09/12/2006 - 08:29

الصراع على السلطة في لبنان وارتباطه بالمواجهة الاقليمية ــ الدولية../ نزار عبد القادر

الصراع على السلطة في لبنان وارتباطه بالمواجهة الاقليمية ــ الدولية../ نزار عبد القادر
لم يعد من الممكن بعد كل ما شاهدناه وما سمعناه منذ بداية الحرب التي شنتها اسرائيل على ‏لبنان في تموز الماضي، وحتى اليوم القبول بالمنطق القائل بان اسباب وجوهر الازمة الخطيرة ‏التي نواجهها تنحصر في مطالبة قوى المعارضة بقيادة حزب الله بتشكيل حكومة وحدة وطنية، ‏تحصل فيها المعارضة على الثلث المعطل في مجلس الوزراء. ولم يعد من الممكن اقناع أي عاقل ‏بأن الدوافع التي تحرك حلفاء سوريا في لبنان تقتصر على تحقيق مثل هذا الهدف المحدود، والذي ‏لم يكن يشكل في الحكومات السابقة اي مشكلة سياسية، خصوصا ان لبنان قد اعتاد في جمهورية ‏الطائف ممارسة نظام المحاصصة بين القيادات السياسية. تحاول هذه المعارضة ان تخفي وراء ‏خطابها السياسي الداخلي الاجندة الاقليمية، التي تستمدها من الاهداف والمصالح التي يرفعها ‏التحالف الايراني ــ السوري في وجه الهجمة الاميركية على المنطقة، وفي وجه السياسة ‏الاسرائيلية التوسعية.‏

قبل الغوص في تحليل اسباب الازمة على المستويين الاقليمي والداخلي، يمكن من خلال القاء نظرة ‏سريعة ومتفحصة للفرز الحاصل بين القوى على هذين المستويين التوصل الى الاسنتاج بان ‏المواجهة الشاملة لا تقتصر على المسرح اللبناني بل تتعداه الى المسرح الاوسع والذي يبدأ ‏من افغانستان وصولا الى الساحل الشرقي للبحر المتوسط اي الى لبنان وغزة.‏

بالاختصار الشديد نرى ان المشهد اللبناني الداخلي هو منقسم ما بين حلفاء اميركا، وحلفاء ‏ايران وسوريا، بينما نرى ان المشهد الاقليمي هو ايضا منقسم الى معسكرين، يفصل بينهما ‏خط مواجهة «ايديولوجي» تقف على جانب منه ايران المتحالفة مع سوريا وفي الجانب الآخر كل ‏من المملكة العربية السعودية والاردن ومصر. لكن تبقى الولايات المتحدة اللاعب الاساسي في ‏هذه المواجهة الاقليمية الكبرى، وخصوصا في تقرير سياسة السلام والحرب سواء في خدمة اهدافها ‏للهيمنة على المنطقة وثرواتها النفطية او في خدمة المصالح الاسرائيلية.‏

لا نظلم الولايات المتحدة اذا قلنا انها باستراتيجيتها التوسعية التي اعتمدتها بعد احداث ‏‏11 أيلول قد سعّرت الخلافات بين الاطراف الاقليميين، خصوصا بعدما اعتقد المحافظون الجدد في ‏ادارة الرئيس بعد سقوط بغداد ان بامكانهم رسم خريطة سياسية جديدة للشرق الاوسط، وذلك ‏من خلال العمل على تغيير انظمة الحكم في عدد من الدول ابرزها: سوريا وايران ولبنان.‏

لكن فشل الجيوش الاميركية في السيطرة على الاستقرار في العراق قد بددت «الحلم الاميركي» في ‏اقامة ديموقراطيات وفق النموذج الغربي في المنطقة وجاءت الحرب في لبنان بعد ذلك لتؤكد ‏مرة جديدة فشل القوى العسكرية التقليدية في السيطرة على حركات المقاومة الشعبية. من ‏هنا فان التأزم الحاصل في العراق وفلسطين ولبنان ما هو الا نتيجة مباشرة للفشل الاميركي ‏ــ الاسرائيلي المزدوج.‏

تؤشر الزيارات المتلاحقة للمنطقة التي قام بها كل من الرئيس بوش ونائب الرئيس تشيني ‏ووزيرة الخارجية رايس في الفترة الاخيرة الى الهواجس والمخاوف التي تشعر بها واشنطن من اعلان ‏فشل استراتيجيتها في العراق، والتي ستنعكس مباشرة بصورة سلبية للغاية على نفوذها في ‏المنطقة، ومصالحها النفطية في الخليج بالاضافة الى انكشاف الامن الاسرائيلي امام قدرات ‏ايران النووية والصاروخية او امام تهديدات المقاومة المتمثلة بحزب الله وحركة حماس.‏

لا يمكن الفصل بين ما يجري في لبنان وما يجري في العراق او فلسطين فالكل يشكل مسرح العمليات ‏الاوسع للاستراتيجية الكبرى لكل من الولايات المتحدة وايران، وهذا ما يؤشر اليه بالتأكيد ‏الاهتمام السعودي ــ المصري ــ الاردني لما يجري الان في لبنان، وهذا ما يؤشر اليه ايضا ‏موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في التعبير عن دعمه للرئيس السنيورة وحكومته.‏

تحاول ايران وسوريا منذ انتهاء الحرب الاسرائيلية على لبنان توظيف نتائج الحرب في ‏المواجهة الواسعة مع الولايات المتحدة، وذلك من خلال تحريك التحالف الموالي لهما بقيادة حزب ‏الله من اجل قلب موازين القوى السياسية في لبنان، على ان تكون الخطوة الاولى السيطرة على ‏السلطة التنفيذية، وذلك كنقطة انطلاق للسيطرة الشاملة، وهذا ما افصح عنه السيد حسن ‏نصر الله في خطابه امس لجهة العمل على قلب الاكثرية الى اقلية، تمهيدا لاجراء انتخابات ‏نيابية مبكرة تتهيأ فيها الظروف لحصول قوى المعارضة على اكثرية المقاعد في مجلس النواب.

‏ويؤكد خطاب السيد حسن نصرالله امس سواء في مضامينه او في لهجته العالية بأن المعارضة ‏‏(المتحالفة مع ايران وسوريا) هي مصرة على تحقيق اهدافها التي تتعدى المشاركة بثلث ‏الحكومة. لقد ظهر ذلك بوضوح من خلال الاتهامات التي ساقها ضد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ‏والتي وصلت الى اتهامه بالتآمر على المقاومة وعلى أمن البلد. وكان اللافت ان السيد حسن ‏نصرالله قد اختار توقيت خطابه «الناري» مع صدور تقرير لجنة بيكر - هاملتون وكأنه يقرأ ‏في هذا التقرير انقلابا في موازين القوى في المنطقة وبأن المرحلة المقبلة في المواجهة ‏الداخلية ستكون لصالح المعارضة، مما سيمكنها من تشكيل حكومة انتقالية تمسك بزمام الامور ‏في البلد كبديل للحكومة التي تسيطر عليها الاكثرية.

هذا التهديد يعيدنا بالذاكرة الى ‏الازمة التي واجهها لبنان والتي ادت الى وجود حكومتين بفعل التجاذبات الاقليمية والدولية ‏التي بدأت مع الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 وانتهت بالهجوم على بعبدا في عام 1990.‏

في الواقع هناك رياح جديدة بدأت تهب باتجاه المنطقة مصدرها لندن وبرلين وواشنطن، وقد ‏جاءت توصيات لجنة بيكر - هاملتون بعد التحرك البريطاني والألماني باتجاه دمشق لتؤكد انه ‏في حال نجاح المحادثات الاميركية - السورية يمكن ان تتحقق القراءات التي عبّر عنها السيد ‏نصرالله، والتي ستفضي خلال المستقبل المنظور الى تحوّل الاكثرية الى اقلية.‏
يفترض ان تقلّب الاكثرية النيابية وحكومتها كل الخيارات الممكنة:‏
على المستوى الداخلي، من اجل البحث عن ارضية للوفاق تحدد من خلالها مستوى الخسائر ‏السياسية والاقتصادية، وعلى المستوى الدولي والاقليمي من اجل الحفاظ على قدر من الدعم ‏العربي والاميركي يؤمن لها استمرار التماسك والصمود.‏

تبدو المواجهة طويلة ومعقدة بحيث انه لم يعد في الافق أي امكانية لمبادرة حوارية بين ‏الاكثرية والمعارضة ولا يمكن توقع حدوث اي تطور دراماتيكي نتيجة توصيات لجنة بيكر - ‏هاملتون في المدى القريب او المتوسط، ويفترض هذا الوضع ان تعد الحكومة نفسها للصمود لفترة ‏قد تمتد لبضعة اسابيع او اشهر، وان تطلق تحركا ديبلوماسيا فاعلا لتأمين استمرارية الدعم ‏الدولي والعربي لشرعيتها وبقائها.‏

"الديار"

التعليقات