22/01/2020 - 18:16

مشروع تقزيم القائمة المشتركة

لم تثر مقابلة النائب أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، في جريدة "هآرتس" بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير الجاري جدلًا واسعًا ونقاشًا صاخبًا في الشارع العربي، كما كان متوقعًا.

مشروع تقزيم القائمة المشتركة

لم تثر مقابلة النائب أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، في جريدة "هآرتس" بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير الجاري جدلًا واسعًا ونقاشًا صاخبًا في الشارع العربي، كما كان متوقعًا. فهل يعود هذا الهدوء المخيم إلى درجة النعاس على الحيز العام الواقعي والافتراضي العربي، وكأننا لسنا مقبلين على انتخابات ولا يحزنون، أم يعود ذلك ربما إلى أن أقوال عودة لم تعد تثير استهجان معارضيه ولا الحماس عند مريديه؟

المقابلة بمضمونها لم تأت بجديد من مطبخ أفكار أيمن عودة، الذي ازداد جرأة في طرحها والتصريح بها خلال وبعد الانتخابات الأخيرة. ويستمد عودة هذه الجرأة من شعبوية أفكاره التي تلاقي رواجًا في الشارع هذه الأيام، ومن عدم وجود معارضة جدية له ولأفكاره ولممارساته داخل الجبهة والحزب الشيوعي، ولا حتى داخل المشتركة. سمعنا تحفظات عديدة وتصريحات من نواب وقادة جبهويين لم ترتق إلى المعارضة والتصدي، والدليل موافقة سكرتارية الجبهة في الدقيقة الأخيرة على التوصية ببيني غانتس لرئاسة الحكومة، من دون أي التزام أو توقيع اتفاق من طرفه، بعد أن كانت قد قررت عكس ذلك قبل أقل من 24 ساعة. فكيف حدث هذا الانقلاب؟ وإلى أين يجرنا مشروع أيمن عودة السياسي؟

في جوهرها تصيغ المقابلة قيام المشتركة كمشروع اندماجي هش يبحث عن المكاسب هنا وهناك (حتى صارت صورة مع غانتس تعتبر إنجازًا)، ويحول المشتركة لاعبًا ثانويًا في ملعب السياسة الإسرائيلية التي يقبل شروطها بلا أي تحفظ. هذا هو الخطر الأساسي والدور المبيت من وراء ما يمكن أن نطلق عليه مشروع أيمن عودة، الذي يعود بنا إلى قبيل مرحلة أوسلو وما بعدها، في تحويل الفلسطينيين في الداخل إلى احتياط ليس لـ"اليسار الصهيوني" الذي اختفى تقريبًا من الساحة، وإنما، وهذا الأمر يضحك ويبكي معًا، إلى أوهام ما تبقى من كارثة أوسلو، أي حلم أبو مازن وقيادة أوسلو بتجديد المفاوضات ليس إلا.

وقد تجلى هذا الموقف حصريًا عندما أجاب عودة على سؤال، إذا كان لا يزال يؤمن بحل الدولتين. أجاب بأنه يفترض أن تصوت (المشتركة) على كل اتفاق سلام توقع عليه إسرائيل ومنظمة التحرير، بمعنى حتى لو كان هذا اتفاق ممسوخًا يعكس توازن القوى القائم بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي يميل بشدة لصالح إسرائيل، فسنصوت مع الاتفاق. بمعنى آخر وبحسب عودة، لا رأي لنا في الاتفاق نفسه، ولسنا جزءًا من هذا الشعب الفلسطيني الذي يتقرر مصيره في هذا الاتفاق. يبدو أن أيمن نفسه نسي وبالأحرى تناسى معارضة قسم كبير من شعبنا هنا لاتفاق أوسلو، كما عارض بوقته الحزب الشيوعي اتفاق عمان بين الملك حسين وياسر عرفات. المدهش أن أيمن عودة يسبح في هذا الماء، ماء النقاش الإسرائيلي الداخلي الآسن بطبيعية، براحة كاملة. وبنظره، كان يجب أن يقود غانتس المعسكر (الذي يعتبر نفسه والمشتركة جزءًا منه) بطريقة أفضل، وأنه كان يجب أن يضم أورلي ليفي لقائمته، وإذ به يسدي النصائح والتوصيات لعمير بيريتس وميرتس ليتوحدا في قائمة واحدة. يتناقش ويتحدث، وحتى "يتمازح"، وكأنه "واحد من المجموعة" والجو هو جو مطعم الكنيست.

في المقابل، مراجعة الذات الوحيدة في المقابلة هي تلك التي يعتبر فيها أن المشتركة أخطأت بوضع شروط لقبول التوصية بتكليف غانتس، مثل إلغاء "قانون القومية" وقانون كامينتس وما إلى ذلك، وأنه كان يتوجب عليها أن تطالب برفع مخصصات الشيخوخة لكل المسنين. ويفهم من بين السطور، أن التوصية بتكليف غانتس في المرة القادمة جاهزة ومن دون تردد، أو محاولة لاستعراض عضلات متمثلة بوضع مطالب.

الحقيقة أن كل أجوبة المقابلة بمجملها تعكس برنامجا ورؤية سياسية جديدة – قديمة تتعارض حتى مع برنامج المشتركة نفسه، وتشكل عمليًا حصان طروادة داخل المشتركة للقضاء عليها كمشروع وطني جمعي، يرفع سقف وأسلوب التعامل مع المنظومة السياسية الإسرائيلية، ويمسخها إلى اتفاق لترتيب الكراسي وزيادة المقاعد الموجودة سلفًا في جيب غانتس وجنرالاته.

منذ بداية الانزلاق في هذا المنحدر الخطير، يتلقى هذا المشروع الصفعة تلو الأخرى من كافة القوى السياسية الإسرائيلية، كان آخرها صفعة تحالف العمل مع ميرتس ودعمهما لاقتراح شطب النائبة هبة يزبك. وبدل أن يراجع أيمن عودة حساباته ويتعلم من تجارب الحركة الوطنية عبر 70 عاما وأكثر من مواجهة الحركة الصهيونية الاستعمارية، إلا أنه مع كل صفعة يمعن في جر حزبه والمشتركة إلى مربع يفقدهما شرعية وجودهما.

فهل هذا هو ما يصبو إليه أصحاب هذا المشروع؟ القضاء على المشتركة كمشروع فلسطيني وطني موحد واستبداله بحركة تعايش يهودية – عربية، كما دعا لها أيمن نفسه في المقابلة؟ وهل المشتركة الممسوخة برنامجًا وقيادةً سوى مطية له للوصول إلى هذا الغرض؟! عندما خرج برهوم جرايسي يوم 17 كانون الثاني/ يناير 2015 بلائحة اتهامات صارخة ضد أيمن عودة ودوف حنين واعتباره لهما بأنهما الجناح الصهيوني في الحزب، والذي سيجر الحزب إلى هناك، اعتبر الكثيرون أن هذه كانت مبالغة وربما ردة فعل غاضبة والموضوع كأنه شخصي، ولكن مجمل تصريحات وسلوكيات عودة توحي بأن تحذيرات برهوم جرايسي كانت في مكانها.

التعليقات