أدوات ملاحَقة سياسيّة من خلال جهاز التعليم العربيّ والجامعات الإسرائيليّة

تنسجم هذه القوانين مع سلسلة القوانين التي تهدف إلى إحكام السيطرة والرقابة على الفلسطينيّين في إسرائيل، وتنضاف إلى سلسة القوانين والإجراءات التي ترمي الحكومة الحاليّة إلى إقرارها بغية السيطرة والتضييق السياسيّ على الفلسطينيّين

أدوات ملاحَقة سياسيّة من خلال جهاز التعليم العربيّ والجامعات الإسرائيليّة

(Getty)

منذ تشكيل حكومة نتنياهو السادسة في نهاية العام المنصرم، كان واضحًا -على نحوِ ما رصدنا في أوراق موقف سابقة-[1] أنّها ستعمّق السياسات العنصريّة البنيويّة تجاه المجتمع العربيّ، وستكون أخطر من الحكومات السابقة، وستعمل على نحوٍ مباشر وجليّ على تقليص الهامش الديمقراطيّ (الضيّق أصلًا)، وعلى زيادة جرعات العنصريّة تجاه المجتمع العربيّ. ومن بين هذه الجرعات: تزايُد عدائيّة وقمع جهاز الشرطة للمواطنين العرب؛ تقييد الحرّيّات العامّة والفرديّة؛ تقييد جهاز القضاء؛ الصَّهْيَنة الأعمق لجهاز وبرامج التعليم؛ تضييق إمكانيّات وأدوات العمل السياسيّ ونضال الفلسطينيّين في إسرائيل. بدأت هذه الحكومة، في الأشهر الأخيرة، تترجم هذه النيّات إلى سياسات وقوانين طالت جهاز التعليم العربيّ وعمل الطلبة العرب السياسيّ في الجامعات الإسرائيليّة. جاءت هذه القوانين واقتراحات القوانين دون أيّ معارضة جِدّيّة في المنظومة السياسيّة والحزبيّة الإسرائيليّة، ولا في الساحة الجماهيريّة، إذ لم تلقَ سوى ردود فعل متواضعة في المجتمع العربيّ.

تقييد جهاز التعليم العربيّ

في نهاية شهر أيّار، أقرّ الكنيست الإسرائيليّ بالقراءة التمهيديّة اقتراحَيْ قانون، أحدهما يرمي إلى تسهيل إجراءات إقالة معلّمين يعبّرون عن تضامنهم مع "منظّمة إرهابيّة"، بحسب مقترَح قانون "الرقابة على المدارس والتحريض على الإرهاب: تعديل: حظر توظيف المدانين بالإرهاب وداعميه، وفرض الرقابة على المضامين التربويّة بهدف منع التحريض". أمّا الاقتراح الثاني، فقد ورد ضمن قانون "التعليم الرسميّ: تعديل منع دعم الإرهاب" الذي ينصّ على إعادة ممثّل عن جهاز الأمن العامّ (الشاباك) إلى وزارة التربية والتعليم الذي أُبطِل -على الأقلّ رسميًّا- عام 2005. وقد أُقِرّ القانون في القراءة التمهيديّة في الكنيست بتاريخ 31/5/2023 بأغلبيّة 45 مؤيِّدًا مقابل 25 مُعارضًا.[2]

القانون المتعلّق بعودة ممثّل جهاز الأمن العامّ إلى وزارة التعليم طرحه عضو حزب "عظمة يهوديّة" تْسْـﭭـيكا فوﭼـِل، الذي صرّح قبل أشهُر أنّه يجب محو قرية حُوّارة عن الوجود، وأنّ عنف المستوطنين الممارَس ضدّ الفلسطينيّين هو عمل شرعيّ؛ إذ إنّه يعزّز الردع تجاههم. ويطالب اقتراح تعديل القانون بتشكيل لجنة داخل وزارة التعليم مكوّنة من خمسة أعضاء أحدُهم ممثّل جهاز الشاباك من أجل فحص طلبات التعيين في جهاز التعليم.

وقُدِّم اقتراحا القانون بعد موافَقة لجنة التشريع الوزاريّة عليهما. وممّا لا شكّ فيه أنّ الاقتراحين يستهدفان التعليم العربيّ عمومًا والمعلّمين العرب خصوصًا؛ فهُما يزيدان من الرقابة الأمنيّة على جهاز التعليم ويعطيان جهاز الأمن العامّ صلاحيات فحص خلفيّات المعلّمين السياسيّة قبل تعيينهم، وتسهيل إقالتهم. ولا نجانب الصواب إذا ادّعينا أنّ "التضامن مع منظّمة إرهابيّة" -بحسب القانون- ما هو إلّا استخدام فضفاض من خلاله سيُستهدف المعلّمون الذين يعبّرون عن تضامنهم مع القضايا الوطنيّة أو أيّ قضيّة سياسيّة أخرى، فضلًا عن إحياء المناسَبات الوطنيّة. وتُعتبر هذه الممارسات من وجهة نظر إسرائيليّة تضامنًا مع الإرهاب.

ممارسة التضييق على الطلبة والمعلّمين ومجْمَل الموظَّفين العرب سائدة منذ ما قبل اقتراح إدخال التعديلات على القوانين؛ إذ ازدادت الرقابة ازديادًا لافتًا على تصريحات ومنشورات وفعّاليّات فلسطينيّة منذ العدوان على قِطاع غزّة عام 2014. فقد شهدنا تقديمَ طلبة عرب لِلِجان الطاعة في الجامعات، وفصْلَ موظَّفين عرب بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعيّ، فضلًا عن منع المدارس التابعة لوزارة التربية (الابتدائيّة والإعداديّة) من إحياء المناسبات الوطنيّة أو حتّى إعلان الإضراب فيها انسجامًا مع قرارات الإضراب التي تقرّها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة. القوانين المقترَحة سوف تُسهِم في منح الغطاء القانونيّ لهذه الممارسات ضدّ جهاز التعليم العربيّ وأفراده.

ردًّا على إقرار قانون (التعليم الرسميّ: تعديل منع دعم الإرهاب)، نشر مركز عدالة واللجنة القطريّة لمتابعة قضايا التعليم بيانًا وضّحا فيه "أنّ القانون هو محاولة إضافيّة لتعميق نظام السيطرة على جهاز التعليم العربيّ والعودة بنا إلى فترة الحكم العسكريّ (1948-1966) الذي فُرِض على الفلسطينيّين في إسرائيل"؛ ورأى البيان "أنّ اقتراح القانون غير دستوريّ كونه يسمح بمراقبة العاملات والعاملين في جهاز التعليم مفترضًا أنّهم يشكّلون تهديدًا أمنيًّا لمجرّد كونهم عربًا ويتعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيّين كأعداء [...] كما حذّر البيان من التأثير السلبيّ لمجرّد طرح مثل هذه الاقتراحات في ترهيب المعلّمين داعين إلى اليقظة ومواجهة الضجّة التي تُحْدِثها هذه الاقتراحات بتوعية المعلّمين لحقوقهم التي يتيحها لهم القانون في التعاطي مع قضايا واسعة بمهنيّة وبمبدئيّة وانتماء"، ووَرَد في البيان "أنّ المعلّم مربٍّ لا يقتصر عمله على تمرير موادّ محدَّدة ودعا إلى تنظيم المعلّمين العرب".[3]

علاوة على ذلك، ترى جمعيّة حقوق المواطن أنّ الهدف الأساسيّ من مشاريع القوانين هذه هو فرض رقابة وأَمْنَنَة على جهاز التعليم العربيّ، وتأهيل عودة ممثّل الشاباك، والسماح لعناصر غير تربويّة بالسيطرة على جهاز التعليم العربيّ، فضلًا عن التحريض الضمنيّ تجاه مجتمع كامل ووصفه بأنّه داعم للإرهاب. وبنظرهم، تزيد صيغة القانون الفضفاضة من أجواء الملاحَقة والتخويف والقمع تجاه موظَّفي جهاز التعليم، وهي جزء من كَمّ الأفواه والرقابة تجاه كلّ جهاز التعليم.[4]

محاوَلات قمع الهُويّة الوطنيّة للطلبة العرب في الجامعات الإسرائيليّة

في منتصف تمّوز، أقرّت اللجنة الوزاريّة للتشريع اقتراح قانون يفرض عقوبات على الطلبة العرب في الجامعات الإسرائيليّة الذين يرفعون الأعلام الفلسطينيّة (مقترح قانون حقوق الطلّاب: تعديل: استبعاد الطلّاب الداعمين للإرهاب من المؤسَّسة الأكاديميّة، وتفكيك الكتل الداعمة للإرهاب). وأقرّ الكنيست بتاريخ 19/7/2023 اقتراح القانون بالقراءة التمهيديّة، بأغلبيّة 50 مؤيِّدًا، مقابل 32 معارِضًا.[5]

ويستهدف مشروع القانون العملَ الطلّابيّ والحركة الطلّابيّة الوطنيّة الناشطة في الجامعات الإسرائيليّة، وينصّ على محاسبة الطلبة الفلسطينيّين والناشطين والتنظيمات الطلّابيّة الفلسطينيّة في الجامعات الإسرائيليّة، إلى حدّ فصلهم بتهمة "الإرهاب"، بالإضافة إلى منع رفع العلم الفلسطينيّ، ومحاسبة الطلبة على ذلك.

ويسعى القانون -كما جاء في تقرير جمعيّة حقوق المواطن- إلى إلزام المؤسَّسات الأكاديميّة بوقف تعليم الطلبة، وإخراجهم نهائيًّا من المؤسَّسة الأكاديميّة، وعدم الاعتراف بالألقاب الأكاديميّة التي حصلوا عليها في الخارج، بذريعة مواقف وتصريحات يُنظر إليها على أنّها داعمة للإرهاب.[6]

وأصدر التجمُّع الطلّابيّ بيانًا على أثر إقرار مشروع القانون. ذكر التجمُّع في بيانه: "هذا القانون، يعمّق الملاحقة السياسيّة المتواصلة لفلسطينييّ الداخل، ومجْمَل العمل الوطنيّ، منذ النكبة وحتّى يومنا هذا، وما لم يتحقّق في 75 عامًا من الملاحَقة والتضييق ومحاولات المحو والأَسْرَلة، بالتأكيد لن نقبل له أن يتحقّق، بين صفوف جيل يعتزّ بهُويّته، ويفتخر بانتمائه لشعبه وقضيّته العادلة، ولن يهادن فيها بأيّ شكل من الأشكال".[7] كذلك قالت الجبهة الطلّابيّة في بيانها: "إنّ قانون منع رفع العلَم الفلسطينيّ في الجامعات وإبعاد الطلّاب رافعي العلم عن الأحرام الجامعيّة، هستيريا واضحة من صعود الحركة الطلّابيّة وشعبيّتها والتفاف الطلّاب تحت ظلّ العلَم الفلسطينيّ ولواء الشراكة العربيّة اليهوديّة الكفاحيّة في السنوات الأخيرة".[8]

باستثناء بيانات الحركات الطلّابيّة، لم نشهد ردود فعل جِدّيّة من قِبل الأحزاب العربيّة، ولا من قِبل لجنة المتابعة، ولا من قِبل جمعيّات حقوقيّة، على هذه القوانين السياسيّة التي تحمل تغييرًا جوهريًّا في أدوات القمع والملاحَقة السياسيّة تجاه المجتمع العربيّ.

خاتمة

تستهدف التشريعات الأخيرة التعليم العربيّ والطلبة العرب من المرحلة الابتدائيّة حتّى الجامعيّة، وكلُّها تصبّ في محاولة طمس الهُويّة الوطنيّة، ونزع الانتماء الوطنيّ والموقف السياسيّ عن العمليّة التعليميّة. ففي حين يعمل اليمين على إدخال برامج حول الهُويّة اليهوديّة والقِيَم الصهيونيّة في جهاز التعليم العبريّ، ومع مباشَرة الحكومة الحاليّة عملها، عُيِّن وزير في مكتب رئيس الحكومة لهذا الشأن، وهي في الوقت ذاته تعمل على إقصاء أيّ تعبير سياسيّ أو وطنيّ لدى الطلبة بمختلف أعمارهم ولدى المعلّمين العرب.

تنسجم هذه القوانين مع سلسلة القوانين التي تهدف إلى إحكام السيطرة والرقابة على الفلسطينيّين في إسرائيل، وتنضاف إلى سلسة القوانين والإجراءات التي ترمي الحكومة الحاليّة إلى إقرارها بغية السيطرة والتضييق السياسيّ على الفلسطينيّين وعلى نضالهم واحتجاجهم وقدرتهم على التعبير عن مواقفهم السياسيّة وهُويّتهم الوطنيّة. وهي كذلك امتدادٌ مباشر لإقرار الحكومة قرار "الصهيونيّة كقيمة موجِّهة لسياسات الحكومة"، الذي يمنح "القِيَم الصهيونيّة وزنًا حاسمًا، وقيمة إرشاديّة في جميع أعمال الوزارات الحكوميّة" وَفقًا لروح قانون القوميّة الذي سُنَّ عام 2018، وامتدادٌ لبنود التحالف الحكوميّ. فضلًا عن هذا، تعيد هذه القوانين إنتاج التوجُّه والسياسات الإسرائيليّة في فترة الحكم العسكريّ، والتي حاولت من خلاله المؤسَّسة إعادة إنتاج وبناء هُويّة الفلسطينيّ من خلال جهاز التعليم وتخويف المعلّمين وأَمْنَنَة التعليم العربيّ.

ترى ورقة الموقف أنّ هذا الاقتراح يعكس الخطوط العريضة للحكومة، وأنّه ترجمة لاتّفاقيّات التحالف ولمساعي الحكومة إلى ترجمة قانون القوميّة عبْر السياسات الحكوميّة، وتحويل قانون القوميّة من قانون تصريحيّ إلى قانون عمليّ ومؤثّر. ردّة فعل المجتمع العربيّ والتعامل مع هذه القوانين والسياسات لم ترتقِ إلى مستوى الخطورة والتهديد السياسيّ اللذَيْن تحملهما القوانين.


إحالات:

[1] وحدة السياسات. (2022، كانون الأوّل). إسقاطات حكومة نتنياهو السادسة على المواطنين العرب. حيفا: مدى الكرمل.

وحدة السياسات. (2023، كانون الثاني). خطّة وزير القضاء: إلحاق الضرر بحقوق الفلسطينيّين في إسرائيل. حيفا: مدى الكرمل.

[2] جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل (2023، 22 تمّوز). إلحاق الضرر بجهاز التربية. [بالعبريّة]

[3] مركز عدالة، (2023، 1 حزيران). تعقيب عدالة ولجنة متابعة قضايا التعليم على اقتراح قانون الرقابة على المدارس: اقتراحات عنصريّة وسوف نتحدّاها شعبيًّا وقانونيًّا ودوليًّا. مركز عدالة.

[4] جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل، (2023، 26 أيّار). ورقة موقف حول اقتراح قانون الرقابة على المدارس. [بالعبريّة]

[5] عرب 48. (2023، 19 تمّوز). المصادقة بالقراءة التمهيديّة على استهداف النشاط السياسيّ العربيّ في الجامعات بزعم "دعم الإرهاب". عرب 48.

[6] جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل. (2023، 26 أيّار). مصدر سابق.

[7] عرب 48. مصدر سابق.

[8] الاتّحاد. (2023، 25 أيّار). الجبهة الطلّابيّة: مستمرّون برفع العلم الفلسطينيّ في الجامعات، وطلّابنا سيدوسون قانون منع رفع العلم. الاتّحاد.

التعليقات