كان شعار المعارضة منذ بضع ساعات التهديد بالنزول الى الشارع، وكان السؤال متى وكيف، وفي تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم يتغير الشعار، ويصبح متى ترحل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتولد حكومة الوحدة الوطنية، اما اذا تأخر رحيلها فان الشعارات ستتبدل حتماً ليصبح السؤال من سيترأس الحكومة الجديدة وهل ستسمح قوى المعارضة للاكثرية الحالية بالمشاركة بالثلث المعطل بعد ان تصبح اقلية عقب انتخابات نيابية مبكرة.
هذا السيناريو ليس وهماً بحسب مصادر سياسية رفيعة، لان ساعة الحقيقة اقتربت ولم يعد مسموحاً في لبنان بعد الطائف تكرار خطيئة «المارونية السياسية» ومن تعاون معها آنذاك في ادخال البلاد في حرب اهلية كان عنوانها التهميش والاستئثار بالسلطة.
وستكون خطوة المعارضة اليوم بداية الغيث لسلسلة تحركات جدية وسريعة وغير استعراضية تستخدم فيها الوسائل السلمية وتشمل المحافظات كافة والنقاط الحيوية في البلاد التي تشل عمل الحكومة ولا تؤثر على تماسك الدولة.
وتلفت المصادر عينها الى ان المعارضة استفادت كثيراً من تجربة قوى السلطة التي فشلت في استخدام الشارع من قبل، لذلك ما يحصل اليوم لا يشبه ابداً حملة «فل» الفولكلورية والاعتصام في قلب العاصمة بيروت لن يشبه ابداً ما حصل في خيم ساحة الشهداء فالمعتصمون اليوم لن يناموا ولن يتركوا عيون وزراء الحكومة تنام والتحضيرات اللوجستية باتت جاهزة حيث قسمت المجموعات الى فرق عمل تتناوب في مكان الاعتصام فتدخل «فرقة» وتخرج اخرى وفق جدول اعد في الايام القليلة الماضية وتتضمن كل مجموعة عناصر من اطياف المعارضة كافة يقود كل منها مسؤول ميداني ينسق مع غرفة عمليات خاصة انشئت لمتابعة التطورات على الارض.
وبالنسبة لتوقيت التحرك فهو مرتبط بعدة عوامل سياسية واجتماعية ودينية لان المسائل اللوجستية كانت جاهزة قبل اغتيال الوزير بيار الجميل، وتشير المصادر نفسها الى ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واطراف المعارضة انتظروا «الضوء الاخضر» لبدء التحرك من الرابية حيث عكف الجنرال ميشال عون خلال الساعات القليلة الماضية على دراسة واقع الشارع المسيحي «المحتقن» على وقع الاساءات التي تعرض لها التيار الوطني عقب اغتيال الجميل، وبعد دراسة مستفيضة لم يجد الجنرال اي مسوغ لتأجيل التحرك خصوصاً ان الحملة لم ولن تتوقف والاحتقان سوف يستمر لان الحرب ضده منذ عودته الى لبنان معركة الغاء لدوره ودور الاكثرية المسيحية التي يمثلها بعد ان رضي رئيس الهيئة التنفيذية في القوات سمير جعجع بدور ثانوي في معادلة السلطة واخرج المسيحيين من دائرة القرار لصالح تيار المستقبل.
وتشير المصادر الى ان التحرك كان يمكن ان يبدأ امس لكن المعارضة اختارت التأجيل ساعات قليلة الى آخر الاسبوع رغبة منها في التقليل من الاضرار الاقتصادية علّ قوى السلطة ترضخ للضغط الشعبي قبل الاثنين المقبل، كما ان المنظمين ارادوا ان تبدأ عملية التغيير بعد انتهاء الشهر الجاري بحيث يتمكن المواطنون كافة من قبض رواتبهم.
وفي الشق الديني للمسألة فان التوقيت كان لافتا بالنسبة للكثيرين حيث لا يخفى على احد قدسية يوم الجمعة عند المسلمين فيما انطلاق التحرك عند الساعة الثالثة بعد الظهر له دلالة خاصة عند المسيحيين الذين يؤمنون بان ابواب السماء تكون مفتوحة في هذه اللحظات امام الدعاء ومناجاة الله.
وتلفت المصادر الى ان السيد نصرالله في دعوته امس تقصد التأكيد في كلمته المتلفزة على عروبة بيروت وردد اكثر من مرة هذا التعبير ليقول الى من يعنيهم الامر ان بيروت ليست ملكاً لاحد وهويتها السياسية لا يحددها اي طرف لبناني بمعزل عن شركائه في الوطن وما يحصل اليوم ليس صراع نفوذ على السلطة بل معركة استعادة الهوية الحقيقية لهذا البلد الذي يحاول البعض تحويله الى ساحة لتصفية الحسابات مع دول اقليمية في المنطقة.
وتلفت المصادر الى ان اركان السلطة مربكون ويشعرون بالتوتر والقلق ويكابرون من دون جدوى، وفي رأيها فان استغاثة الوزير مروان حماده امس لن تجديه نفعاً ومحاولاته لايصال صوته الى اذان الرئيس الاميركي جورج بوش غير مجدية، لانه جاء الى المنطقة باحثا عمن ينقذه من ورطته ومل سماع اصوات البكاء والنحيب ممن فقد الثقة بهم بعد ان خذلوه، ولكن ما في يده حيلة «وما في بالميدان الا حديدان».
وتشير المصادر الى ان يأس حماده دفعه بالامس الى تذكير الرئيس الاميركي انه ورفاقه ما زالوا موجودين وحاول لفت انتباهه الى انهم جزء من الادوات «الفاعلة» لضرب ايران. ولذلك استحضر في تصريحاته امس تخيير اللبنانيين بين الديموقراطية وحكم الملالي في طهران.
وبذلك يكون الوزير حماده كشف في شكل واضح دوره ودور اصدقائه في استحضار الصراعات الخارجية الى الساحة اللبنانية، خصوصاً ان اهم اهداف جولة بوش كانت استنهاض الدول والحكومات العربية التي تدور في فلك واشنطن لتضييق الخناق على ايران وسوريا وقد كشفت مصادر غربية في لندن عن رسالة ابلغها الملك الاردني عبدالله الثاني الى الرئيس الاميركي ومفادها ان احتواء الحرب الاهلية في العراق لا يمر من خلال اشراك ايران وسوريا بل اعطاء دور اكبر للعرب السنة، هناك «واذا كانت الحرب قد عززت دور طهران فمن غير المقبول ان يعزز احلال السلام دورها مرة اخرى».
وتزامنت هذه المعلومات مع دخول المملكة العربية السعودية بقوة على خط الصراع في العراق لمواجهة النفوذ الايراني وهو ما عبر عنه صراحة نواف عبيد المستشار الامني للعاهل السعودي في حديث لصحيفة الواشنطن بوست امس، وهو ما يفسر التذبذب الواضح في مواقف رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري. وازاء ذلك تؤكد المصادر ان المعارضة في تحركها اليوم تبدأ عملية انقاذية للبلاد من احلام البعض الذين ما زالوا يراهنون على سياسة الاحلاف ويدخلون لبنان في صراع لا طاقة له على تحمله.
وتنصح المصادر قوى السلطة بان تتعقل وتقبل بالشراكة وبالامر الواقع الجديد لان اوهام البعض التي تدفعهم الى الاعتقاد ان العالم سيتجند لمساعدتهم ليست واقعية، فاسرائيل اصبحت ورقة محروقة ولم تخرج بعد من خيبة املها، اما اتكال البعض على قوات اليونيفيل فهو «مضحك» لان الجميع يعرف ان مجرد تحوير مهامها سيدفع بجنودها الى العودة «سباحة» الى بلادها.
"الديار"
التعليقات