انعكاسات سعي الفاعلين الفلسطينيين إلى انتزاع شرعية دولية

تفرض المتغيرات الدولية والإقليمية الحاصلة في السنوات الأخيرة تأثيراتها على مستوى العلاقات الدولية ودور الفواعل غير الرسمية في صناعة السياسات العامة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول انعكاسات هذه التحولات على مستويين

انعكاسات سعي الفاعلين الفلسطينيين إلى انتزاع شرعية دولية

* تجيب الورقة على سؤال ما هو تأثير سعي القوى الفلسطينية الفاعلة (فتح وحماس) من أجل نيل شرعية دولية؟


تفرض المتغيرات الدولية والإقليمية الحاصلة في السنوات الأخيرة تأثيراتها على مستوى العلاقات الدولية ودور الفواعل غير الرسمية في صناعة السياسات العامة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول انعكاسات هذه التحولات على مستويين، الأول على مستوى العلاقة الدولية مع الفواعل غير الرسمية ونطرح هنا حركتي فتح وحماس نموذجا لذلك. والثاني تأثير هذا المتغير على مستقبل المنطقة وحقوقها وعلى رأسها مستقبل القضية والحقوق الفلسطينية. حيث لاحظنا في الأسابيع الأخيرة مسارعة دولية وإقليمية تجاه حركة حماس، بغرض التوسط بينها وبين الدولة الصهيونية من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار متزامن ومتبادل مؤقت أو دائم. وهو ما أظهر حماس كفاعل غير رسمي في سياسات المنطقة وفلسطين تحديدا، وكأنه كسر لمحرمات دولية تتمثل في رفض التعامل المباشر مع حركة حماس، نظرا لتصنيفها الأميركي والأوروبي كمنظمة إرهابية، لكن هل يعزى هذا التغيير إلى نجاح حماس في فرض رؤيتها ومسارها، أم هو نتاج سعي الحركة المتواصل من أجل انتزاع اعتراف دولي بدورها وإمكانياتها بغض النظر عن رؤيتها ومسارها المعلن؟

غياب الفاعل الرسمي فلسطينيا

لقد تنامى دور الفواعل غير الرسمية في صناعة السياسات العامة المحلية والدولية، على المستويات التنموية والتوجيهية والاقتصادية والسياسية، وهو ما يتبدى في تنامي قوة وتأثير المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية، كما في دور المجتمع المدني المحلي، ودور الإعلام والمؤسسات الاقتصادية الكبرى. مقابل تراجع نسبي في دور الفواعل الرسمية، أي الدول، ولا سيما دول العالم الثالث، وذلك بحسب التعريف التالي للفواعل الرسمية: "تعتبر الدولة الفاعل الرسمي الاساسي بحكم أن الدولة هي المنتجة للسياسة العامة لأنها بصورة بسيطة ومبسطة هي من يملك أهم مرتكز اساسي في السياسة العامة وهي الموارد".

من هذا التعريف المختصر يمكن الانتباه إلى خلو الساحة الفلسطينية من الفاعل الرسمي، أي الدولة بكل معنى الكلمة، فالسطلة الوطنية الفلسطينية وفق المعاهدات والاتفاقيات الناظمة لها، عبارة عن سلطة حكم ذاتي منزوعة الصلاحيات العسكرية والاقتصادية والسيادية عموما، من السيادة على الحدود إلى السيادة على الثروات والإمكانيات. بل وتقزم السياسيات الصهيونية المتواصلة من قدرات وصلاحيات السلطة، من خلال انتزاع أراضيها والتحكم في مصروفاتها عبر حجز الأموال وغيرها من الوسائل والأساليب.

في المقابل تتحكم حركة حماس في شؤون قطاع غزة بصورة مشابهة لتحكم السلطة الوطنية الفلسطينية، أي بصورة تشابه تحكم حركة فتح بشؤون الضفة، مع فارق حاسم ومؤثر في كلتا الحالتين، إذ تتمتع السلطة بشرعية خارجية واضحة تستند إلى قبول صهيوني بسلطتها المنزوعة عمليا، في حين لا تحظى سلطة حماس على غزة بأي شرعية دولية، وعلى رأسها صهيونيا، طبعا إذا ما استثنيا بعض مظاهر الاعتراف الإقليمية بسيطرتها، ولا سيما في فترات التصعيد العسكري والأمني.

وعليه يمكن القول إن جميع الفاعلين في الساحة الفلسطينية، هم عبارة عن فواعل غير رسميين، بداية من حركة فتح والسلطة الوطنية، ومنظمة التحرير وانتهاء بحركة حماس.

فتح والاعتراف الدولي

فكما هو واضح من مقارنة علاقة السلطة الوطنية الفلسطينية مع المجتمع الدولي من ناحية، وعلاقة حركة حماس أو السلطة في غزة معه، نلحظ وجود تباين واضح في تعامل المجتمع الدولي مع كل منهما. هذا التباين هو انعكاس مباشر لمدى الاعتراف الدولي بكل منهما، أي أنه لا يعكس حقيقة هاتين السلطتين على اعتبارهما فاعلا رسميا أو غير رسمي فيما يخص الشأن الفلسطيني. وعليه أعتقد أن علينا التمعن في أسباب ومحددات الاعتراف الدولي بسلطة فتح وغيابها عن سلطة حماس، حيث يعود الأمر إلى مسائل سياسية تعكس طبيعة أدوارهما في مجمل السياسات العامة والإقليمية والدولية.

فمثلا وقبل توقيع اتفاق أوسلو حظيت حركة فتح بشعبية عارمة في وسط شعب فلسطين، داخل وخارج الوطن، وكانت تلعب دورا أساسيا في تحديد توجهات الشارع ومسار الأحداث وبالتحديد مسار حركة التحرر، لكن لم يؤد ذلك إلى نيلها اعترافا دوليا، أو حتى اعتبارها فاعلا رسميا؛ على فرض استخدام هذا المصطلح في حينها؛ ربما باستثناء دول المعسكر الاشتراكي قبل انحساره واختفائه كليا لاحقا. في حين تحولت حركة فتح والسلطة الوطنية تحديدا إلى لاعب رئيسي معترف به دوليا بعد توقيع اتفاق أوسلو، نتيجة تفاعل عوامل متعددة وعديدة، ذاتية وموضوعية. فمن ناحية موضوعية كان واضحا أن ضبط الصراع الفلسطيني بل العربي- الصهيوني يتطلب تعاملا مباشرا مع القوى القادرة على التأثير في سياقاته، وأبرزها في تلك المرحلة حركة فتح، نتيجة دورها القيادي في حقبة لبنان والأردن ولاحقا في مرحلة الانتفاضة الأولى.

لكن وعلى الرغم من أهمية العامل الموضوعي في حسابات الهيمنة الأميركية وأهداف المشروع الصهيوني خصوصا، إلا أن العامل الحاسم في تحول التعاطي الدولي مع حركة فتح، كان يتطلب تغيرات جذرية وبنيوية داخل حركة فتح ومجمل منظمة التحرير، وبالتالي فهو يحتاج إلى سعي فتحاوي يتجاوب مع هذه المتطلبات، عبر تحولات ذاتية تنسجم مع المعايير الدولية. وهو ما سعت له قيادة حركة فتح منذ أمد طويل بداية من سبعينيات القرن الماضي عندما فرضت على منظمة التحرير برنامجا مرحليا بديلا للميثاق الوطني الفلسطيني، غير عابئة بتداعيات هذا التعديل على وحدة الجسم السياسي وعلى الخطاب الرسمي وعلى الأهداف الوطنية الجامعة. غير أن تعديل برنامج منظمة التحرير لم يكن تنازلا كافيا كي تنال حركة فتح اعترافا دوليا بها، رغم دوره في تمهيد الطريق لذلك، وهو ما استكمل بعد توقيع اتفاق أوسلو، عبر إقرار الحركة بمجمل الشروط الصهيونية الأمنية والتنظيمية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، مقابل اعتراف فضفاض بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. طبعا لن ندخل الآن في قراءة اتفاق أوسلو سياسيا أو حتى قانونيا، بقدر ما يعنينا الإشارة إلى الخطوات الفتحاوية وبالتحديد خطوات قيادة فتح الساعية لنيل اعتراف دولي، وفق الشروط الدولية لا الفلسطينية، بداية من البرنامج المرحلي وصولا إلى توقيع اتفاق أوسلو، ودون إهمال عشرات الخطوات الحثيثة بينهما، والتي يسهل على المهتم التدقيق فيها من خلال مراجعة تاريخ التجربة الفلسطينية وقرارات وتصريحات وخطابات منظمة التحرير وحركة فتح ولا سيما الصادرة عن رئيسهما ياسر عرفات.

حماس والاعتراف الدولي

تعتبر حماس فاعلا غير رسمي شبه وحيد داخل قطاع غزة، أو على الأقل الفاعل الأبرز والأقوى فيه، وذلك منذ سيطرتها العسكرية عليه، وهو ما أكدته جميع حملات الاعتداءات الصهيونية على القطاع، كما في تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء العدوان على غزة، عندما عرض على رئيس الوزراء نتنياهو تفعيل الوساطة مع حماس من أجل وقف إطلاق النار. فدائما ما سعى جهاز الدولة الصهيونية والمجتمع الدولي عبر وسطاء إقليميين إلى توقيع اتفاق هدنة أو وقف إطلاق نار، أو اتفاقيات مغايرة مثل تبادل المعتقلين، فتح وإغلاق المعابر، حركة المعابر البشرية والسلعية، مسافة الصيد، وغيرها من مسائل دائما ما كانت مرتبطة بصورة غير مباشرة بموافقة وقبول حركة حماس، وإن كانت الدولة الصهيونية والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الإقليمية حريصين على إقحام السلطة الوطنية كوسيط في هذه الاتفاقات، لاعتبارات سياسية بحتة، حيث يعلم الجميع محدودية دور السلطة داخل قطاع غزة، إن لم نقل غيابه الكامل، وهو ما تبدى كذلك بعد انتهاء العدوان الصهيوني الأخير بصورة أكثر وضوحا نتيجة عوامل إضافية، لن نتطرق إليها الآن.

وبالتالي فإن المتغير الحقيقي المحتمل في المرحلة القادمة يتمثل في إمكانية حصول حماس على اعتراف دولي بدورها الوحيد أو شبه الوحيد على مستوى قطاع غزة فقط، أو على مستوى القضية الفلسطينية عموما. وهو ما يتطلب تدقيقا ومراجعة تاريخية لشروط حصول حركة فتح على هذا الاعتراف سابقا، والتي استعرضناها بإيجاز شديد في الفقرة السابقة، فعند مقارنة الوضع الحالي بوضع حركة فتح قبل توقيع اتفاق أوسلو، نلحظ أن كلتا الحركتين قد أبدتا اهتماما ورغبة واضحين تجاه حصولهما على الاعتراف والشرعية الدولية. حيث فرضت حركة فتح برنامجا مرحليا على مجمل منظمة التحرير، بصورة تشابه إقدام حركة حماس على تغيير برنامجها السياسي في العام 2017، الذي نص على "أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة"، وهي صيغة مشابهة حد التطابق لصيغة البرنامج المرحلي.

وكما حدث مع حركة فتح بعد إقرار البرنامج المرحلي، يحدث الآن مع حركة حماس، إذ لم يكف تغيير البرنامج السياسي من أجل نيل اعتراف دولي، فشروط المجتمع الدولي أصعب من ذلك، وتتطلب تحولات جذرية في بنية الحركة وتوجهاتها ودورها، وهو ما لمسته حركة حماس منذ تغييرها لبرنامجها حتى اللحظة. وبالتالي نحن هنا أمام احتمالين نظريين يمكن لحركة حماس الاختيار بينهما، الأول أن تعدل الحركة عن مساعيها لنيل اعتراف دولي بها، وتستمر بدورها التحرري وفق رؤيتها السياسية الأساسية السابقة. أو تصر على انتزاع اعتراف دولي مهما كان الثمن، وهو ما يتطلب مزيدا من التنازلات السياسية والتنظيمية والميدانية.

طبعا لحماس خيار واضح وإن كان غير معلن، وهو ما يتطلب تدقيقا في توجهاتها السياسية والميدانية الحالية والسابقة، إذ لم تتراجع الحركة عن تعديل برنامجها السياسي حتى الآن، بل ولم تتخل عن صورتها كحاكم سياسي وتشريعي شبه وحيد لقطاع غزة، كما بذلت جل الجهود الممكنة من أجل الانخراط في الجسم السياسي الفلسطيني، ولا سيما هياكله المعترف بها دوليا وتحديدا السلطوية، من حكومة وحدة وطنية سلطوية معترف بها دوليا، إلى المشاركة في انتخابات سلطوية تشريعية مقابل تخليها عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، نزولا عند الرغبة الفتحاوية أو ربما رغبة محمود عباس تحديدا. وهو ما يوضح سعي الحركة لنيل اعتراف دولي مباشر أو غير مباشر، حتى لو أدى ذلك إلى تبعات سياسية سلبية على مستوى القضية والحقوق الفلسطينية، وألزمها بتغيرات مؤلمة وجذرية.

عدوان 2021 وتداعياته على الفواعل غير الرسمية

يصعب حصر تداعيات الاعتداءات الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة في بضعة أسطر، لكن يمكن استعراض ما يتعلق منها بمكانة ودور وربما حجم الفواعل غير الرسمية الفلسطينية، وبالتحديد تأثيراته على حركتي فتح وحماس، أو على السلطتين في الضفة وغزة. فمن ناحية أولى أوضحت الهبة الشعبية أو انتفاضة كل فلسطين، في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي مدينة القدس خصوصا في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وكذلك في الضفة الغربية، مدى تراجع شعبية الحركتين الأبرز فلسطينيا، فتح وحماس، وبالتالي تراجع دورهما وتأثيرهما على الشارع، نظرا لهامشية دور كل منهما في حيثيات الانتفاضة وتوجهاتها منذ يومها الأول.

لكن ومن ناحية ثانية نجحت حركة حماس في استعادة قوتها الناعمة في الوسط الشعبي الفلسطيني، واستعادة شعبيتها في الوسط الشعبي داخل وخارج فلسطين، كل فلسطين، بعد إعلان الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة عن إطلاق عملية "سيف القدس"، وهو ما تبدى في حجم التعاطف الشعبي معها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هتافات المتجمهرين في ساحات الاشتباك اليومية في كل المدن والبلدات الفلسطينية. في حين خسرت فتح مزيدا من رصيدها الشعبي، المتراجع أصلا، فبعد الخلافات الفتحاوية الداخلية على خلفية الانتخابات والقوائم الانتخابية، والبرنامج السياسي، وجهت انتفاضة كل فلسطين، صفعة جديدة للحركة، التي تخبطت وتاهت في تحديد نهج واضح منها، فمن ناحية سياسية وإعلامية أيدتها ودعمتها، في حين غاب دورها الميداني إلى ما بعد بداية عملية سيف القدس، كما غاب دورها التنظيمي والنضالي على اعتبارها أحد مكونات حركة التحرر الوطني. وهو ما تبدى أيضا في التعليقات الناقمة على قيادة حركة فتح وأحيانا على الحركة ذاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هتافات المنتفضين كذلك.

وعليه فقد تراكمت المشاكل داخل حركة فتح، وهو ما قد يعزز من المخاوف حول مستقبلها، أي من تحول الخلافات الداخلية إلى صراعات عنيفة، أو من خلال انشقاقات جديدة ومؤثرة، وصولا إلى تفتت الحركة وضياعها، دون نسيان احتمال مراجعة الأخطاء وتداركها وإصلاحها وإن كنت أستبعد هذا الاحتمال. في المقابل نلحظ تصاعدا واضحا في نفوذ وشعبية حركة حماس، ما يعزز من موقفها الدولي دون حسمه كليا، وخصوصا إن ترافق مع غياب فتحاوي في المرحلة القادمة، بحكم مشاكلها الداخلية، فعندها قد نكون أمام غياب التنافس بين الحركتين لصالح هيمنة حمساوية شبه مطلقة. الأمر الذي يرفع من رصيد الحركة على المستوى الدولي.

شروط الاعتراف الدولي

بعد هذا الاستعراض يجب أن نستعيد شروط الاعتراف الدولي، التي تتعلق بدور وتوجهات الحركة عموما وتجاه الدولة الصهيونية تحديدا، إذ لم تنل حركة فتح في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم أي اعتراف دولي، رغم غياب الفواعل غير الرسمية المنافسة لها فلسطينيا، حتى تم قبول حركة فتح للشروط الصهيونية كاملة، وعلى رأسها الاعتراف بدولة إسرائيل، وإنهاء الكفاح المسلح، والتنازل عن الجزء الأكبر من الحقوق الفلسطينية، كما ورد في نص اتفاق أوسلو.

وبالمقابل نلحظ اليوم مسارعة حمساوية تجاه انتزاع اعتراف وشرعية دولية بها، دون أي اكتراث لتجربة حركة فتح المرة في هذا المسار، بل وبنتائج هذا المسار الكارثية على المشروع الوطني التحرري، وكأن حركة حماس على استعداد لتقديم المزيد من التنازلات بل ربما ذات التنازلات الفتحاوية، بعد تنازلها عندما أعلنت عن وثيقتها السياسية الجديدة منذ قرابة أربعة أعوام. وهو ما يهدد القضية والحقوق الفلسطينية عامة، سواء نجحت حركة فتح في تجاوز أزماتها الداخلية أم لم تنجح بذلك.

خاتمة

من كل ذلك نلحظ أن الواقع العياني يعكس مدى قوة تأثير حركة حماس في المنطقة عموما وفلسطين خصوصا، لاسيما داخل قطاع غزة، الأمر الذي يجعلها فاعلا مؤثرا غير رسمي، بغض النظر عن الموقف الدولي منها ومن شرعيتها ومن التعامل المباشر معها. كما نلحظ اهتماما حمساويا واضحا في انتزاع اعتراف دولي بها كفاعل وحيد أو شبه وحيد فيما يخص القضية الفلسطينية. بيد أن الاعتراف الدولي بالحركة مرتبط بمجموعة من الشروط والالتزامات التي تحولها من حركة تحرر إلى سلطة أمنية واستبدادية، تراعي المصالح الدولية وعلى رأسها الصهيونية، كما تبدى في نموذج التحول الفتحاوي.

وعليه لا يمكن إعادة ذات التجربة بعد مضي نحو عشرين عاما أو أزيد قليلا، وأن نتوقع منها نتائج مختلفة نتيجة تغيرات هامشية وبسيطة شكلية، أي باستبدال تغير الفاعل غير الرسمي الحالي "حركة حماس" بالفاعل غير الرسمي السابق "حركة فتح". فكلتا التجربتان متشابهتان حد التطابق العجيب، ما يفرض على الشارع الفلسطيني الحذر واليقظة قبل أن يقع الفأس بالرأس، وإتمام التحولات المطلوبة دوليا. من خلال عدم تسليم قيادة مشروع التحرر لأي جسم سياسي، دون ضمانات سياسية واضحة بخصوص البرنامج والخط السياسي أولا، وفي ظل غياب أو تهميش الدور الشعبي سياسيا وتنظيميا ثانيا. فهل تستفيد حركة التحرر الوطني من تجربة تراجع مسار حركة فتح عن أهدافنا وحقوقنا الوطنية، أم نحن أمام استعادة للتاريخ مجددا بصورة هزلية لكنها مؤلمة ومكلفة جدا.

اقرأ/ي أيضًا | حول الإخفاق الصهيوني

التعليقات