هو مجرد تضليل للرأي العام، وبالأساس لكوادر الأحزاب. كان على التجمع منذ اليوم الأول توضيح صورة الوضع على حقيقتها وشرحها للرأي العام، بأننا أسقطنا نتنياهو في الانتخابات، وأننا لن نوصي بتكليف غانتس، الذي صرح بأنه سيشكل حكومة يهودية ومن ثم صهيونية، والذي رحب بـ"صفقة القرن"، والذي ينافس نتنياهو في موضوع ضم غور الأردن، ويزايد في موضوع غزة على نتنياهو، بأنه لا يستخدم قوة كافية ضد "حماس".

كان من الممكن في رأيي، أن تتخذ المشتركة بكل مركباتها موقفًا موحدًا بهذه الروح؛ وفي حالة استمرار الخلاف، كان على التجمع الإصرار على موقفه.

من أبجديات القراءة الصحيحة للموقف، هو أن غانتس سيسعى لاستخدام دعم المشتركة لكي يشكل حكومة وحدة وطنية، مع أو من دون نتنياهو. بكلمات أخرى، تنازل التجمع عن مواقفه المبدئي ووجه ضربة لا يستهان بها لمشروعه الوطني والذي يبرر وجوده، من أجل اعتبارات تكتيكية فاشلة، لن تؤدي بأفضل الأحوال إلى تحسين أوضاع المجتمع الفلسطيني في الداخل.

هكذا كشف التجمع نفسه أيضًا من كل الجهات؛ فتنازل عن موقف وبوصلة مبدئية، مقابل حسابات تكتيكية فاشلة، لن تسمن ولن تغني عن جوع.

التعليقات