26/07/2006 - 10:19

شوارع حيفا العربيّة.. / رشاد أبو شاور

شوارع حيفا العربيّة.. / رشاد أبو شاور
المنتصرون:
سيغيظ هذا العنوان أولئك الذين يقضون الساعات، والدقائق، في هذه الأيّام الثقيلة الوطء عليهم، بانتظار خبر سّار يعيد لحناجرهم لغو الإدعاء بأنهم نصحوا، وأنهم واقعيّون، وأن (إسرائيل) لا تقهر، وأن (المقاومة) مغامرة غير محسوبة.
المنتصرون ليسوا من يملكون تفوّقاً عسكرياً ساحقاً ماحقاً، ولكنهم من يهزمون مخططات هؤلاء بقوّة مّادية متواضعة، وبقوّة روحية لا حدود لها...

في لقاء السيّد حسن نصر الله مع تلفزيون (الجزيرة) قال بكّل هدوء: نحن لم نقل بأننا سنحرّر فلسطين، نحن قلنا بأننا سنصمد، ونصبر، ولن نسمح لمخططات عدونا بأن تمّر...

من فضائل هذه الحرب أنها:
أسقطت ورقة التوت عن عورات نظم الحكم العربيّة.
أنها كشفت أن أمريكا عدو، ولا يمكن أن تكون وسيطاً، أو أن تقف يوماً على الحياد إلاّ إذا هزمت مخططاتها في فلسطين، والعراق و.. لبنان ...

أليست عدونا؟!
الإدارة الأمريكيّة قررت أن تزوّد البلطجي بشحنة قذائف من وزن طن ونصف الطّن، توجّه بأشعة اللايزر، لتدمير الملاجئ ،وخسف المباني، وبّث اليأس في نفوس اللبنانيين المتماسكين العنيدين!

في نفس اليوم تعقد كوندوليزا رايس مؤتمراً صحافيّاً تعود فيه للتبشير بشرق أوسط جديد، شرق أوسط يتّم صهره بالقنابل الذكيّة!

منذ تمّ التوقيع في حديقة البيت الأبيض، يوم 13 أيلول 1993، على وثائق (أوسلو)، والإدارات الأمريكيّة تعد بشرق أوسط قرأنا سفره في العراق الممزّق، المذبوح، في فلسطين، وها نحن نقرأه في لبنان...

شرق خليل حاوي:
من نشيد الجسر للراحل الكبير خليل حاوي، الذي انتحر ببندقيّة صيد عندما رأى جحافل الصهاينة تجتاح أرض لبنان، وتندفع لذبح بيروت الفينيقية العريقة:
يعبرون الجسر في الصبح خفافاً
أضلعي امتدت لهم جسراً وطيد
يعبرون الجسر من مستنقع الشرق
إلى الشرق الجديد

هؤلاء ليسوا عرباً.. حتّى!:
صلاح الدين الأيوبي لم يكن عربيّاً، ولكنه كردي قاد العرب، ووحّد طاقتهم، وجهودهم، حتى تمّ له الانتصار في (حطين) لينتهي من بعد وجود الفرنجة في فلسطين ...

الظاهر بيبرس، قطز، قلاوون ..كانوا مماليك، بيعوا واشتروا في أسواق النخاسة، لكنهم تحرّروا في مصر، ونبغوا في ميادين الفروسيّة، فقادوا الجيوش وحرروا فلسطين من التتار والفرنجة، ورفعت أسماؤهم كأبطال محررين، وحماة لديار الإسلام ...
خطرت ببالي هذه الأسماء وأنا أسمع فحيح الأفاعي، وأرى سمّها يسيل من أنيابها، وهي تبّث الفرقة، وتوقظ الطائفيّة...

الشيخ حسني وبوش الإبن:
في فيلم (الكت كات) المأخوذ عن رواية (مالك الحزين) للروائي المصري إبراهيم أصلان، أبدع الممثّل محمود عبد العزيز في دور الشيخ حسني الضرير الذكي، الذي كما قال لي ضاحكاً إبراهيم أصلان ونحن نسهر ذات ليلة تونسية، هو وصديقي أحمد عمر شاهين، وأنا : أصله الشيخ حسني ما كانش عايز يعترف إنه أعمي ...

الشيخ حسني في مشهد سهرة العرس على أحد سطوح الحارة، وقد فرغ المغنون من الغناء، يسأل جاره : هو الميكروفون مفتوح؟ فيجيبه جاره : أيوه يا شيخ حسني.. عندئذ يبدأ الشيخ في نوبة فضح لكّل الفساد في الحارة، للمرأة التي تخون زوجها، لمهرّب الحشيش، للـ...

جورج بوش في مؤتمر دول الثماني في بطرسبورغ الروسيّة، وهو على مأدبة الغداء، لم يسأل إن كان الميكروفون أمامه مفتوحاً، ولهذا شرع يشتم ببذاءة إلي أن نبهه أحدهم بأن الميكروفون مفتوح ...

الفرق بين الشيخ حسني وبوش، أن الشيخ ذكي، خفيف دّم، فضح الفساد والانحطاط الأخلاقي، بينما بوش فضح نفسه بلغة شوارع.. أهذا رئيس (لأقوى) دولة ؟!

في هذه الحرب:
لا يملك حزب الله مطارات لتدمّر في ساعتين ..الحمد لله أنه لا يملك سوى طائرات استطلاع، رأيناها تحلّق في سماء الجليل الفلسطيني لمدّة عشرين دقيقة، رغم وجود رادارات متطوّرة!

ليس عنده معسكرات لتستبيحها طائرات الفانتوم الأمريكيّة، والميراج الفرنسيّة.. نسيت أسماء الطائرات البريطانية...
مقاتلوه ليسوا جيوشاً عربيّة ليؤمروا بالانسحاب إلى خّط الدفاع الثاني و...

عنده مقاتلون يندسون في الأرض، ويخرجون منها، فيباغتون عدوّهم، ويحيلون كتل دبّابات الميركافا المتطوّرة إلي حرائق.. فالحمد لله!

شوارع حيفا العربية:
من يستطيع القراءة في هذه الأيّام ؟
نحن نقرأ الأخبار، ونحاول أن نقرأ ما وراءها، ومع ذلك فقد أخذتني صواريخ حزب الله لقراءة كتاب (شوارع حيفا العربيّة).
للصديق الدكتور جوني منصور من عرب 48، والذي أهداني إيّاه قبل عام...

في هذا الكتاب التوثيقي، بجهد يستحّق الثناء، نتابع أسماء شوارع حيفا في حقبة الانتداب، وإبان بدء التغلغل الصهيوني، ودخول شخصيّات صهيونيّة في بلديّة حيفا، وتثبيت بعض الأسماء العبريّة، والإنكليزيّة.

أسماء الشوارع بغالبيتها عربيّة، منها رموز ثقافية: المتنبي، أبو العلاء المعرّي، الأصبهاني، إبن رشد. وأسماء لقادة: صلاح الدين الأيوبي، خالد ابن الوليد، عمر المختار...

الكتّاب معزّز بوثائق، وخرائط، وشروحات مستفيضة، وقائمة بالأسماء العربيّة التي حوّلت إلى عبريّة بعد نكبة 48..

كاتيوشا السيّد نصر الله، أعادت إلي حيفا ألقها، و..ذكّرت من يحتلون بيوتنا، ومدينتنا، بأن الحرب لم تنته، وأن عليهم أن ينزلوا إلى الملاجئ.

كاتيوشا السيّد نصر الله رجّت الأرض، وهزّت الجدران، وأظهرت الأسماء العربيّة المحفورة في الذاكرة، فالحيفاويون الذين يهديهم جوني منصور كتابه، سواء تحت الاحتلال، أو في الشتات، استعادوا حيفاهم بكامل بهائها، وعروبتها، وزرقة بحرها.. والفضل في هذا للسيد حسن، ولمقاتلي حزب الله، ولصمود شعب لبنان...

المنتصرون هم الذين لا تصـــــــدأ ذاكرتهم، فلا يضيع حّق وراءه مطالب ...
المنتصرون هم الذين يضيفون كّل يوم سلاحاً جديداً في ميدان المعركة، وهل أهّم من الإنسان سلاحاً ؟ أليست أم مفاجآت حزب الله، هذا الإنسان اللبناني العربي المقاوم، الذي يلطم العدو العاتي القوّة، الذي توهّم أنه لا يقهر أبداً، ويلتّف حوله خفيفاً، رشيقاً، بحيث يجعل قوّته عبئاً عليه؟

لم يقل السيّد حسن بأنه سيعيد حيفا، لكنه بصواريخ الكاتيوشا، يقول: لن ننسي حيفا، لن تغيب أسماء شوارعها عن بالنا، سيعود لها شارع المتنبي، وصلاح الدين، وخالد ابن الوليد...
و.. يوماً ما سيكون في حيفا: شارع السيّد حسن نصر الله، وربّما: شارع الكاتيوشا، فأهل حيفا أوفياء جدّاً ...

التعليقات