جنين... عقدة ومعضلة إسرائيلية

تشكل جنين ومخيمها عقدة ومعضلة بالنسبة لإسرائيل وللمستوطنين تحديدًا. فالمسؤولون السياسيون والأمنيون يدركون أن المقاومة ستستمر في اليوم التالي للعدوان - وهي مستمرة حاليًا؛ ومن سيسيطر على المخيم غداة انتهاء العدوان الجاري؟

جنين... عقدة ومعضلة إسرائيلية

(تصميم: عرب ٤٨)

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد منتصف ليل الأحد - الإثنين عدوانًا على مخيم جنين، بهجوم من طائرات مسيّرة على منازل في المخيم، ومن ثم باقتحام بري بمشاركة عشرات الآليات العسكرية، فيما ذكرت تقارير إسرائيلية أن نحو ألف جندي يشاركون في العدوان بقيادة وحدات الكوماندوز.

ومنذ أكثر من عام، أعلن جيش الاحتلال عن عملية "كاسر الأمواج" العسكرية في شمالي الضفة الغربية في أعقاب عمليات مسلحة في المدن الإسرائيلية وشوارع الضفة المحتلة. أي أن العدوان الجاري ليس جديدًا، حتى لو أطلق عليه الجيش تسمية "البيت والحديقة"، فهو استمرار للعدوان اليومي المستمر منذ أكثر من عام.

وأطلق جيش الاحتلال على العدوان في رسالة داخلية للجنود تسمية "عملية البيت والحديقة"، لكنه تجنب في بياناته الرسمية في ساعات العدوان الأولى تسميته بالعملية العسكرية، بل استخدم مصطلح "مجهود" للقضاء على البنية التحتية للمقاومين في جنين.

ويعكس ذلك، أولا، حذرًا إسرائيليا من امتداد المواجهة إلى مناطق مختلفة من الضفة الغربية وصولًا إلى غزة ولبنان، أي وحدة الساحات (وفي هذا الإطار يأتي السماح لـ150 ألف عامل من الضفة بالخروج للعمل في إسرائيل في أول أيام العدوان، من بينهم نحو ألفي عامل من جنين)؛

وثانيا، عدم رفع سقف التوقعات من العدوان لدى الرأي العام الإسرائيلي، مدركًا أن المقاومة ستستمر في اليوم التالي؛

وثالثًا، رغبة الجيش والحكومة بعدم إثارة الرأي العام الدولي وتجنب ضغوط دولية.

يأتي هذا العدوان بعد مقتل 28 إسرائيليا منذ مطلع العام الجاري في عمليات مسلحة في الضفة الغربية وداخل البلدات الإسرائيلية، وهو ما تعتبره الجهات الأمنية الإسرائيلية أمرًا خطيرًا ومقلقًا في ظل تزايد عمليات إطلاق النار والقنص في شمالي الضفة الغربية، على الرغم من الاقتحامات اليومية لجنين والحصار الاقتصادي عليها، التي شكك محللون إسرائيليون في جدواها.

بحسب التقارير الإسرائيلية، فإن الجيش تحفظ من إطلاق عملية واسعة في شمالي الضفة الغربية، وكان يفضل استمرار الاقتحامات المتكررة المحدودة في جنين، لكن تصاعد عمليات إطلاق النار وسقوط قتلى إسرائيليين واستهداف آليات الاحتلال بعبوات مفخخة، زاد من الضغوطات الداخلية وتحديدًا من قبل قيادة المستوطنين على الحكومة لإطلاق عملية واسعة في جنين.

لذا، فإن هذا العدوان في جانب منه هو تكتيكي عسكري، وهو في الجانب الآخر رضوخ لرغبة المستوطنين وقادتهم وممثليهم في الحكومة.

جنين ومخيمها عقدة بالنسبة لإسرائيل والمستوطنين، بل حتى أنها تشكل صدمة في وعي هؤلاء، فمنذ العام 1948 شكلت حصنًا منيعًا عنيدًا أمام العصابات الصهيونية، وقبلها كانت معقلا للثورة الفلسطينية الكبرى في الثلاثينيات، ما دفع أحد المستشرقين الإسرائيليين إلى القول إنها كانت عصية على نابليون قبل 200 سنة وقام بحرقها.

كذلك لا تزال معركة مخيم جنين في الانتفاضة الثانية صدمة وعقدة، ففيها قُتل 23 جنديًا في أزقة المخيم، ما أجبر رئيس أركان جيش الاحتلال حينها، شاؤول موفاز، إلى الإشراف وإدارة المعركة شخصيًا.

وهي معضلة أيضا؛ فكل الأجهزة الأمنية والمستوى السياسي والإعلام في إسرائيل يدركون أن المقاومة المسلحة لن تتوقف غداة هذا العدوان، وبإقرار الجيش بأن الهدف هو "إرجاع" المقاومة المسلحة إلى الوراء.

وليس بإمكان إسرائيل الهرب من السؤال الأساسي بعد انتهاء العدوان الجاري، من سيسيطر على جنين؟ فالجيش غير مستعد للبقاء في أزقة المخيم لفترة طويلة وتحويل جنوده إلى أهداف متحركة للمقاومين. إذًا، أستسلم إسرائيل السلطة الفلسطينية إدارة المخيم والسيطرة عليه؟ وهل السلطة فعلًا قادرة على فعل ذلك، خصوصًا في ظل التدمير والخراب الذي زرعه العدوان في المخيم؟

تقول إسرائيل إن السلطة الفلسطينية غير قادرة على مواجهة خلايا المقاومة في الضفة المحتلة، فيما يريد نتنياهو إضعافها ويفرض عقوبات اقتصادية عليها، وسموتريتش وبن غفير يريدان تدميرها وانهيارها، وتحويل الضفة إلى حكم عشائري مناطقي مرتبط بالاحتلال. إذًا، من سيسيطر على المخيم بعد هذا الدمار. ليس للمخيم إلا أبناؤه. وهذه معضلة إسرائيل العالقة في ذروة قوتها.

التعليقات